"وسادة المتعب" لـ أمل دنقل.. أمير شعراء الرفض "محباً"

كتب: إلهام زيدان

"وسادة المتعب" لـ أمل دنقل.. أمير شعراء الرفض "محباً"

"وسادة المتعب" لـ أمل دنقل.. أمير شعراء الرفض "محباً"

عُرف الشاعر أمل دنقل بقوميته وعروبيته، وهو ما ظهر بشكلٍ واضحٍ في قصائده، وتفاعل مع أحلام العروبة والثورة المصرية، مما ساهم في تشكيل نفسيته.

صُدم ككل المصريين بنكسة مصر في عام 1967، وأحدثت الصدمة تحولًا كبيرًا وأساسيًا فى رحلة أمل دنقل مع الشعر، فاتجه لكتابة الشعر السياسي، ونشر قصائد لاذعة انتقدت الحال السياسي والواقع العربي المتخبط بذلك التوقيت، كانت قصائد تعبر عن التشوه النفسي الذي عاناه جيل الستينيات الذي عاصر الهزيمة، وشهد انكسار حلمه أمام عينيه.

وعبر عن صدمته في قصيدته "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" 1969، فشاهد "دنقل" بعينيه النصر في حرب 73، وبعد معاهدة السلام أطلق رائعته "لا تصالح"، والتي تسببت في اصطدامه مع السلطات في الكثير من المرات.

وفي ذكرى ميلاد الشاعر أمل دنقل، الذي يوافق اليوم، فولد الراحل في محافظة قنا يوم 23 يونيو 1940، وإلى الجانب السياسي كان هناك الجانب العاطفي، فننشر في السطور التالية مقاطع من رسائله إلى زوجته الكاتبة الصحفية عبلة الرويني، والتي نشرتها في كتابها "الجنوبي"، وتحدث "دنقل" خلالها عن مشاعر الحب التي مان يراها ويلقبها بـ"وسادة المتعب"، كالتالي:

إلى عبلة..

"لو لم أكن أحبك كثيرا لما تحملت حساسيتك لحظة واحدة.. تقولين دائما عني ما أدهش كثيرا عند سماعه، أحيانا أنا ماكر، وأحيانا ذكي، رغم أنني لا أحتاج إلى المكر أو الذكاء في التعامل معك؛ لأن الحب وسادة في غرفة مقفلة أستريح فيها على سجيتي، إنني أحب الاطمئنان الذي يملأ روحي عندما أحس بأن الحوار بيننا ينبسط ويمتد ويتشعب كاللبلاب الأخضر على سقيفة من الهدوء".

وفي رسالة أخرى كتب "دنقل": "صباح الخير في المثلث الشمسي الممتد من الشباك إلى زاوية سريري أراك متمددة في الذرات الذهبية والزرقاء والبنفسجية التي لا تستقر على حال تماماً كنفسيتك، ومع ذلك أبتسم لك وأقول صباح الخير، أيتها المجنونة الصغيرة التي تريد أن تلفّ الدنيا على أصبعها، والتي تمشي فوق الماء وتريد ألا تبتل قدماها الفضيتان"، مختتما الرسالة: "حسنا لا يهم؛ فلقد عوَّدت نفسي على أن أعاملك طبقاً لإحساسي وليس طبقاً لانفعالاتك.. أحبك ولا أريد أن أفقدك أيتها الفتاة البرية التي تكسو وجهها بمسحة الهدوء المنزلي الأليف".

وفي رسالة ثالثة، يتحدث "الجنوبي" بأريحية عن طفولته: "إنني أحتاج إلى كثير من الحب، وكثير من الوفاء وكثير من التفاني، إذا صح هذا التعبير، لقد قتلت عبر سنوات العذاب كل أمل في الفرح ينمو بداخلي.. قتلت حتى الرغبات الصغيرة والضحك الطيب؛ لأنني كنت أدرك دائماً أنه غير مسموح لي بأن أعيش طفولتي، كما أنه من غير المسموح أن أعيش شبابي".

ويوضح في الرسالة جانبًا من تركيبته النفسية: "كنت أريد دائما أن يكون عقلي هو السيد الوحيد لا الحب ولا الجنس ولا الأماني الصغيرة.. لقد ظللت حتى أعوام قليلة أرفض أن أكل الحلوى، وأنها في نظري لا ترتبط بالرجولة، وظللت لا أقبل كلمة رقيقة من امرأة؛ لأنني أضطر عندئذ إلى الترقق معها وهذا يعني بلغة إحساس التودد لها، وهو يمثل الضعف الذي لا يُغتفر، وقد لا تعرفين أنني ظللت إلى عهد قريب أخجل من كوني شاعرا؛ لأن الشاعر يقترن في أذهان الناس بالرقة والنعومة، وفجأة ها أنت تطلبين مني دفعة واحدة أن أصير رقيقا وهادئا وناعما يعرف كيف ينمّق الكلمات".


مواضيع متعلقة