غطاسو الصرف الصحي: شغلنا طوارئ على مدار اليوم.. والإجازات بالنسبة لنا رفاهية لا نملكها

كتب: رضوى هاشم وشيماء عادل

غطاسو الصرف الصحي: شغلنا طوارئ على مدار اليوم.. والإجازات بالنسبة لنا رفاهية لا نملكها

غطاسو الصرف الصحي: شغلنا طوارئ على مدار اليوم.. والإجازات بالنسبة لنا رفاهية لا نملكها

فى الوقت الذى يحرص فيه الأشخاص على استخدام المطهرات، وارتداء الماسكات والقفازات البلاستيكية، والتباعد الاجتماعى، والجلوس فى المنزل، منعاً لإصابتهم بفيروس كورونا المستجد، كان محمد أحمد عبدالوهاب الشهير بـ«ميشو»، لديه مهمة من نوع خاص وهى الغطس فى مجارى الصرف الصحى، لتطهيرها تارة أو القيام بعمليات تسليك تارة أخرى، مرتدياً بدلة غوص ونظارة لحماية عينيه، حاملاً على ظهره أسطوانة أكسجين.

عمل متواصل يزاوله الكابتن «ميشو»، كما يناديه زملاؤه فى العمل، مع شركة المياه والصرف الصحى بالجيزة، منذ 11 عاماً، بعدما درس الغوص وحصل على شهادة مدرب، ليضيفها إلى شهادته الجامعية كخريج فى كلية الحقوق، رأى فيها الكثير والكثير، ويمتلك حكايات لا يصدقها البعض من شدة غرابتها، قائلاً: «الناس فى مصر بتتعامل مع الصرف الصحى بشكل غريب، يعنى لما أقول لحد إنى مرة طَلّعت نخلة من البالوعات، ومرة ثانية أجزاء من سيارة، الناس بتعتبرنى بابالغ».

"ميشو": لازم نكون مستعدين.. والشركة وفرت لنا أدوات حماية مثل الكمامات الطبية والمطهرات

العمل المتواصل لم يتأثر بكورونا، هكذا تابع «ميشو» حديثه: «شغلنا طوارئ لازم نكون مستعدين، خلال جائحة كورونا، الشركة وفرت لنا أدوات حماية مثل الكمامات الطبية والمطهرات، وكنا بننزل أوردرات لإجراء عمليات تطهير مستمرة»، مشيراً إلى أن عمله هو وزملائه فى مجال الصرف الصحى واجب لا يمكن تركه أو التخلى عنه.

العمل فى مجال الصرف الصحى، أمر يبرره الكابتن «ميشو» بقوله: «كانت تجربة جديدة، وأنا يعتبر أول واحد دارس يشتغل فى مجال الغوص فى هذا المجال، حبيت أدخل فيه وأتميز ونخلق فريقاً وجيلاً جديداً من الغطاسين الدارسين، حتى نستطيع المنافسة على المستوى الدولى من خلال الإعارات التى تقوم بها الدولة للخارج وإدخال عملة صعبة إلى خزينة الدولة»، مشيراً إلى وجود زميل له فى الشركة يعمل غواصاً، خريج كلية تربية بتفوق، حيث كان حاصلاً على المركز الثانى فى دفعته، ويحضر الآن لدراسات عليا، ورغم ذلك اختار أن يكون غواصا ًفنياً فى شركة المياه والصرف الصحى بالجيزة.

مواصفات عدة وخطوات يجب أن يتبعها الغواص قبل النزول إلى مجارى الصرف، حسب «ميشو»: «أول حاجة الغواص لازم يكون لائق بدنياً، وأن يكون مجتازا ًلكشف طب الأعماق، خاصة أن الغوص بيزيد الضغط على جسم الإنسان، وبالتالى يجب أن يكون الغواص مجتازاً لهذا الكشف، حتى لا يتعرض لإغماءات أو نزيف أو شلل ينتهى بالوفاة».

أما بالنسبة لإرشادات ومعايير الأمن التى يجب أن يلتزم بها الغواص فى عمله، فيوضح «ميشو»: «قبل النزول إلى مجرى الصرف الصحى، لا بد أن يقوم فريق الأمن الصناعى بمجموعة من الخطوات، أبرزها أن يصنع كردوناً من خلال استخدام الأقماع البلاستيكية حول مكان العمل، كما يقوم بقياس نسبة الغازات بعد فتح مجرى الصرف من خلال جهاز معين، والتأكد بأن النسب آمنة، حتى لا يتعرّض الغواص لأى مشكلات»، لافتاً إلى أن عين الغواص بالأسفل هى يده، خاصة مع ضعف الإضاءة حتى لو قام باصطحاب أو ارتداء كشافات ضوئية، فإن الإضاءة تظل ضعيفة، مردداً: «عين الغواص إيده، لذلك لا نقوم بارتداء قفازات حتى لا نفقد حاسة اللمس أثناء العمل».

وحول المعايير التى تميز غواصاً عن غيره، لفت «ميشو»: «الغواص يجب أن يكون ملماً بطبيعة عمله، وكذلك مخاطر العمل فى مهنة الغوص فى الصرف الصحى، وأن أى خطأ يمكن أن يعرّض صاحبه للنزيف أو الشلل أو الوفاة، فمثلاً، هناك 3 أنواع من الغازات التى تقابل الغطاس أثناء عمله، وهى غاز الميثان القابل للاشتعال، وآخر خانق مثل ثانى أكسيد الكربون، ثم كبريتيد الهيدروجين، لذلك يجب أن يتأكد الغواص من خلال فريق الأمن الصناعى بأن نسبة هذه الغازات قليلة جداً وآمنة ويمكنه وقتها النزول لاستكمال عمله».

لم تكن الكورونا هى الظروف الاستثنائية الوحيدة التى واجهت «ميشو»، خلال عمله فى مجال الصرف الصحى، فهناك مواقف صعبة يتعرّض لها باستمرار خلال عمله، كان من بينها ما حدث أثناء ثورة 25 يناير، عندما هاتفته الشركة وأخبرته بأن لديه مهمة إنقاذ لرجل سقط فى إحدى بالوعات الصرف الصحى، أثناء قيامه بسرقة غطاء البالوعة، وأثناء توجّه «ميشو» لإتمام عملية الإنقاذ صدمته إحدى السيارات، ورغم ذلك أصر على القيام بمهام عمله، قائلاً: «حياة الإنسان تساوى الكثير، واللحظة بتفرق، والحمد لله أنقذناه وطلع سليم». نصائح يوجهها «ميشو» للمواطنين، أملاً فى تخفيف العبء عنه وعن زملائه، أبرزها: «الصرف الصحى للمخلفات السائلة فقط وليس للصلبة»، مشيراً إلى أن المواطن يتعامل مع الصرف الصحى بطريقة خاطئة تؤثر سلباً على سير العمل بالمنظومة»، متمنياً ألا يجد نخلة مرة أخرى أو أجزاء من سيارات.

عمل «ميشو» يرتبط بإجراءات السلامة والصحة المهنية، التى يقوم بها المهندس خالد عبدالمعطى، من إدارة السلامة والصحة والمهنية، لتأمين بيئة العمل، قائلاً: «بمجرد تسلم أمر العمل، نستطيع تقييم المخاطر، وبالتالى وضع خطة للتأمين»، لافتاً إلى أن وظيفته تأمين بيئة العمل لزملائه، وأن يسير العمل بشكل آمن منذ بدايته وحتى نهايته.

"خالد": غاز "كبريتيد الهيدروجين" قد يعرّض حياة الغطاس للخطر

يقول «خالد»: «أعمل فى السلامة والصحة المهنية منذ 26 عاماً، والحمد لله خلالها لم يتعرض أى عامل لأى مخاطر أثناء العمل، والتى تبدأ بتأمين محيط العمل من خلال الحواجز، وكذلك قياس نسبة الغازات قبل نزول الغطاس إلى مجرى الصرف، التى تحتوى على 3 مستويات، المستوى الأول قياس غاز الميثان المشتعل، والثانى قياس عاز أول أكسيد الكربون، والثالث غاز كبريتيد الهيدروجين، وهو أخطرها لأنه يوجد فى قاع المجرى وبمجرد تقليب الرواسب يتم إطلاقه، وهو ما يجعلنا نستخدم الهواية حتى يتم تقليل تلك النسبة بشكل آمن لنزول الغطاس». ويضيف: «لا يتوقف عملنا بنزول الغطاس، لكننا نستمر بقياس نسبة الغازات والتواصل مع الغطاس من خلال مجموعة من الإشارات، لنتأكد أن كل شىء يسير بأمان».

وحول العمل فى ظل جائحة كورونا، يؤكد «خالد» أن وظيفته، وظيفة طوارئ، لا يمكن تركها بسبب جائحة كورونا، وأنه وزملاءه ليست لديهم رفاهية الإجازات أو ملازمة المنزل، فأغلبنا يخرج من منزله ولا يعلم متى يعود، وظيفتنا تعتمد عليها أرواح زملائنا، وأرواح الناس غالية ولا بد من تأمينها.


مواضيع متعلقة