الصوفية.. "المشيخة" لـ"أبناء العائلة"

الصوفية.. "المشيخة" لـ"أبناء العائلة"
- الصوفية
- الميراث غير الشرعي
- القوى الصوفية
- التصوف
- التوريث
- الطرق الصوفية
- الصوفية
- الميراث غير الشرعي
- القوى الصوفية
- التصوف
- التوريث
- الطرق الصوفية
فى وقت اختفت فيه كلمة «التوريث» فى المناصب السياسية، بعد أن كانت حديث الناس وشغلهم خلال العشر سنوات الأخيرة فى حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وبعد صياغة دستور جديد لمصر أتاح للمصريين اختيار رئيسهم من بين عدة مرشحين فى انتخابات حرة ومباشرة، كما تقوم الدولة بخطوات لإنهاء ما يسمى بتوريث الوظائف فى قطاعات منها البترول والكهرباء وغيرها من القطاعات المهمة، ورغم أن الدولة والرأى العام يرفضون فكرة التوريث فى أى جهة أو موقع، فإن إحدى المؤسسات الدينية المهمة والمؤثرة والمتمثلة فى المشيخة العامة للطرق الصوفية والطرق التابعة لها وعددها نحو 77 طريقة، فى القاهرة والمحافظات، ويتبعها قرابة 15 مليون صوفى ما زالت تصر على تطبيق مبدأ التوريث.
القانون ينص على خلافة الابن لأبيه صراحة.. والطاعة واجبة على الأتباع والمريدين
العجيب أن قانون مشيخة الطرق الصوفية ينص صراحة على توريث منصب شيخ الطريقة الصوفية بعد وفاته لأحد أبنائه، حتى لو كان هذا الابن الذى سيرث منصباً دينياً هاماً ويتبعه الآلاف من المريدين والأتباع لا يصلى ولا يرتاد المساجد من الأساس، ومشهور عنه الانحلال الأخلاقى، والغريب أن التوريث لم يكن موجوداً فى أدبيات كبار أقطاب الصوفية من أمثال السيد البدوى وإبراهيم الدسوقى وعبدالرحيم القنائى وغيرهم، أما فى العصر الحديث فتصر غالبية الطرق الصوفية، إن لم تكن كلها، على توريث منصب شيخ الطريقة، ويبرر مشايخ الصوفية تمسكهم بمبدأ التوريث بأن تولى أحد أفراد الشيخ المتوفى يحمى الطريقة من الانقسام والتشرذم فى حال إقرار مبدأ الانتخاب.
مشايخ يتمسكون بـ"الميراث غير الشرعى": الابن سر أبيه
طوال القرن العشرين ساد مبدأ توريث منصب شيخ الطريقة فى جميع الطرق الصوفية، ورغم أن التوريث يهدف إلى منع الخلافات داخل الطريقة إلا أن عدداً من الطرق الصوفية شهد أزمات أشهرها الخلاف الذى نشب فى التسعينات بين الشيخ علاء أبوالعزائم وشقيقه لواء الشرطة عصام أبوالعزائم بعد وفاة شقيقهم الأكبر السيد عزالدين أبوالعزائم، واستمر الخلاف بين الشقيقين علاء وعصام حتى وفاة الأخير، ثم صدر حكم قضائى لصالح الشيخ علاء، ولم تسلم الطريقة الحامدية الشاذلية من الانقسامات، حيث قاد أحد المريدين فى الطريقة وهو عبدالمنعم الجندى انشقاقاً عقب وفاة الشيخ إبراهيم سلامة الراضى الذى تزوج من الفنانة مديحة يسرى ولم ينجب منها، فى الوقت الذى كان شقيقه «حامد» لا يصلح لتولى المنصب بسبب اتهامه فى إحدى القضايا.
ومن بين الطرق الصوفية التى شهدت توريث المنصب لابن الشيخ، الطريقة القصبية، حيث ورث الدكتور عبدالهادى القصبى منصب شيخ الطريقة بعد وفاة والده الذى كان يشغل أيضاً منصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية فى التسعينات، وهو المنصب الذى تولاه الدكتور عبدالهادى القصبى أيضاً بعد وفاة الشيخ كامل ياسين عام 2008.
التوريث امتد إلى الطريقة السعدية حيث تولى «حسن» المنصب بعد وفاة والده الشيخ على الخضرى، وتولى «نور الدين» قيادة العشيرة المحمدية بعد وفاة والده عصام زكى إبراهيم، كما خلف عبداللطيف الجوهرى والده فى الطريقة الجوهرية، أيضاً خلف أحمد التسقيانى والده فى الطريقة التسقيانية.
بالطبع حدثت بعض الاستثناءات فى قضية توريث منصب شيخ الطريقة، حيث رفض ابن الشيخ على زين العابدين خلافة والده فى الطريقة السطوحية، ويديرها الآن أحد المريدين، كما رفض نجل المهندس عبدالباقى الحبيبى تولى المنصب بعد وفاة والده.
الشيخ علاء أبوالعزائم شيخ الطريقة العزمية ورئيس الاتحاد الصوفى العالمى، دافع عن مبدأ التوريث، وقال لـ«الوطن: «لو تم إقرار مبدأ اختيار شيخ الطريقة بالانتخاب وترشح لهذا المنصب خمسة أو ستة مرشحين، حينها سيفتح الصوفية على أنفسهم أبواب جهنم، خاصة أنه من الممكن أن تنقسم الطريقة الواحدة إلى خمس وست طرق بعد أن يتحزب ويتعصب كل مجموعة أتباع ومريدين لأحد المرشحين».
يضيف «أبوالعزائم»: «أما اختيار ابن الشيخ لخلافة أبيه حتى لو كان ضعيفاً علمياً وفقهياً وشرعياً، فهذا الأمر يمكن إصلاحه وتلافيه عن طريق خضوعه لدورة مكثفة فى العلم الشرعى، كما أن المشيخة العامة للطرق الصوفية لن تقر اختيار شيخ الطريقة الجديد قبل إخضاعه لاختبار فى قضايا الفقه والشريعة وإذا لم ينجح يعطَى فرصة ثانية للتقدم للامتحان من جديد».
"أبوالعزائم": اختيار الشيخ بالانتخاب يفتح على التصوف أبواب جهنم.. والحسن والحسين وأهل البيت أول من قاموا بالتوريث
ويتابع: «مبدأ التوريث بدأ عندما ورث الإمام الحسن الخلافة بعد استشهاد والده الإمام على، ثم خلف الإمام الحسين أخاه الحسن، ثم توالى التوريث فى أهل البيت الكرام حيث ورث الإمامة أئمة أهل البيت الكرام بعد استشهاد الإمام الحسين، حيث خلفه سيدى على زين العابدين والإمام الباقر والإمام جعفر الصادق وبقية الأئمة من أهل البيت الكرام».
"أبوالعزائم": اختيار الشيخ بالانتخاب يفتح على التصوف أبواب جهنم.. والحسن والحسين وأهل البيت أول من قاموا بالتوريث
الشيخ محمد عبدالمجيد الشرنوبى شيخ الطريقة الشرنوبية، يتفق مع الموقف نفسه الذى تبناه الشيخ أبوالعزائم، ويقول إن وراثة الابن لأبيه منصب شيخ الطريقة يتم حال امتلاكه المقومات اللازمة لذلك، ويؤكد أن مشايخ الطرق الصوفية متمسكون بالقانون الحالى الذى يقر مبدأ اختيار الابن بعد أبيه، ويرفضون مبدأ الانتخاب، مشيراً إلى أن التوريث يحافظ على اسم الطريقة الصوفية الذى سميت به على اسم مؤسسها، فى حين لو تم انتخاب شيخ جديد من أسرة أخرى غير أسرة الشيخ المؤسس سيترتب على ذلك تغيير اسم الطريقة الصوفية ليتم تسميتها باسم الشيخ المنتخب.
من جانبه يرى أبوالفضل الإسناوى، الباحث فى الشأن الصوفى بمركز الأهرام للدراسات، أن المشكلة الأخطر لدى الصوفية ليست فقط توريث منصب شيخ الطريقة بل توريث البركات وتقبيل اليد، ويقول: «التوريث من شأنه التسبب فى تآكل وانهيار شعبية ووجود الصوفية فى الشارع، وهو ما نراه حالياً حيث انتقل عدد كبير من الناس للانضمام إلى الطرق الصوفية غير المنضوية تحت لواء المشيخة العامة للطرق الصوفية، وهى الطرق التى نشأت داخل الزوايا فى المحافظات».
«الإسناوى» ضرب مثالاً بالطريقة الإدريسية التى تتمتع بعدد كبير من المريدين والأتباع خاصة فى الصعيد من المنتمين للقبائل، مؤكداً أن التصوف الرسمى بدأ ينحصر فى القاهرة الكبرى، فى حين يتجه الناس فى المحافظات إلى التصوف غير الرسمى فى الزوايا.
ويضيف: «الطرق الصوفية أصبحت أشبه بالأحزاب السياسية حيث تمتلك مقرات فقط وليس لها وجود بين الناس خاصة فى الأقاليم والقرى، ويجب تغيير القانون الحالى، وأن يعمل الدكتور عبدالهادى القصبى شيخ مشايخ الصوفية من خلال وجوده فى البرلمان وزعامته للأغلبية البرلمانية على تقديم قانون جديد ينهى مسألة التوريث، خاصة أن وجود وانتشار الطرق الصوفية بين الناس هو أمر مهم جداً للدولة المصرية لمواجهة جماعات العنف والتطرف».
ويختتم «الإسناوى» بقوله: «التوريث غير موجود بين الصوفية فى السودان وبلاد المغرب العربى والدول الأفريقية وعلى رأسها السنغال، وهو ما جعل الطرق الصوفية هناك تتولى أدواراً اجتماعية وتنموية مهمة إلى جانب دورها الدينى».