بريد الوطن.. رَعْدةُ التخلّىْ (قصة قصيرة)

بريد الوطن.. رَعْدةُ التخلّىْ (قصة قصيرة)
عَتبَتْ والأرض تتأرجح من تحت قدميها ذُعراً وكأن الكون يشيح بفرْحه عنها أو يسحب آخرَ صلاحيات أمانه منها: «ستتركنى وحدى فى وجه ذاك العالم؟! وقد وعدتَ هذا الُقلَيْب ألا تتخلى عنه يوماً حتى وإن حملتك لَجاجةُ الكون وحِيَله على التخلى؟!».
لعلها لم تكن الأرض هى ما يهتز بل قدماها تلكما اللتان ناءتا عن حمل زخات الهَم والكدَر. أجابها وقد استعبرَ وقلبُه أمين على خزائن الحزن، ووخَزه ذلك العجز الذى قلّما يظفر من الرجال بتكبيل: «... مممم اااا.. كيف أعيدُ تراتيب الكون وقد وُضِعتُ ضمنها؟! أنا يا صغيرتى ومليكة ذاك الفؤاد المفئود ما أنا بتاركك ولو اجتمَرتْ منكِ يدى؛ ولكن الدهر أفلتكِ من عصمةِ كفّىَّ وساعدَىّ.. وهاك جِذعى الآن ينبرى!».
لم تكن تعتاد مثل ذلك الحَسم الحاد وهنا حملتها لجاجةٌ -كالتى حملت وحيدُها على موقِفِه الجديد- على ألا تفهمه! ولعل بكورة فطرتها وتتمة براءتها هما صاحبتا الصوت الأعلى فى رفض الاستجابة للموقف برُمّته؛ فحبيبته بسيطةُ العقل بساطةَ سنونِها فى الحياة.. وهى إذ هى كذلك لم تأخذها دُربةٌ على تقلبات الدهرِ ولا مِران. أوَتقيمُ الحياةُ لِـ«الخام» اعتبارَ عطفٍ أو تنظرها برمقة حانٍ به فضلةٌ من إشفاق؟! هيهات هيهات! إذ طالما أهاب عزيزُ قلبِها بالاستسلام التام لضمانات الحُب الورديّة ولم يكن من طفولتها الآنسيّة ردةُ فعلٍ كلمّا ذكّرها بالحيطة سوى بكاءِ عروسٍ صغير كُسرت ذراع دُميتها أو فقدتها نفسها..
كانت متى ذكّرَها تحذيراً من صروف الأيام حتى لا يُصدم نقاؤها تِباعاً بحادثةٍ ما لا يعلمها حبيبُها ولا يتوقعها هو ذاته، وكلّما نبّهها حتى لا تعوّل على وجوده الكيميائى فى حياتها تعبس ثم تنظرُ ضاحكةً مستبشرة بجدوى الحياة.. هو حقيقةً لم يستبق إلى غَيْبِه هذا.. الحاضر، ولكنّه إنما خشِى ثمّ خشى على تلك القارورة التى ارتوى منها أمواه الحياة أن تُشظّيها أتراسُ الحياة.. لعمرى أحبّها حباً مُحمدياً فيا لها من نهايةٍ يعقوبيّة المأساة!
محمد خميس الحاوى
يتشرف باب "نبض الشارع" باستقبال مشاركاتكم المتميزة للنشر، دون أي محاذير رقابية أو سياسية، آملين أن يجد فيه كل صاحب رأي أو موهبة متنفساً له تحمل صوته للملايين.. "الوطن" تتلقى مقالاتكم ومشاركاتكم على عنوان البريد التالي bareed.elwatan@elwatannews.com