وزير الأوقاف: كل كلمة في القرآن الكريم وقعت في موقعها

وزير الأوقاف: كل كلمة في القرآن الكريم وقعت في موقعها
- وزارة الأوقاف
- وزير الأوقاف
- محمد مختار جمعة
- في رحاب القرآن الكريم
- وزارة الأوقاف
- وزير الأوقاف
- محمد مختار جمعة
- في رحاب القرآن الكريم
قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، إنّ كل كلمة في القرآن الكريم وقعت موقعها، وما قدم أو أخّر، أو ذكر أو حذف كان لغاية في البلاغة والفصاحة والبيان.
وأضاف: "ومن هذا: قول الله تعالى في سورة مريم عن سيدنا زكريا عليه السلام: (قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا)، وفي سورة آل عمران: (قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا)، ففي هذا النص القرآني الكريم عبر في سورة مريم بثلاث ليال".
وتابع أنّه في سورة آل عمران بثلاثة أيام، ذلك أنّ في أيام العرب وحسابهم الليل يسبق النهار، فنحن في شهر رمضان المعظم، فعند أول ليلة منه نستطلع الهلال، فإن ثبت الهلال صلينا التراويح لأنها أول ليلة من رمضان، ونتبعها بصوم اليوم الذي بعدها، وهكذا في هلال شوال حيث يكون في آخر يوم من رمضان، ونستقبل أول ليلة من شوال التي هي ليلة العيد، فالليالي سابقة على الأيام، وهنا سورة مريم (عليها السلام) نزلت في مكة، وسورة آل عمران نزلت لاحقا في المدينة، فعبر في سورة مريم بالليالي السابقة في الزمن مع السورة السابقة في النزول، وعبر في سورة آل عمران اللاحقة في النزول بالأيام وهي لاحقة في الزمن، فجعل سبحانه السابق للسابق، واللاحق للاحق، فكل لفظة وقعت موقعها طبقا لسياقها، وهذا من عظمة بلاغة القرآن الكريم.
وتحدّث الوزير عن نموذج لبلاغة وفصاحة المفردة القرآنية، إذ يقول تعالى عن السيدة مريم (عليها السلام): "وكانت من القانتين"، ولم يقل في شأنها (عليها السلام): "وكانت من القانتات"، يقول علماء اللغة: يمكن أن يكون هذا على سبيل التغليب، فعبر القرآن الكريم عن المؤنث بالمذكر من هذا الباب، وهذا صحيح، لكن يمكن القول: إنه ما أتى على الأصل لا يسأل عن علته، وما خرج عن الأصل لا بد من البحث له عن علة، فإذا خرج الخطاب من المؤنث إلى المذكر فلا بد أن يكون هذا لعلة، وحيث عبر القرآن بلفظ "القانتين" ولم يقل "القانتات"، ذلك أنّ أم مريم (عليها السلام) نذرت ما في بطنها لخدمة بيت الرب (بيت المقدس)، وفي ذلك الوقت لم تكن خدمة بيوت الله تعالى مما تقوم به النساء ولا يعهد بها إليهن، فلما وضعت مريم (عليها السلام) قالت: "رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم".
وأوضح أنّ النص القرآني لم يقل وليس الأنثى كالذكر، وإنما قال "وليس الذكر كالأنثى"، أي ليس الذكر الذي كنت تتمنين كالأنثى التي رزقتين بها، فهي خير من كثير من الرجال، يقول المتنبي: فما التأنيث لاسم الشمس عيب.. ولا التذكير فخر للهلال، فلما قامت السيدة مريم (عليها السلام) بخدمة بيت الرب على أكمل وجه وخير قيام كأفضل ما يقوم به الرجال من العمل الجاد، فنزلت منزلة الرجال، إّ إنّ ما قامت به كان عملا عظيما، لهذا جاء التعبير بلفظ "القانتين"، كما بيّن بعض النماذج البلاغية الرائعة للكلمة القرآنية من خلال قصة السيدة مريم (عليها السلام).
واستطرد أنّه حيث يقول سبحانه "فحملته فانتبذت به مكانا قصيا" أي مكانا بعيدا، وأعرب القرآن الكريم بقوله: "فانتبذت" ولم يقل: "قصدت" أو "ذهبت"، ليكافئ اللفظ حال قومها معها من النبذ حينما نبذوها، وقالوا: "يا أخت هارون ما كان أبوك امرء سوء وما كانت أمك بغيا"، فاضطرت أن تذهب إلى مكان بعيد، وأعرب سبحانه بقوله: "فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا"، فلفظة "فأجاءها" توحي بالمفاجأة، إذ إنّ هذه الحال شديدة على نفسها، ففي لحظة المخاض قالت: "يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا"، وبعدها جاءها الفرج واليسر بعد العسر، قال تعالى: "فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا"، أي ناداها سيدنا جبريل (عليه السلام).
ولفت إلى أنّه في قراءة "فناداها من تحتها" بفتح ميم "من" أي ناداها سيدنا عيسى (عليه السلام)، طمأنينة لها: "ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا، وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا"، وهنا يقول أهل العلم: "ما تستطيع النفساء أن تهز بجذع نخلة لأنه صلب قوي، ولكنه الأخذ بالأسباب، ألم تر أنّ الله قال لمريم هزي الجزع تساقط الرطب، ولو شاء أن تجنيه من غير هزة جنته ولكن كل شيء له سبب".
وتابع: "ثم يقول سبحانه: (فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا، فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا)، أي شيئا عظيما، (يا أخت هارون) في الصلاح والتقوى، (ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا، فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا)، وهنا عملت العناية الإلهية عملها.
وأتمّ أنّه إذا العناية لاحظتك عيونها نم، فالمخاوف كلهن أمان، فتأتي المعجزة الإلهية لسيدنا عيسى ولأمه (عليهما السلام)، فأنطقه خالقه (جل وعلا) بقدرته، فيقول كما حكى القرآن الكريم: "قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا، وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا، والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا".