اللهم إني صائم.. المرج الجديدة: آلاف المارة يذوبون وسط عشوائية المواصلات ولا صوت يعلو على «قرّب تعالى.. العروض شغالة»
البائعون يفترشون الطرقات
الحر الشديد يلفح جباههم، والشمس تسلط أشعتها فوق رؤوسهم، يتحركون فى مختلف الاتجاهات بمحيط منطقة المرج الجديدة، حيث تستقر المحطة الأخيرة للخط الأول لمترو الأنفاق، وتعتبر نقطة تلاقٍ بين أكثر من موقف للميكروباص وسيارات الأجرة وأوتوبيسات هيئة النقل العام، وكذلك شركات النقل السياحية، إضافة لوقوعها بمحاذاة الكوبرى الدائرى، كلها أسباب جعلتها من المناطق الأكثر ازدحاماً فى محافظة القاهرة.
ملامح الانزعاج من الزحام والضوضاء مرسومة على وجوه المارة الذين يتحركون حاملين حقائبهم فى نهار رمضانى اتسم بالصعوبة، وأمام بوابات محطة المترو تراصت فرشات البائعين على جانبى السور، متخذين منه ظهيراً من أشعة الشمس الحارقة، عارضين أطعمتهم وبضائعهم. وفى مدخل المحطة ترقد آنيتان ممتلئتان بالتوت الأخضر والأسود، تجلس خلفهم سيدة عصّبت رأسها بإيشارب قصير، ترتدى جلابيتها الفضفاضة، تنادى على الزبائن المارين من وإلى محطة المترو.
العربات المتجولة تسيطر على المشهد، لا يخلو متر مكعب من وجود عربة خشبية ذات عجلات، مسقوفة بملاءات مهترئة، مرصوص فوقها بعض البضائع، ويقف أمامها صاحبها يخرق آذان المارة بنداءاته، يجذبهم أحياناً من أطراف ثيابهم أو يصرخ فى وجوههم بنبرته الجهورية: «عرض يا باشا، خد اسمعنى بس».
الخارج من محطة المترو تتابع آذانه هذه النداءات: «تخفيضات على كل حاجة وكله عن تجربة»، «قرّب تعالى لسة العروض شغالة»، «وصلة شاحن، إسكرينة، جراب تليفون كله بـ10 جنيه»، يبحث السائر عن موضع لقدمه بصعوبة فى ظل سير المارة فى اتجاهات متعاكسة، ووقوف سيارات الأجرة بشكل عشوائى، وتهورهم أحياناً، وتنافسهم فى تجميع الركاب، وإقبال ملحوظ على «التوك توك» كوسيلة وحيدة للدخول فى الحارات الضيقة التى لا يصل إليها «الميكروباص»، ومشادات كلامية متكررة بين السائقين والركاب للخلاف على الأجرة غير المحددة، والمتروكة لأهواء السائقين.
تتمركز هناك عربات نصف نقل تتبع شبكات المحمول الأربع، متجاورة بمحاذاة سور المحطة، تحمل كل منها «لوجو» ولون الشركة التى تنتمى إليها، حيث يتردد عليها بعض العملاء من وقت لآخر لشراء خط هاتف جديد أو تجديد الباقات الإلكترونية أو شحن الأرصدة، وأمامها صف تتجاور فيه عربات الفاكهة والمخللات والملابس، مع وجود مكثف للأكشاك.
بجوار محطة المترو تصطف السيارات المؤدية إلى موقف السلام الجديد والعاشر القديم، وسيارات أجرة تتجه إلى مناطق الخانكة والجبل الأصفر وأبوزعبل، وعلى بعد خطوات يوجد موقف محافظات بحرى، وفيه سيارات تتجه يومياً إلى الإسماعيلية والبحيرة والإسكندرية وبورسعيد، على مقاعد الانتظار المقابلة له ينتظر بعض الركاب ميعاد انطلاق رحلاتهم، ومع الارتفاع الملحوظ فى درجة الحرارة، تنطق وجوههم بالتعب والإرهاق الشديدين، يجلسون متأبطين بعض الحقائب الشخصية، ملقين ببعضها الآخر بإهمال أسفل أقدامهم، وداخل الموقف تجمعات السائقين تُحدث ضجيجاً ملحوظاً، يجلسون فى صحبة، وبأيديهم أكواب الشاى الساخن وزجاجات المياه «المشبّرة»، يسيل عليها لعاب الركاب الصائمين فى نهار رمضان.
أسفل الطريق الدائرى فى الجهة المقابلة، جراج كبير يضم أوتوبيسات هيئة النقل العام، وهناك يوجد موقف أكتوبر الشهير يأتى إليه الركاب من كافة المناطق بالمرج الجديدة، وفى الجوار تبرز مبانٍ صغيرة خصصت لشركات النقل السياحية التى تنظم رحلات إلى شرم الشيخ والبحر الأحمر والغردقة وسفاجا، وتواجه انعدام الحركة عليها أو داخلها، سوى من العاملين فيها، وهم يتمددون على كرسى خشبى مواجه لجهاز حاسوب فى المبنى المكيف، غارقين فى صمت تام لضعف الإقبال على الرحلات السياحية فى شهر رمضان.
وسط همهمات المارة يبرز صوتها عالياً متحدثةً فى الهاتف المدسوس بين وجنتها وحجابها، قائلة: «إنت سايبنا من الصبح، لسه ما وصلناش، الجو حر، ومش طايقة نفسى»، تمسك فى إحدى يديها حقائب بلاستيكية سمراء عديدة، وعلى كتفها ينعم رضيع بنوم هادئ رغم الضوضاء، يمسك بذيل ثوبها طفلها الثانى الذى لا يتعدى عمره 7 سنوات، تعبت من حمولتها الزائدة، أعطت رضيعها لأخيه الصغير، لم تتحمل يدا الطفل الهزيل وزن الرضيع فانبطح منه أرضاً، وأفاق الأخير على صراخ شديد من ألم صدمته بالأرض، كشرت الأم عن أنيابها، والتقطت رضيعها من الأرض، ثم توجهت بغضب إلى طفلها ذى السبعة أعوام، ولطمته على خده بقوة، فانفجر الأخير بالبكاء الشديد، وتسابق المارة على تهدئته ومواساة أمه، التى توجهت إلى موقف أكتوبر لتستقل من هناك سيارة إلى بنها، حيث تستغرق رحلتها مدة ساعة ونصف إضافية على الأقل.
فى الجهة المقابلة لمحطة المترو، توجد سوق تجارية تضم محالاً صغيرة المساحة، متجاورة، تعرض ملابس وأحذية، تفصل بينها ممرات ضيقة، يُشمر أصحابها عن سواعدهم، ممسكين بخراطيم المياه، يغرقون الممرات، يخرج صوت صاحب أحد المحال فى مساعده: «اقفل الحنفية، كفاية كدا، هتهوّى دلوقتى».