وزير الأوقاف: هكذا كرم الله المرأة بلاغيا في سورة يوسف

وزير الأوقاف: هكذا كرم الله المرأة بلاغيا في سورة يوسف
- وزير الأوقاف
- وزارة الأوقاف
- محمد مختار جمعة
- حديث الساعة
- وزير الأوقاف
- وزارة الأوقاف
- محمد مختار جمعة
- حديث الساعة
أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، على أن القرآن الكريم معجز في بيانه ومضامينه، و"الإسلام كرم المرأة وأعطاها حقوقها كاملة، وأكل حق المرأة في الميراث إثم عظيم، والإسلام أوصانا وصية خاصة بالأيتام والضعفاء".
وقال الوزير، في برنامج "حديث الساعة" أن شهر رمضان هو شهر القرآن، يقول الحق سبحانه وتعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان"، موضحا أن القرآن الكريم كتاب الجمال والكمال، ومن جوانب الجمال والكمال في القرآن الكريم الجمال والكمال البلاغي والأسلوبي، حيث يقول الإمام عبد القاهر الجرجاني عن القرآن الكريم: "وهو الكتاب الذي يهجم الحسن عليك منه دفعة واحدة، فلا تدري أجاءك الحسن والجمال من جهة لفظه أم من جهة معناه، فلا تكاد الألفاظ تصل إلى الآذان حتى تكون المعاني قد وصلت إلى القلوب".
واستشهد ببعض النماذج البلاغية في القرآن الكريم، والتي منها كلمة "إصلاح" في قوله تعالى: "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير"، فلو نقبنا في اللغة العربية على طولها واتساعها، فلن نجد كلمة واحدة تقوم مقام كلمة الإصلاح وتسد مسدها، فبعض الناس يتحدثون عن كفالة اليتيم، والعناية به، فنقول: "اليتيم قد يكون فقيرا فيحتاج إلى الإطعام أو الكسوة أو المسكن أو نحو ذلك، فيكون الإصلاح لليتيم الفقير أن يوفر له طعامه، أو كسوته، أو المسكن اللازم له أو نحو ذلك.
وقد يكون اليتيم غنيا ولكن لا عائل له من أهله وخاصته، فيحتاج إلى من يقوم على صناعته وتجارته وزراعته، فيكون الإصلاح القيام بذلك والعناية بأمواله والحفاظ عليها واستثمارها، ويقضي له ما يحتاج إلى قضائه، وقد يكون اليتيم غنيا وله من يقوم على رعايته واستثمار ماله وإنما يحتاج إلى الرحمة وحسن المعاملة، وأن يكون كل إنسان له أب، فإذا ذهب إلى الطبيب وجد أبا حانيا، وإذا ذهب إلى المدرسة وجد أبا حانيا، فيكون كذلك في كل شؤون الحياة، يقول نبينا: "من مسح رأس اليتيم كتب الله له بكل شعرة من رأسه حسنة".
وقد يحتاج اليتيم إلى التهذيب والتقويم والتعليم من كافله أو ولي أمره، وأن يجعله في ذلك كولده، يقول: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه يعني السبابة والوسطى"، ويقول سيدنا رسول الله: "أنا أول من يفتح باب الجنة، إلا أني أرى امرأة تبادرني، فأقول لها: ما لك؟ ومن أنت؟! فتقول: "أنا امرأة تأيمت على أيتام لي"، فكفالة اليتيم -أي يتيم- تجعل لصاحبها هذا الثواب، يقول تعالى: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل".
ويقول سبحانه: "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا"، ويقول سبحانه: "أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم، فجعل أول صفاته أنه يدع اليتيم ويقول: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم" فإن واجب الوقت هو إطعام الطعام، وقضاء حوائج المحتاجين.
كما ذكر أنموذجا آخر لبلاغة الكلمة القرآنية، وذلك في قوله تعالى: "وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها، وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين"، ويقول تعالى: "وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين".
فعند الحديث عن أهل جهنم جاءت كلمة "فتحت" دون واو، بينما جاءت في الحديث عن أهل الجنة "وفتحت" مسبوقة بالواو، قال بعض العلماء: "إنها واو الحال"، والمعنى: "جاءوا الجنة والحال أنها مفتوحة أمامهم وهذا من إكرام الله تعالى لعباده المؤمنين"، "جنات عدن مفتحة لهم الأبواب"، أما أهل جهنم فيأخذهم العذاب بغتة، وقال بعضهم، إن هذه الواو واو الثمانية، ذلك أن بعض القبائل العربية كانت تقول العدد: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، وثمانية، فتأتي بالواو مع العدد الثامن، والقرآن الكريم نزل على سبعة أحرف، فنزل مراعيا بعض لهجات القبائل.
ولهذا نظائر منها: قوله تعالى: "سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب" دون واو في الموضعين: "ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم"، فجاءت الواو مع العدد الثامن على لهجة من يأتي بالواو مع العدد الثامن، ومنها: قوله تعالى في سورة التوبة: "التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر"، فجاءت الواو مع العدد الثامن، ومنها قوله تعالى في سورة التحريم: "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا".
فذكرت الواو أيضا مع العدد الثامن، وهي مع هذا تفيد التنويع؛ لأن النساء إما ثيبات وإما أبكارا، ولا مانع أن تفيد التنويع مع واو الثمانية أيضا، مبينا معاليه الحكمة من واو الثمانية في قوله تعالى: "وفتحت" في الحديث عن أهل الجنة دون قوله تعالى: "فتحت" في الحديث عن أهل النار، لأن أبواب النار سبعة لقوله تعالى: "لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم".
أما أبواب الجنة فثمانية حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء"، فلما كانت أبواب جهنم سبعة لم يؤت معها بالواو، لأن العرب لا تأتي بالواو مع العدد السابع، ولما كانت أبواب الجنة ثمانية أتي معها بالواو، على لغة بعض القبائل العربية.
مشيرا إلى أن كون أبواب الجنة ثمانية وأبواب جهنم سبعة ما يدل على أن رحمة الله (عز وجل) أوسع من غضبه ، يقول الحق سبحانه وتعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم"، فإذا كان هذا خطاب الله تعالى لعباده المسرفين فما بالنا بخطابه لعباده المخلصين؟ وفي الحديث القدسي: "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي"، وأن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ونحن في شهر الرحمة وشهر العتق من النار.
كما أبرز من النماذج البلاغية ما ورد في سورة النساء من أحكام المواريث، والتي ختمها سبحانه وتعالى بقوله: "تلك حدود الله"، والحد: فاصل بين الحق والباطل، بين الحلال والحرام، "ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم، ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده"، بأن يحرف، أو يبدل، أو يغير، أو يتدخل في تقسيم الله تعالى، "يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين".
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث"، ولم يقل (صلى الله عليه وسلم): قسمت أنا، وإنما نسب القسمة إلى الله تعالى، فإن الله لم يترك أمر الميراث لأحد من خلقه، فإن الله تعالى قسم لكل وارث حقه، فمن منع وارثا حقه منعه الله تعالى جنته يوم القيامة، والذي يتدخل ويغير ويبدل فيعطي هذا ويمنع هذا وبخاصة من يحرمون المرأة من حقها في الميراث، كأنه يقول (والعياذ بالله تعالى): تقسيم الله تعالى لا يعجبني، أو يقول: أنا أقسم تقسيما أحسن من قسمة الله تعالى؛ لأنه إذا كان يرضى بتقسيم الله تعالى فلماذا يتدخل فيما قسمه الله (عز وجل)؟.
ومن الإعجاز البلاغي في القرآن الكريم مخاطبة المؤنث فيه بلفظ المذكر في قصة سيدنا يوسف (عليه السلام)، حيث يقول تعالى عن امرأة العزيز: "يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين"، فعبر سبحانه هنا بلفظ الخاطئين المذكر ولم يعبر بلفظ "الخاطئات" المؤنث؛ لأن العرب والفضلاء والناس أجمعين يمدحون المرأة بالحياء والعفة والإباء، والأصل في المرأة أن تكون مخطوبة ومطلوبة، والأصل في الرجل أن يأتي خاطبا وطالبا، أما عندما تعكس المرأة الفطرة السليمة على نحو ما كان من امرأة العزيز.
حيث يقول الحق سبحانه: "وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون"، فلما عكست امرأة العزيز الفطرة الإنسانية الصحيحة السليمة جاء التعبير اللغوي على خلاف الأصل ليناسب حالها الذي كان على خلاف الأصل في الإنسانية، وعندما حاول سيدنا يوسف (عليه السلام) أن ينجو بنفسه "واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم، قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم"، ويفرق علماء اللغة بين القد، والقط، والقطع؛ القد: القطع الطولي، والقط: وهو القطع العرضي، والقطع يشمل القد والقطع، وكانوا يقولون عن الإمام علي (رضى الله عنه) أنه إذا علا بالسيف قد، وإذا دنا بالسيف قط، فعندما حاولت امرأة العزيز أن تلحق بسيدنا يوسف (عليه السلام) أمسكت بقميصه من الخلف فشدته فقطعته طوليا، ولذا جاء التعبير بالقد، ليعبر بدقة عن طبيعة الفعل، ليصور لنا المشهد تصويرا لا لبس فيه.