دينا عبدالفتاح تكتتب : الأزمة ومنطق الجيل الجديد!

دينا عبدالفتاح تكتتب : الأزمة ومنطق الجيل الجديد!
«جيل الإغلاق».. لفت نظرى هذا المصطلح الذى تحدثت عنه منظمة العمل الدولية فى وصفها لجيل الشباب الحالى وبالتحديد الجيل المقبل على سوق العمل بعد انتهاء رحلته الدراسية، لأن هذا الجيل هو بالفعل كما تحدثت المنظمة هو جيل الإغلاق الذى سيعيش حياة عملية مختلفة بشكل كامل عن الحياة العملية التى كانت سائدة فيما قبل.. فالعاملون الحاليون يواجهون مشكلات كبيرة فى مدى قدرتهم على الاحتفاظ بوظائفهم فى ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية فى كل العالم، فما بالكم بالخريجين الجدد الذين سيبدأون البحث عن وظائف لأول مرة؟!
هؤلاء الخريجون سيواجهون بلا شك صعوبة كبيرة فى إمكانية الحصول على وظيفة.. ولكنهم لن يجدوا أبداً مشكلة فى إمكانية الحصول على فكرة.. بمعنى أنه لو كان الطريق للوظيفة صعباً أو مغلقاً.. فالطريق لبناء المشروع الخاص واستثمار الفكرة الجديدة ما زال مفتوحاً.
قد يعتقد البعض أن الخريجين الجدد بحاجة إلى كسب خبرات لعدة سنوات من خلال العمل فى وظائف معينة لدى الحكومة أو القطاع الخاص ثم الانتقال فيما بعد للاستثمار فى الفكرة الخاصة.. ولكن هذا المفهوم يعد تقليدياً إلى حد كبير، خاصة فى ظل الأجواء الحالية التى تعتمد على الابتكار والأفكار الريادية لبناء المشروعات الناجحة، وتعتمد على مدى إمكانية الفرد على المبادرة والمخاطرة أكثر من مدى إمكانيته على ممارسة الأعمال التقليدية.
وبالتالى كل خريج جديد قادر على تطويع ما تعلمه فى بناء مشروع خاص ولو من الفئة متناهية الصغر التى يمكن استثمار مبلغ محدود فيها وتكون درجة المخاطرة فيها محدودة جداً أيضاً.
ويمكن أن يتعامل الخريج الجديد مع مبدأ الاستثمار فى المشروع متناهى الصغر على أنه مسألة مؤقتة قد تنتهى بتحسن الأوضاع الاقتصادية وزيادة تدفق الوظائف الجديدة وتكون بمثابة وسيلة للحصول على الدخل حالياً بدلاً من الانتظار فى مصاف العاطلين، ويمكن أن يتعامل معها الخريج أيضاً على أنها بمثابة مستقبل متكامل فى مجال جديد اختار أن يخاطر فيه لينجح ويحقق ذاته ويبنى مشروعه من الصفر ليصعد به إلى مصاف الناجحين ورواد الأعمال والمستثمرين الكبار.
هذه ليست مثالية، فشبابنا قادر على ذلك.. ومن متابعتى المستمرة للمبادرات الحكومية والخاصة التى انطلقت فى مصر لتشجيع الشباب على ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة فالشباب المصرى لديه مخزون كبير من الأفكار الجيدة التى يمكن الاستثمار فيها لبناء مشروعات متكاملة وناجحة.. ولعل فى مبادرات رواد النيل، و«فكرتك شركتك» وغيرها أفضل مثال على ذلك.
نحن بحاجة إلى أن نحفز شبابنا للتخلى عن «التقليدى» وبناء فكر جديد يتناسب مع طبيعة المرحلة الحالية التى تختلف بشكل كامل عن المرحلة السابقة، ولا ينبغى أن يظن أى منا أنه مع عودة الحياة لطبيعتها بشكل تدريجى ستصبح سوق العمل كما كانت وستصبح الشركات بقوتها السابقة فى غضون وقت قياسى، بل على العكس السوق بحاجة إلى عدة سنوات لكى تمتص آثار هذه الصدمة التى ضربت العالم أجمع والتى أثرت بشكل كبير على مبادئ الاستثمار والإنتاج وأساليب الإدارة وكذلك ثقافة الاستهلاك والادخار لدى الكثيرين.
فمع عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجياً سيظل المستثمرون متخوفين من الغد وأقل إقبالاً على المشروعات الجديدة أو توسعة مشروعاتهم الحالية، كما سيكون المستهلكون أكثر تحفظاً فى الإنفاق وأكثر ميلاً للادخار لتعويض النقص الكبير فى مدخراتهم الذى تعرضوا له خلال فترة الأزمة.. بينما ستظل قطاعات اقتصادية مهمة فى معاناة نسبية لعدة سنوات، ومنها قطاع السياحة والنقل والطيران والتجارة الدولية وغيرها.
لذا علينا جميعاً أن نواجه أنفسنا بالواقع والحقيقة ونجهز أنفسنا لأسوأ السيناريوهات حتى يمكننا تقبُّلها والتعامل معها دون تهوين أو تخاذل.
الخلاصة أن الشباب هم محور المرحلة الحالية وحجر الزاوية فى مدى قدرة الاقتصاد على العودة للعمل بكامل طاقته.. وأن الأزمة الحالية لو أحدثت تغييراً فى ثقافة الشباب ودفعتهم للبحث عن الأفكار بدلاً من الوظائف سأعتبرها أفضل أزمة ضربت مصر منذ قرون طويلة فيما يتعلق بالأثر الاقتصادى!.. فقط لأنها ستضع شبابنا على الطريق الصحيح وستقصر بشكل كبير طريق التقدم الذى ننشده حالياً ونسعى إليه.