اللهم إني صائم.. «الزمالك»: رمضان بلا زينة أو موائد رحمن.. ومجمع الفنون مغلق وإقبال محدود على «الساقية»

اللهم إني صائم.. «الزمالك»: رمضان بلا زينة أو موائد رحمن.. ومجمع الفنون مغلق وإقبال محدود على «الساقية»
كانت الحياة تسير بشكلها الطبيعى، وكأنه ليس نهار أحد أيام رمضان، داخل ما تبقى من «قصر الجزيرة» الفخم، الذى كان أول بناية فى جزيرة الزمالك، وأصبح الآن جزءاً مما بات يُعرف بـ«فندق ماريوت»، إحدى علامات الحى الراقى، الذى كان يوماً حياً للأمراء والباشوات والطبقة الحاكمة لمصر.
المقيمون الأجانب بالفندق، وبينهم بعض العرب، كانوا يستمتعون بتناول مشروباتهم المفضلة فى أرجاء القصر الذى انتقلت ملكيته إلى الخديو إسماعيل من أبيه إبراهيم باشا، وأعاد بناءه، ليكون مقراً لضيوفه خلال حفل افتتاح قناة السويس.
فى الجهة المقابلة من شارع 26 يوليو، كانت أبواب قصر الأميرة عائشة فهمى مغلقة فى وجه الزائرين، منذ آخر معرض أقيم به، وانتهى فى مارس الماضى، حيث لم يشهد بعدها أى أنشطة أخرى، ومن المقرر استئناف النشاط به بعد العيد، حسبما أفاد أحد الحراس.
على بُعد خطوات من القصر كان محل «أنتيكات» قديم، بدا صاحبه، منير نوبى، 63 عاماً، بمثابة شاهد على ما طرأ على الزمالك من تحولات، من حى للأمراء والباشوات مقصور دخوله تقريباً على سكانه ومن يعملون به، حتى غزاه رجال «الانفتاح.. السداح مداح»، أيام الرئيس السادات، وأعملوا معاولهم فى هدم قصوره وفيلاته الأنيقة، ليقيموا مكانها عماراتهم الضخمة الأشبه بـ«العلب».
يتذكر «نوبى» وقت أن كان صغيراً يعمل مع والده، عندما كانت لا تزال معظم قصور الزمالك قائمة، وبقايا البرنسات والباشوات ما زالوا يقطنون الحى ويتجولون فيه، وكان يتم كنس وغسل الشوارع يومياً، ورجل شرطة يُدعى «فارس» يتجول بجواده فى الحى، بحثاً عن أى «غرباء» من غير سكانه أو العاملين به.
ويتحسّر على ما آلت إليه الأوضاع عموماً، بعد أن زحفت مظاهر «القبح المعمارى والزحام»، انتهاءً بموجة «الهجرة غير المسبوقة»، على حد وصفه، من فقراء الريف الذين يتوافدون الآن، بحثاً عن قوتهم من 10 جنيهات، نظير «ركن سيارة»، أو ما شابه من الأعمال الهامشية.
رغم أن «عم نوبى»، الرجل الستينى، يشهد بأن بعض أهل الخير من أهالى الحى، كانوا يرسلون صوانى إفطار للعاملين فى محال الحى، إلا أنه يعترف بأن بهجة ومظاهر «رمضان» لا مكان لها إلا فى الأحياء الشعبية، وليس فى حى الزمالك ذى الطابع الأرستقراطى، رغم أن «الكافيهات» الحديثة أصبحت تتزين ببعض مظاهر وزينة «رمضان» لجذب الزبائن.
حتى «موائد الرحمن» التى انتشرت لفترة تحت كوبرى 15 مايو، بطول شارع 26 يوليو، يشير «نوبى» إلى أنها اختفت منذ سنوات، ربما تحت ضغط الغلاء، لم يكن يتبقى منها فعلاً إلا مائدة وحيدة بالقرب من نهاية الشارع، يتولى إقامتها أحد أصحاب المحال المواجهة لها.
فى الجهة الأخرى من شارع 26 يوليو، الذى يقطع الجزيرة من منتصفها، كان عم أحمد عرفة، بائع الصحف والمجلات، الذى يجلس بصحفه على ناصية شارع حسن صبرى منذ ما قبل 1970، وشهد بنفسه بقايا العصر الذهبى للحى ونجومه، ومنهم عبدالحليم حافظ، وسعاد حسنى، اللذين كانا يمران عليه لشراء الصحف.
يشكو «عم عرفة» الآن من انخفاض المبيعات عموماً، وهو الأمر الذى يشير إلى أنه تفاقم بسبب تزامن مجىء «رمضان» مع موسم الامتحانات هذا العام، يعنى «صيام ودروس»، وهو الأمر الذى «وقَّع السوق بنسبة كبيرة، لدرجة أننا ممكن مانجيبش مصروفنا فى أيام زى دى»، على حد قول الرجل الستينى.
على بُعد خطوات من «عم عرفة» الذى كان يشكو من كساد بضاعته، كان مبنى «نقابة اتحاد كتاب مصر» خالياً تقريباً من الكتاب اللهم إلا عدداً محدوداً من الموظفين الذين كانوا يتهيأون للرحيل مبكراً، فيما اكتفى أحدهم بالإشارة إلى أن النشاط الثقافى يبدأ «بعد الفطار»، حيث تُعقد ندوات يومية عن الشعر والسرد وأدب الرحلات.
ورغم ما قاله «عم نوبى» سابقاً عن غياب مظاهر وزينة رمضان فى الحى، فإنها كانت حاضرة، وعلى عكس السائد، فى أحد الشوارع الجانبية المتفرعة من شارع 26 يوليو، ربما لأنه كان مليئاً بالورش والمحال التى تضم صنايعية قادمين من أحياء شعبية، وأرادوا استحضار روح «رمضان» فى مكان عملهم.
غير بعيد عن هذا الشارع كان «عم على خميس»، المزين، يجهز، مع أحد العاملين معه، السلطة الخضراء استعداداً للإفطار فى صالون الحلاقة الخاص به، على أمل استقبال زبون أو أكثر ربما يجىء عقب الإفطار مباشرة، بعد فترة راحة طويلة تستمر طوال النهار تقريباً.
فى نهاية شارع 26 يوليو، من ناحية المهندسين، كانت «ساقية الصاوى»، التى كانت عادة ما تمتلئ بالشباب، خالية تقريباً إلا من بضعة شباب، ربما استعداداً لقدوم المزيد من الراغبين فى الاستمتاع بأمسيات رمضان الفنية بالمكان، عقب الإفطار، رغم ارتفاع أسعار تذاكر الحفلات التى لم تعد تقل تقريباً عن خمسين جنيهاً، وتتخطى المائة جنيه أحياناً.