دينا عبد الفتاح تكتب: ثلاثية.. المستهلك والمستثمر والدولة!

كتب: دينا عبدالفتاح

دينا عبد الفتاح تكتب: ثلاثية.. المستهلك والمستثمر والدولة!

دينا عبد الفتاح تكتب: ثلاثية.. المستهلك والمستثمر والدولة!

ليست دعوة للتشاؤم، وإنما استدعاء للحذر، وليست كلمات للتخويف، وإنما تحكيم للعقل.. حتى لا يرتفع سقف الطموحات، ونُصدم بالنتائج.. فلا شىء سيعود لطبيعته خلال الشهور المقبلة، حتى مع إعلان أو اعتزام الحكومة إعادة الحياة تدريجياً للاقتصاد من خلال عودة بعض الأنشطة، وتخفيف القيود المفروضة حالياً.

فمن المسلمات أو معطيات المرحلة المقبلة أن المستقبل سيختلف اختلافاً جذرياً عن الماضى، فالعالم بعد كورونا لن يكون مثل العالم قبله.. كل شىء سيختلف؛ مستويات الدخول وعادات الإنفاق وأولويات الاستثمار واحتياطيات المخاطر وحسابات الربح والخسارة.

ستختلف أيضاً نظرتنا وتقييمنا لمدى قوتنا كبشر فى ظل الذكاء الاصطناعى والصعود للقمر والأتمتة وتكنولوجيا هذا العصر التى لم يسبق لها مثيل.. ستتغير بلا شك موازين القوى الدولية سياسياً واقتصادياً بشكل نسبى وإن لم توضح المؤشرات حتى الآن من سيصعد ومن سيهبط.. ولكن حتماً هناك تغيير قادم!

سيخرج من هذه الأزمة رابحون جدد.. قد يُطلق عليهم «الروتشيلديون الجدد» إن لم يكن هؤلاء الرابحون هم جزءاً بالفعل من عائلة روتشيلد!

وسيخرج منها أيضاً خاسرون تنازلوا عن ممتلكاتهم بأسعار بخسة، أو باعوا أسهمهم فى موجة الخوف الحالية أو قاموا بتسييل أصولهم لثقتهم فى النقود بشكل أكبر.

كل هذه الحسابات ستصنع عالماً جديداً اقتصادياً وسياسياً.. علينا أن نتعايش معه ونتأقلم مع متغيراته ونقبل بها.. فما زلنا حتى الآن شعوب دول نامية عليها القراءة والتعلم دون خوض معارك لا ينبغى أن نكون أطرافاً فيها بموازين القوة الحالية.

وهذا العالم الجديد سنكون جزءاً منه فى مصر.. وسيشهد الاقتصاد تغيرات جذرية، على الأقل حتى نهاية 2021.. علينا أن نتنبه لها على مستوى جميع قطاعات الاقتصاد.. وأن نعيد حساباتنا وفقاً لاتجاهاتها.. فالمستهلك سيكون أكثر حذراً فى قرارات الشراء.. والمستثمر سيكون أكثر تريثاً فى قرارات الاستثمار.. والتاجر سيكون أكثر شراسة فى قرارات التسعير.

هذه المعادلة ستصنع تحديات كبيرة أمام الاستثمار والاستهلاك، وبالتبعية آثاراً واسعة على النمو الاقتصادى ومعدلات التشغيل والبطالة ومتوسطات الدخل ومعدلات الفقر.

حذر المستثمر سيصنع تحدياً أمام نمو استثمارات القطاع الخاص التى تمثل أكثر من 60% من جملة الاستثمارات فى مصر فى النصف الأول من العام المالى الحالى مقابل حوالى 38% للاستثمارات العامة.. وبالتبعية سيؤثر ذلك بشكل كبير على مساهمة القطاع الخاص فى الناتج المحلى الإجمالى التى زادت على 72% فى الفترة نفسها لأول مرة من سنوات مضت.

وحذر المستهلك هو الآخر سيصنع قيوداً جديدة أمام تصريف الإنتاج فى عدد من القطاعات التى ستخرج عن تفضيلات المستهلكين لفترة ليست بالقصيرة خاصة بعد تراجع أو انهيار أو توقف دخول شرائح كبيرة من المجتمع.

وستشمل هذه القطاعات الترفيه والسياحة وبعض القطاعات الصناعية مثل الملابس ومنتجات الزينة والعقار الفاخر والسياحى وغيرها من القطاعات التى ستشملها دفة التأثير بشكل كبير.

الدولة هى الأخرى أصبحت مطالبة بإعادة ترتيب أولوياتها فى الإنفاق.. حتى لا يتسع عجز الموازنة بشكل كبير.. فمن ناحية ستزداد بنود الإنفاق الاجتماعى لمساندة المتضررين من الأزمة الحالية والإنفاق الصحى الذى يعد خط الدفاع الأول أمام هذا الوباء القاتل.. فى حين ستنخفض بعض بنود الإيرادات وفى مقدمتها الضرائب المفروضة على القيمة المضافة وأرباح الشركات ودخول الأفراد، والرسوم الجمركية.

وهذا الوضع سيصنع تحدياً كبيراً أمام إنفاق الدولة على الاستثمار وسيحجم من قدرتها على تعويض الانخفاض المتوقع فى إنفاق القطاع الخاص.

وبالتالى فالأطراف الثلاثة للمعادلة الاقتصادية سيغيرون من نمط تعاملهم.. وهم المستثمر والمستهلك والدولة، بحيث سيسعى كل من المستهلك والمستثمر لتعظيم منافعهم الشخصية، الأول بتعظيم المنفعة والإشباع، والثانى بتعظيم الربح وتقليل احتمالات الخسارة، بينما ستسعى الدولة لاحتواء الضرر الناتج عن هذا السعى دون أن تتحمل ما يفوق قدرتها من الالتزامات المالية والديون الداخلية والخارجية.

إذاً.. الوضع صعب بالنسبة للجميع.. وعلينا أن نتقبل قرارات المستقبل أياً كانت.. وأن نشارك الدولة فى تحمُّل المسئولية.. باعتبار أن الجميع فى مركب واحد يحمل شعار الوطن، ويسير حتى الآن بكل استقرار بفضل الله.. ثم القيادة السياسية الواعية والحكومة المجتهدة حالياً.


مواضيع متعلقة