"الإفتاء" توضح كيف عالج الإسلام ظاهرة التنمر

"الإفتاء" توضح كيف عالج الإسلام ظاهرة التنمر
تلقت دار الإفتاء المصرية، عبر موقعها الرسمي، سؤالا عن الحكم الشرعي للتَّنَمُّر وما يشتمل عليه من أفعال وكيف يعالج الإسلام تلك الظاهرة؟
وقال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، إن التَّنَمُّر بجميع صوره مذمومٌ شرعًا، ومَجَرَّمٌ قانونًا، ويَدُل على خِسَّة صاحبه وقلة مروءته؛ وذلك لما يشتمل عليه من الإيذاء والضرر الـمُحَرَّمين، إضافة لخطورته على الأمن المجتمعي من حيث كونه جريمة.
وناشد دار الإفتاء المصرية جميع فئات المجتمع بالعمل على التصدي لحل هذه الظاهرة، ومواجهتها، وتحَمُّل المؤسسات التعليمية والدعوية والإعلامية دورها من خلال بيان خطورة هذا الفعل والتوعية بشأنه؛ بإرساء ثقافة الاعتذار في المجتمع، ومراعاة حقوق الآخرين.
وأضاف أن التَّنَمُّر يشتمل -بناءً على تعريفه السابق- على السخرية واللمز والاحتقار؛ وهي أفعال مذمومة؛ جاء الشرع الشريف بالنهي عنها صراحة في القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾
فهذا نهي عن هذه الأفعال الثلاثة، وأولها: السخرية، وهي في معنى الاستهزاء والاحتقار؛ يقول الإمام القرطبي المالكي في "تفسيره" (16/ 325، ط. دار الكتب المصرية): [ينبغي أن لا يجترئ أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه إذا رآه رث الحال، أو ذا عاهة في بدن، أو غير لبق في محادثته، فلعله أخلص ضميرًا أو أنقى قلبًا ممن هو على ضد صفته؛ فيظلم نفسه بتحقير مَن وقره الله، والاستهزاء بمَن عظمه الله، ولقد بلغ بالسلف إفراط توقيهم وتصونهم من ذلك أن قال عمر بن شراحبيل: "لو رأيت رجلًا يرضع عنزًا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الذي صنع"، وعن عبد الله بن مسعود: "البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبًا"، قال عليه السلام: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»] اهـ.
وأما الاحتقار؛ فالنهي عنه صريحٌ في حديث الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ».
ففي هذا الحديث شَدَّد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النهي عن الاحتقار، والمعنى: أي يكفي الإنسان من الشر وشدته أن يحقر أخاه المسلم، فلا أشر من ذلك شر؛ قال الإمام الملا على القاري في "مرقاة المفاتيح" (7/ 3106، ط. دار الفكر): [وقوله: «أن يحقر أخاه» خبره أي: حسبه وكافيه من خلال الشر ورذائل الأخلاق تحقير أخيه المسلم] اهـ.
وأما اللمز ومعه الهمز؛ فهما بمعنى العيب والطعن، والهمز يكون بالفعل واللمز يكون بالقول، وقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن أن يعيب بعضنا البعض، وأن يطعن بعضنا البعض؛ قال الإمام ابن كثير في "تفسيره" (7/ 376، ط. دار طيبة للنشر والتوزيع): [وقوله: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ أي: لا تلمزوا الناس. والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون، كما قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة:1]، فالهمز بالفعل واللمز بالقول، كما قال: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم: 11] أي: يحتقر الناس ويهمزهم طاعنا عليهم، ويمشي بينهم بالنميمة وهي: اللمز بالمقال؛ ولهذا قال هاهنا: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾، كما قال: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: 29] أي: لا يقتل بعضكم بعضا] اهـ.
كما أنَّ التَّنَمُّر قد يشتمل على السب وبذاءة اللسان، وهو مَحرَّمٌ شرعًا، ومُوجِبٌ لفسق صاحبه؛ ففي الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ».قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (9/ 241): [سباب المسلم فسوق؛ لأن عرضه حرام كتحريم دمه وماله، والفسوق في لسان العرب: الخروج من الطاعة، فينبغي للمؤمن أن لا يكون سبَّابًا ولا لعَّانًا للمؤمنين، ويقتدي في ذلك بالنبي عليه السلام؛ لأنَّ السب سبب الفرقة والبغضة] اهـ.
وقال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (2/ 54): [وأما معنى الحديث: فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة وفاعله فاسق] اهـ.
والسب والتعدي على أعراض الإنسان وإيذاؤه بالضرب أو القتل ونحوه كل ذلك سبب لإفلاس الإنسان يوم القيامة؛ فقد أخرج الإمام الترمذي في "سننه" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «المُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَزَكَاتِهِ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا فَيَقْعُدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ».