طبيب بـ"عزل بلطيم": تحملت مسؤوليتي تجاه وطني وتركت طفلتي لأجل المصابين

كتب: سمر عبد الرحمن

طبيب بـ"عزل بلطيم": تحملت مسؤوليتي تجاه وطني وتركت طفلتي لأجل المصابين

طبيب بـ"عزل بلطيم": تحملت مسؤوليتي تجاه وطني وتركت طفلتي لأجل المصابين

شعر بالمسؤولية حينما جرى استدعاءه ليكون بين الصفوف الأولى بالجيش الأبيض لعلاج مرضى الوباء العالمي الجائح فيروس كورونا المستجد، لم يتردد لحظة فى التفكير، ولم يأخذ رأي اسرته، فتحمله للمسؤولية تجاه أهله وبلده في هذه الظروف، دفعته للموافقة، فور تلقيه اتصالاً من مديرية الصحة بكفر الشيخ، أبلغوه بالاستعداد للتوجه لمستشفى عزل بلطيم، الذي خصصته وزارة الصحة فى منتصف مارس الماضي.

اقرأ أيضا: طبيب بـ"عزل بلطيم": تركت والدي المعاق وجدتي المسنة تلبية لنداء الوطن

فى الثالث عشر من مايو، بينما كان الطبيب الشاب أحمد متولي الطنوبي، البالغ من العمر 30 عاما، أخصائي الطوارئ بمستشفى كفر الشيخ العام، يؤدي عمله جاءه اتصالا هاتفيا من طبيب زميله، يبلغه بأنه جرى اختياره ضمن الفريق الطبي الذى سيتوجه لبلطيم، خلال 48 ساعة، وعليه أن يتواجد بالمستشفي للتحرك مع زملائه: "كنت شغال، واتصل عليا زميلى، وقالى هتروح مستشفى العزل معانا، وقتها مقدرتش اتأخر، حسيت بالمسؤولية، وأنا كنت هتطوع أصلا، لأن ده واجبنا كلنا كأطباء، محدش كبير على المرض، علشان كدة وافقت علطول، بس مدة تجهيز نفسى وإبلاغ أهلي كانت قصيرة، لكن روحنا فى ميعادنا".

"كان موقف صعب أنى أقنع والدتي وزوجتى، ومعاهم إحساسي بالبعد عن طفلتى البالغة من العمر عامين، انى هسيبهم فى آواخر رمضان، وهقضى العيد بعيد عنهم، استقبلوا الخبر بالبكاء، وودعوني بالبكاء".. بهذه العبارات وصف الطبيب الشاب الذي تخرج في كلية طب المنصورة عام 2012، شعور ذويه، وهو يبلغهم بقرار انضمامه لمستشفى العزل.

وأكد الطنوبي، أنه حاول طمأنتهم وإزالة أسباب الخوف لديهم: "حاولت أقنعهم ن دا واجبي مينفعش أتاخر عنه، وإننا كلنا معرضين للإصابة، حتى وإحنا فى الشارع، فالواجب الوطني يحتم عليا أكون موجود، واقتنعوا بس كانوا قلقانين، وزوجتى وهى بتجهزلى شنطتى، كانت بتبكى إن هسيبهم فى التوقيت الحرج ده، وتقولى ياعالم هترجع امتى وكويس ولا لا".

بطل الجيش الأبيض: "دعم المرضى نفسيا أهم من العلاج.. والبعض لا يستطيع مقاومة الفيروس"

شعور بالرهبة والخوف، انتاب الطبيب فور وصوله لمستشفى عزل بلطيم، على الرغم منه أنه تعود على أصعب المواقف بحكم عمله كطبيب متخصص في الطوارئ، إلا أن سرعان ما تغلب عليه، وبدأ مهامه فى استقبال المصابين داخل المستشفى، "حسيت بخوف أول ما وصلت المستشفى، مكنتش عارف سبب الخوف، لانى متعود على استقبال حالات طوارئ صعبة جدا، لكن بسرعة تغلبت على خوفي وبدعم زمايلى بدأت فى مهام عملى، بدأت استقبل الحالات وأحاول أطمئنهم، وأكون ابن ليهم، مصابين مختاروش المرض، وفجأة لقوا نفسهم غرباء فى مكان ميعرفهوش، حتى لو المعاملة كويسة، لكن الوضع صعب، إحنا كأطباء كنا خايفين ما بالك المرضى اللى جايين غصب عنهم، مضطرين للعزل الإجبارى، علشان كدة كان الدعم النفسي أهم من العلاج".

داخل جدران المستشفى، لا يجد الطبيب وقتا للراحة والاطمئنان على ذويه من كثرة استقبال الحالات، لكنه يحاول كسر روتينه اليومي، بمكالمات هاتفية لعدة دقائق، يطمئن أسرته ويطمئن على طفلته، يحاول مداعبتهم رغم الخوف الذي يتملكه.

وأضاف: "بنحاول على قد ما نقدر نكون موجودين جنب الحالات 24 ساعة، دى أمانة فى رقابنا، واحنا لازم نكون قد المسؤولية، ببدأ مهام عملى ولما بنزل راحة بكلم أسرتى أطمئن عليهم وعلى طفلتي، بحاول أحبس دموعي وأظهر أمامهم بمظهر القوة، علشان ميقلقوش أكتر، وكويس اننا امام المرضي لابسين واقيات وجوهنا مش ظاهرة، لان احنا مفروض نطمنهم وميحسوش اننا قلقانين، بنحاول نضحك بصوت عال علشان نطمنهم، من خلال تعاملي ي مع الحالات المصابة، لاحظت أن الحالة النفسية ليها دور كبير في تحسن أو تدهور الحالة، وان بعض الحالات اللي للاسف مش بتقدر تقاوم الفيروس بيكون بسبب الحالة النفسية السيئة اللي هي فيها".

الطبيب: "كورونا مش عار.. أتمنى تكثيف حملات التوعية لوقف التنمر"

مواقف صعبة مر بها الطبيب الشاب، خلال عمله داخل مستشفى العزل، جعلته يخفى دموعه خلف ملابسه الواقية: «بكيت لما قالوا لي في صلاة جنازة على متوفين، ولما نزلت لقيتهم 4 أشخاص مرة واحدة، دا موقف صعب جدا، عمرى ما اتعرضت ليه، كمان فى يوم استقبلنا 30 حالة فى وقت واحد، وقتها مكنتش قادر أخد نفسى، كان فى عدد كبير من إسكندرية فى أتوبيس به 16 شخصا، وقبلهم 9 من الدقهلية، وقبلهم ناس من محافظات مختلفة، عمرى ما اتخيلت استقبال العدد ده كله فى وقت واحد، وعلينا التعامل بهدوء، ونطمن المرضى لحظة استقبالهم، كنت بشوف دموع فى عيون المرضى، وكلنا كنا بنحاول نهديهم".

يتمنى بطل الجيش الأبيض، أن يتحمل كل شخص مسؤوليته تجاه الوطن فى هذه المرحلة الحرجة، يعمل هو وزملائه بروح الفريق الواحد، من أجل المرضى، وينصح بأن تسود روح العمل ضمن فريق بين كل الناس فى هذه المرحلة.

وطالب: "لازم كل واحد يتحمل مسؤوليته، ولو كلنا كدكاترة ماروحناش مستشفيات الحجر مش هنلاقي دكاترة تكشف علي أهالينا، كمان العدوى موجودة في كل مكان، وممكن اتعدي من الشارع عادي خالص، كل اللي علينا أن احنا نخلي بالنا من نفسنا وخلاص، وكلنا بنخاف على بعض، كأننا أسرة واحدة، والمستشفى متوفر فيه كل حاجة من ماسكات ولبس وجاونتيات، وبتمنى إن الإعلام يكثف حملات التوعية علي التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، أن كورونا مش عار أو حاجة الناس تستحي منها، أو تتنمر على المصاب بيها، لأن كل واحد معرض للإصابة، ويعاملوهم بكل قسوة وجحود، تاني حاجة إن كورونا مرض زي أى مرض، كل المطلوب مننا، أن احنا نحافظ على التباعد الاجتماعي والنظافة الشخصية، ونقلل التجمعات غير الضرورية".


مواضيع متعلقة