الدولة تحارب "فوضى الأصوات".. بـ"الأذان الموحد"

كتب: سعيد حجازى وعبدالوهاب عيسى

الدولة تحارب "فوضى الأصوات".. بـ"الأذان الموحد"

الدولة تحارب "فوضى الأصوات".. بـ"الأذان الموحد"

خاضت الدولة حرباً شرسة ضد العنف والتطرف، ونجحت فى بتر أذرعه الأخطبوطية الممتدة فى الكثير من النواحى، وطبقت وزارة الأوقاف سياسة منهجية اعتمدت فى البداية على توحيد خطبة الجمعة، التى انعكست على ضبط الزوايا، والسيطرة على الكتاتيب، ومحاربة جميع مظاهر الخروج على الدولة، ثم جاءت مرحلة الجماليات ونشر الحضارة، فاتجهت الوزارة صوب اختيار موضوعات لخطبة الجمعة ترتبط بالواقع المُعاش والقيم الحضارية، لتطرق بعدها أكثر الملفات سخونة، وهى منع الأصوات المُنفرة من الأذان بالمساجد عبر تطبيق «الأذان الموحد».

«الوطن» تفتح ملف «الأذان الموحد»، بالبحث فى الدوافع المُلحة لتطبيق التجربة، ورأى الفقه والشرع فيها، والمعوقات التى تقف أمام انتشار الأذان الموحد وتعميمه على مستوى الجمهورية، ومصير المؤذنين، والنواحى التقنية المطلوبة لضمان استمرار المشروع الذى بدأ بالفعل فى 400 مسجد بالقاهرة الكبرى ضمن المرحلة الأولى.

"الأوقاف": خطوة مهمة فى تجديد "الخطاب الدينى".. ولا تتنافى مع "الشريعة"

عملت الدولة، ممثلةً فى وزارة الأوقاف، على ضبط الأداء الدعوى بعد ثورة 30 يونيو، بتطبيق سياسة تدعو إلى الوسطية ونبذ المغالاة والتطرف، فاتخذت قرارات بمنع المتشددين من صعود المنابر، وعدم إقحام المساجد فى ميادين السياسة، واستخدام الضبطية القضائية لمنع المخالفين.

وفى نهاية عام 2015، بدأت الأوقاف ضرب المسمار الأخير فى نعش العشوائية الدعوية، بإعادة إحياء مشروع الأذان الموحد، وهى الفكرة التى بدأها وزير الأوقاف الأسبق الدكتور محمود حمدى زقزوق فى 2009، ورغم الجدل الذى صاحب الفكرة، أصرّ «زقزوق» على تطبيقها آنذاك، ثم توقف المشروع برمته فى أحداث يناير 2011 بعد تعرض كابلات البث للسرقة.

تستند الفكرة على بث أذان حى بصوت المؤذن من إذاعة «الشريفين» بالقاهرة، وإذاعتها من خلال محطة البث الكبرى فى المقطم، المتصلة عبر الكابلات، وبأجهزة استقبال خاصة فى المساجد.

"الوزارة": نقلة حضارية ونعتزم تعميمه على مستوى الجمهورية للقضاء على تداخل الأصوات وفروق توقيت الأذان بين المساجد

من جانبه، أكد وزير الأوقاف، فى تصريحات لـ«الوطن»، أن الوزارة تعتزم تعميم تجربة الأذان الموحد على مستوى الجمهورية، باعتباره إحدى أهم الركائز فى ملف تجديد الخطاب الدينى، ويُمثل نقلة حضارية تتسق بمقاصد الشريعة الإسلامية، من خلال القضاء على تداخل الأصوات فى المساجد، أو اختلاف توقيت الأذان بين المساجد وبعضها.

وأوضح الوزير أن «الأوقاف» عازمة على المُضى قدماً فى إتمام المشروع، لافتاً إلى أن العبرة من الأذان هو تعظيم شعائر الله، والإعلام بدخول وقت الصلاة، وكلا المقصدين يتحقق بمجرد رفع الأذان، وإعلام الناس.

من جهته، قال الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الدينى بالوزارة: «الأذان الموحد ما زال فى نطاق المرحلة الأولى الخاصة بالبث التجريبى، وهناك عيوب فنية نعمل على إيجاد حلول لها، ونحن نقدم خدمة دعوية لدين الله، تضمن التجويد وتحسين الأداء، وهناك من يؤدون الأذان بصوت غير مرغوب لا يجمع الناس بل ينفرهم»، موضحاً أن «الأذان الموحد» لا يعنى إطلاقاً الاستغناء عن المؤذنين، مضيفاً: «المؤذنون لن يضاروا بشىء، فالأذان الموحد لن يعيقهم عن إقامة الصلاة داخل المسجد». وحول تحريم فكرة الأذان الموحد، قال «طايع»: «هذه القضية قُتلت بحثاً، فالأمر مطروح منذ عام 2005 فى عهد الدكتور حمدى زقزوق، وتم التوافق على مشروعيته، كما أن دار الإفتاء وهيئة كبار العلماء لم تنكراه، ولا توجد مخالفة شرعية منه»، مؤكداً أن الوزارة تعمل على اختيار أفضل الأصوات بين المؤذنين.

فى السياق ذاته، أفتى الدكتور محمود مهنا، عضو هيئة كبار العلماء، بصحة الأذان الموحد، قائلاً: «لا توجد مخالفة شرعية فى إقامة الأذان الموحد، ووزير الأوقاف هو فى الأصل عالم، واطلع على كل الأدلة الشرعية التى تُثبت صحته، والأذان موحد مُطبق منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان سيدنا بلال هو من يتولى الأذان، والمشروع هدفه ضبط المساجد والدعوة».

من جانبه، قال د. أيمن أبوعمر، مدير عام الإرشاد الدينى، إن الدين الإسلامى دين الجمال، والوزارة حريصة على جمال الصوت عند قراءة القرآن الكريم أو إقامة الأذان، وهناك ترحيب بين العاملين فى الوزارة بالتجربة، خاصة أنها ستحد من نشاز الأصوات، وتقضى على فروق التوقيت فى الأذان بين المساجد وبعضها، والتجربة ستضبط هذا الأمر، ونسعى من جانبنا لتعميمها على مستوى الجمهورية. وقال الدكتور أسامة فخرى الجندى، مدير إدارة المساجد، لـ«الوطن»: «الأذان الموحد يمثل ارتباطاً بالأصل من خلال القرآن والسنة، واتصال بالعصر، وإدراك للواقع الذى نعيشه، والتفكير فى خطوة الأذان الموحد يمثل إدراجاً للربط بين النص والعصر، فالهدف من المشروع ضبط الأذان، واختيار الأصوات الندية الرصينة حتى يأتى على الهيئة المقبولة والمشروعة، فلن نترك الميكروفونات لأصحاب الأصوات المزعجة فيشكو منها الناس، والأوقاف تعمل على ضبط الأذان بالطرق الشرعية، وتهيئة النفوس لاستقبال الصلاة».

من جهته، أكد الشيخ أحمد البهى، إمام مسجد زين العابدين، أن الأذان فى الشرع هو إعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظه المعروفة التى وردت فى السنة النبوية، واستخدم المسلمين الوسائل الحديثة بعد ظهورها من شأنه تسهيل فكرة الأذان، ومنها الميكروفونات، للمساعدة فى إيصال الصوت لنطاق أوسع، مضيفاً: «اليوم نشهد انتشاراً للمساجد فى نفس الشوارع، وأصبح هناك تداخل بين أصوات المؤذنين، ويكفى المواطن أذان واحد لتعريفه بدخول وقت الصلاة، ولسنا بحاجة لـ10 أذانات مختلفة، فأداء المهمة من قِبل واحد فقط يكفى، حيث قام بالسنة وأسقط المهمة عن الباقين».

وتابع: «أصبح هناك صعوبة فى إيجاد أصوات حسنة لتغطية الأذان بالمساجد المنتشرة على نطاق واسع، ونبحث عن حلول لتجنب السلبيات، وفى ظنى أن الأذان الموحد فكرة من صميم الشرع، ولا تخالفه فى شىء، لأن الشرع لا يهتم بكثرة الأذان بقدر تحقيق الهدف، فلا يوجد عالم مُنصف يكره تلك الفكرة، فالأذان يتولاه مؤذن صوته حسن، ونتمنى تعميمه على مستوى الجمهورية للقضاء على عشوائية المؤذنين». ووصف الشيح يسرى عزام، إمام وخطيب مسجد صلاح الدين بالمنيل، الأذان الموحد بأنه يُمثل «لفتة طيبة من الأوقاف»، وتحرك هام فى إطار التجديد، مضيفاً: «نسعى لأن نُحبب الناس فى الصلاة والمساجد بالأصوات الحسنة، فالأذان سنة من سنُن الصلاة قبل الدخول فيها، والتحرك فى هذا الملف هام جداً، وكلى ثقة فى اهتمام الوزارة برفع كفاءة المؤذنين والأئمة».

وقال الدكتور على محمد الأزهرى، عضو هيئة تدريس الأزهر الشريف: «هناك جملة أصوات غير مقبولة، وتُنفر الناس فى الأذان، ومن جانبى أدعو لجعل الأذان الموحد فى المسجد الجامع بالقرية أو المنطقة، ويضم أكثر من مؤذن يتمتعون بأصوات ندية، ويتناوبون الأذان، حتى لا تلحقهم مشقة طول الفروض الخمسة، بينما الإقامة تكون خاصة بكل مسجد أو زاوية على حدة وفق حضور رواد المسجد».

وأكد حسين القاضى، الباحث فى الشئون الإسلامية، أن الأذان الموحد يقضى على الأصوات الشاذة، وأجازته هيئة كبار العلماء ودار الإفتاء، إلا أنه بحاجة إلى ترتيبات خاصة بالنواحى التقنية لضمان استمرار المشروع، وعدم تعرضه للتعطيل مرة أخرى، بحسب كلامه.

وفى سياق برلمانى، رحب شكرى الجندى، وكيل لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، بفكرة الأذان الموحد، مشيراً إلى أن المشروع شهد مناقشات مُكثفة مع وزير الأوقاف حول تطبيقه بالقاهرة الكبرى، على أن يتم تعميمها على مستوى الجمهورية حال نجاح المشروع، فيما قال الدكتور عبدالله الناصر، الأمين العام لاتحاد الطرق الصوفية: «أؤيد الفكرة لمواجهة الأصوات الخشنة، فالإزعاج الحالى من الأصوات المزعجة لا يمثل الإسلام، وكثيرون منهم لا يملكون أصواتاً عذبة ومناسبة، بل يُصدرون ضجيجاً لا ينسجم مع الدعوة للصلاة باللين والحسنى والرحمة، فلم يعد يألف المصريون والمسلمون التدين العفوى الهادئ الوقور، الذى يتفادى العصبية والصراخ والتشنجات، ونسوا أو انمحت من ذاكرتهم عن عمد تلك المحاولات التى صنعت جماليات إيمانية، حالت دون تسلل العقل الأصولى، والفكر المتشدد، حيث صهرت الدين فى طاقة الفرد الإبداعية، فسجلت الذاكرة الفنية أصوات فنانين مصريين وعرب ساهموا فى تلاوة القرآن وترديد الأذان، بحسٍّ فنى وجمالى مؤثر».

100 مسجد تطبق الأذان الموحد فى الجيزة

ماذا يعنى الأذان الموحد؟

استراتيجية وضعتها وزارة الأوقاف لمواجهة ظاهرة فوضى المؤذنين، بدأ العمل بها فى عام 2009، ثم توقفت بعد أحداث 25 يناير، ليتم إعادة إحيائها من جديد فى 2015، حيث يُرفَع الأذان من إذاعة «الشريفين» فى القاهرة، ويُنقل عبر محطة البث فى المقطم من خلال الأجهزة الموجودة بالمساجد.

دول طبقت "الأذان الموحد"

الإمارات

بدأ التطبيق فى إمارة أبوظبى عام 2004، حيث تم رفع الأذان إلكترونياً فى جميع المساجد بصوت مؤذن واحد.

سوريا

بدأ العمل بالأذان الموحد عام 2007، حيث أعلنت وزارة الأوقاف السورية توحيد أوقات الأذان بجميع المساجد عن طريق مركز واحد.

فلسطين

أدخلت فلسطين تجربة الأذان الموحد عام 2016 فى عدة مدن، وأعلنت وزارة الأوقاف عن إطلاق البث الفضائى لإذاعة فلسطين للقرآن الكريم، والأذان الموحد.

الأردن

انطلق مشروع الأذان الموحد فى محافظة الطفيلة عام 2017، من خلال 185 مسجداً فى مناطق عدة.

287 مسجداً تطبق الأذان الموحد فى القاهرة

محطات من "المشروع"

2009

بدأ الدكتور محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف فى حينه، مشروع الأذان الموحد، وطبقه وبدأ بالقاهرة الكبرى وشهدت التجربة نجاحاً، إلا أن أحداث ثورة 25 يناير 2011 وما شهدته البلاد من فوضى كان سبباً فى توقف الفكرة.

2013

أحيت ثورة يونيو 2013 جميع المشاريع المتوقفة وجاءت القوة التى حصلت عليها الدولة المصرية باصطفافها مع الشعب لتعيد التفكير فى استئناف المشروعات المتوقفة ومنها الأذان الموحد.

2014

ظهر مشروع الأذان الموحد على السطح وبدأ الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، الحديث عن ضرورة الاستمرار فى هذا المشروع للقضاء على العشوائية الدعوية بإعادة إحياء المشروع، ولم يتم انطلاقه فى هذه الفترة لأمور فنية وتقنية.

2019

أعلن وزير الأوقاف تطبيق قرار الأذان الموحد بكل حسم على مستوى الجمهورية، وبدأت التجربة فى 115 مسجداً كمرحلة تجريبية لحين إثبات النجاح الكامل لها.

55 مسجداً تطبق الأذان الموحد فى القليوبية

بعض مساجد القاهرة الكبرى التى طبقت "الموحد"

القاهرة

سيدنا الحسين

السيدة نفيسة

السيدة زينب

عمرو بن العاص

السيدة عائشة

الخازندارة

جامع البنات

النور

القُللى

عمر مكرم

صلاح الدين

الإمام الحسن

حسان بن ثابت

عين الحياة

السلطان أبوالعلا

المتوكل

العشرانى الكبير

الجيزة

أبوبكر الصديق

محمد خليل الحصرى

التوبة

الغفران

قايتباى

الشبراوى

أبو الكرامات

الإسراء

الفاروق عمر

الحمد الإسلامى

طارق بن زياد

الصفا والمروة

خاتم المرسلين

على بن أبى طالب

عثمان بن عفان

خالد بن الوليد

مصطفى محمود

الحامدية الشاذلية

القليوبية

الصديق أبوبكر

الشهيد عبدالمنعم رياض

عمار بن ياسر

الرحمن

بلال بن رباح

التوحيد بالله

الرحمن العمومى

القناوى

النور المحمدى

الصفا المحمدى

الهدى والنور

الرحمن جوهر

عمرو بن العاص

الصمد

كلية الزراعة

التوحيد

البخارى

الأحمدى


مواضيع متعلقة