دينا عبد الفتاح تكتب: لا "للكاش"!

كتب: دينا عبد الفتاح

دينا عبد الفتاح تكتب: لا "للكاش"!

دينا عبد الفتاح تكتب: لا "للكاش"!

«الفلوس مالهاش شهادة ميلاد ولا حد يقدر يطلع لها شجرة عيلة».. هذا هو المنطق الذى كان يحكم فكرنا جميعاً فى تسعينات القرن الماضى.. بحكم التعاملات المالية القائمة على «الكاش».. وساعد هذا المنطق بشكل كبير فى ازدهار صناعة «غسيل الأموال» التى كانت قائمة على نقود لا أحد يعلم لها صاحباً.. تدخل الدولة بطريقة ما ثم يتم تمريرها فى مشروعات تجارية، ليس شرطاً أن تخسر أو تربح فى الواقع.. ولكنها على الأوراق كانت تحقق أرباحاً وهمية.. يتم دفع الضرائب الخاصة بها وشرعنة الجزء المتبقى من هذا الربح من وجهة نظر القانون!

وكانت تتسبب هذه المشروعات التجارية الممولة بـ«المال القذر» فى إلحاق أضرار كبيرة ببيئة المنافسة العادلة فى السوق.. وكانت تدفع بعض الاستثمارات للتخارج وتقييم السوق بنظرة سلبية من المستثمرين الدوليين.. وكان الكثيرون يحصلون على وظائف بمرتبات مجزية فى هذه المشروعات ثم يتم تصفيتها بشكل مباشر بعد انقضاء الغرض منها «غسيل الأموال» مما كان يتسبب فى أضرار جسيمة على هؤلاء الأفراد.

ليس هذا فحسب، فقد استخدم «الكاش» وإتمام التعاملات المالية خارج البنوك وبعيداً عن أعين الجهات الرقابية فى الرشاوى والإكراميات التى كانت سبباً مباشراً فى ضياع حقوق الكثيرين واغتناء موظفين بأساليب غير شرعية على حساب حقوق الدولة والمواطنين.

ولعب «الكاش» دوراً واضحاً فى انتشار القطاع غير الرسمى من الصناع والتجار الذين يحصلون على كل الخدمات التى تقدمها الدولة دون أن يسددوا أياً من الضرائب المستحقة على أنشطتهم.. فأصبح هناك تاجران يبيعان نفس السلعة؛ الأول «رسمى»، والثانى «غير رسمى» يبيع السلعة بسعر أقل من التاجر الأول ويربح أكثر منه.. نتيجة عدم أدائه حق الدولة.. وبهذا انتشرت المنافسة غير العادلة وتأثرت إيرادات الدولة من الضرائب بشكل كبير.

وهنا.. ماذا لو رفضنا جميعاً الدفع أو استقبال الأموال عن طريق «الكاش» واستخدمنا البطاقات البنكية التى باتت فى أيدى غالبية المصريين من مستحقى الرواتب والمعاشات وأصحاب الأعمال والمدخرين فى البنوك وغيرهم؟!

هنا سيتغير كل شىء، فجميع الأموال ستصبح تحت أعين الجهات الرقابية وتستطيع بكل بساطة «استخراج شهادة ميلاد للجنيه» وتقصى «شجرة العيلة» الخاصة به لبيان مصدره.

ولن يتمكن أحد من سكب الأموال القذرة على الاقتصاد بهدف غسيلها.. ولن يتمكن الموظف المرتشى من جمع الأموال اعتماداً على الاتصال المباشر فى التعاملات المالية بينه وبين من يبتزهم أو من يسهل لهم الاستيلاء على حقوق الغير.. ولن يستطيع التاجر غير الرسمى بيع وحدة واحدة من سلعته إلا إذا فتح حساباً بنكياً رسمياً وقام بشرعنة نشاطه التجارى.

لذا أصبحت كل الطرق وكل الاختيارات المتاحة أمامنا تلزمنا بضرورة إتمام التعاملات المالية من خلال النظام البنكى وشركات المدفوعات المختلفة واستبدال «الكاش» بالبطاقات البنكية والأرصدة فى محافظ الهاتف المحمول وغيرها من الوسائل التى ستمكنك من إتمام كل ما تريد بأبسط وأيسر وأأمن الطرق.

هذا هو ببساطة مفهوم «الشمول المالى» وأهميته فى تحقيق نقلة كبيرة للاقتصاد والمواطن.

تأتى هذه العوامل إلى جانب الوفر الكبير الذى سيحققه الشمول المالى فى التكلفة التى تخصصها الدولة سنوياً لإحلال وتجديد النقود أو طباعة النقود الجديدة التى تتم وفق الغطاء النقدى، فالاعتماد على وسائل الدفع الإلكترونية والاحتفاظ بالمدخرات فى شكل أرصدة بنكية سيوفر المليارات للدولة.

لذا علينا جميعاً أن نساند هذا الهدف.. ونساند البنك المركزى المصرى فى كل خطواته التى تستهدف تعزيز مؤشرات الشمول المالى.. وأن نبدأ بأنفسنا ونقول «لا للكاش» ونفعلها!


مواضيع متعلقة