كايرو ريفيو: أحلام أردوغان بالسيطرة تتحطم على ضفاف النيل

كايرو ريفيو: أحلام أردوغان بالسيطرة تتحطم على ضفاف النيل
في عددها الجديد، ناقشت مجلة "كايرو ريفيو للشئون الدولية"، والتي تصدرها كلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، كيف تحول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من زعيم إسلامي إقليمي في الربيع العربي إلى رجل غريب في الشرق الأوسط؟
وفي تقرير لها بعنوان "هزيمة أردوغان على ضفاف النيل"، قالت المجلة التي تصدرها الجامعة الأمريكية، "إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعتبر واحدا من أكثر الزعماء دكتاتورية على مدار تاريخ تركيا، فعلى مدار العقدين الماضيين، انفصل تدريجياً عن نموذج كمال أتاتورك للسياسة الخارجية، وبدلاً من ذلك تبنى سياسة ناشط وإمبريالي جديد، وبناءً على ذلك، قام بتوجيه تركيا إلى استهداف الشرق الأوسط لبناء نفوذ له على حساب سياسات المنطقة، وكان أردوغان يعتقد في سياسته الخارجية تجاه المنطقة، والتي كان يطلق عليها العثمانية الجديدة، كان يعتقد أن تركيا يمكن أن تنهض كقوة عظمى إذا أصبحت رائدة في الشرق الأوسط أولا".
وأضافت المجلة في تقريرها، "إن أردوغان عزز سلطته من خلال تقويض إرث أتاتورك العلماني في البلاد، وفي مجموعة من المحاكمات بين عامي 2008 و 2011، حبس أردوغان قرابة ربع الجنرالات الأتراك بمساعدة النيابة العامة والشرطة التي كانت متحالفة مع حركة داعية الإسلام السياسي فتح الله كولن، الذي كان حليفه في ذلك الوقت، وفي صيف عام 2011، استقال كبار ضباط الجيش التركي بشكل جماعي، مدركين أن أردوغان وجولن قد انتصروا، وقبل ذلك الوقت تقريبًا في عام 2010، أجرى أردوغان استفتاء بمساعدة من حلفائه في حركة جولن، مما منحه صلاحية تعيين غالبية القضاة في المحاكم العليا في البلاد دون إجراء عملية تأكيد".
وتابعت المجلة تقريرها بالقول، "وفي بداية الانتفاضات العربية عام 2011، بدا أن نفوذ أنقرة يتصاعد بالفعل عبر العالم ذي الأغلبية العربية، فبعد سقوط نظام حسني مبارك في مصر، سرعان ما تحرك أردوغان، رئيس وزراء البلاد آنذاك، لبناء النفوذ في القاهرة، تليها عواصم إقليمية أخرى، وفي هذا الوقت، وضع كل رهاناته على محمد مرسي، وهو حليف سياسي إسلامي وقيادي بجماعة الإخوان ومرشح للرئاسة في مصر، وبعد ذلك، حصل أردوغان على نفوذ كبير في القاهرة بعد وصول مرسي إلى السلطة في مصر في يونيو 2012، ومع ذلك، وفي أعقاب عزل مرسي في صيف عام 2013، فقد أردوغان مكاسبه المصرية بالكامل تقريبًا بين عشية وضحاها".
وقالت المجلة في تقريرها، "ومن الغريب أن أحداث الربيع العربي، وبالتحديد إقالة مرسي من خلال حركة احتجاج شعبية مدعومة من الجيش، تردد صداها بقوة في السياسة الداخلية التركية من خلال تشكيل تفكير أردوغان تجاه معارضيه، فسرعان ما أشتعلت الانتفاضة الشعبية في إسطنبول ضد تدمير حديقة تاريخية من قبل حكومة أردوغان، التي أطلق عليها اسم جيزي بارك في عام 2013، مصدرًا للتعبئة الجماهيرية ضد الزعيم التركي، ولا يزال أردوغان يخشى أن يُطيح به هو الآخر عن طريق انقلاب عسكري، على الرغم من أنه كان يحيد القوات المسلحة التركية، هذا لأن أردوغان يعيش مع خوف دائم من أن يعود الجيش التركي إلى السياسة، وبدا أن أسوأ كابوس له أصبح حقيقة، كما يراها، تماماً كما كان مع مرسي عندما بدأ يفقد قوته من خلال مكائد حركة الاضطرابات الشعبية التي يدعمها الجيش المصري، وخشي أردوغان أن ما حدث لمرسي كان على وشك أن يحدث له، وبالتالي قمع بعنف المسيرات في جيزي بارك".
وأضافت المجلة في تقريرها، "لقد تحولت تركيا من كونها دولة رائدة محتملة في المنطقة إلى الانخراط في مشاكلها الداخلية، وفي الوقت نفسه، فإن زوال مرسي وغيره من القادة والحركات المرتبطة بجماعة الإخوان في الشرق الأوسط المدعومين من أردوغان قد ترك أنقرة بدون حلفاء أو أصدقاء في المنطقة، كما توقفت تطلعات أردوغان الكبرى، وهي العثمانية الجديدة، لتشكيل الشرق الأوسط من إسطنبول، واليوم أصبحت أنقرة معزولة تقريباً عن الشرق الأوسط، باستثناء قطر، وليس لتركيا أصدقاء أو حلفاء في المنطقة"، وأشارت المجلة في تقريرها إلى أنه في أعقاب ثورة 2011 التي أنهت نظام الرئيس حسني مبارك الطويل في مصر، أصبح أردوغان من أوائل القادة الأجانب الذين زاروا القاهرة لدعم الانتفاضة، وكانت زيارته هذه جزءًا من جولة أكبر في شمال إفريقيا للزعيم التركي، الذي زار تونس وليبيا في وقت واحد، وكلاهما هزتهما الثورات العربية، وزار أردوغان القاهرة في سبتمبر 2011، وقدم تركيا كنموذج للديمقراطية الإسلامية الحديثة والعلمانية".
وتابعت المجلة تقريرها بالقول، "ثم زار أردوغان القاهرة للمرة الثانية في نوفمبر 2012، وهذه المرة مع وفد كبير من حكومته، وألقى كلمة في جامعة القاهرة مشيدا بمرسي لقراره سحب سفير مصر في إسرائيل ردا على الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة. كما اعلن أردوغان أن التحالف المصري التركي سيضمن السلام والاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط، مما يعني أن مثل هذا التحالف سيقيد قدرة إسرائيل على استخدام القوة، وأشاد أردوغان بالشباب المصريين لإسقاطهم ديكتاتورية مبارك وأعلن أن مصر وتركيا متحدتان، ومع ذلك، فإن طموحات أردوغان لإقامة شراكة استراتيجية مع مصر قد تلاشت مع بدء سيطرة مرسي على الحكم، فبعد فترة وجيزة من توليه منصبه، بدأ الأخير في الاستيلاء على السلطة على عجل، ومنح نفسه سيطرة قضائية على أي محكمة مصرية وانطلق من خلال دستور جديد صاغه إلى حد كبير الإسلاميون السياسيون، ثم بدأت مظاهرات مناهضة لمرسي ومعارضة للإخوان في القاهرة في نوفمبر 2012 وازدادت أعمال العنف فيها، بينما انهارت محاولات إجراء حوار بين مرسي ومختلف أحزاب المعارضة، وبحلول ربيع عام 2013، كانت الحركة المناهضة لمرسي، تمرد، قد بدأت في تنظيم احتجاجات جماهيرية كانت مقررة في 30 يونيو، ومع اقتراب احتجاجات 30 يونيو، أرسل أردوغان رئيس الاستخبارات الوطنية التركية، هاكان فيدان، لزيارة مرسي، وأشارت التقارير اللاحقة في كل من وسائل الإعلام المصرية والتركية إلى أن مهمة فيدان هي تحذير مرسي من حدوث انقلاب وشيك وربما مناقشة كيفية تجنبه، وخرج الملايين من المصريين إلى الشوارع في 30 يونيو، للاحتجاج على استيلاء الإخوان على السلطة وفشل الجماعة في معالجة المشاكل الاقتصادية والأمنية المستمرة".
واضافت المجلة في تقريرها، "عندما أعلن اللواء السيسي آنذاك في 3 يوليو 2013 أن الجيش أزال مرسي من السلطة لإنقاذ مصر من شبح الحرب الأهلية، تلقى دعماً من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، التي تعارض الإخوان، وفي مصر انتهت علاقة أردوغان مع القيادة المصرية الجديدة، وأشار أردوغان إلى السيسي بأنه طاغية واتهم الحكومة المصرية المؤقتة بممارسة إرهاب الدولة، كما بدأ أردوغان في السماح لشبكات الإعلام المصرية المؤيدة للإخوان ومناهضة السيسي بالعمل بحرية من داخل تركيا، وقام السيسي بالرد، حيث اتهمت وسائل الإعلام المصرية أنقرة بدعم الحملة الإرهابية ضد أجهزة الأمن المصرية في شبه جزيرة سيناء بعد إقالة مرسي من السلطة، يتشكل التوتر المستمر حتى يومنا هذا في العلاقات التركية المصرية من خلال تصورات أردوغان والسيسي لبعضهما البعض، فأردوغان هو الزعيم الإسلامي السياسي الذي سجن الجنرالات العلمانيين، بينما السيسي هو الجنرال العلماني الذي حبس الإسلاميين السياسيين، وطالما أن هذين الرجلين مسؤولان عن بلديهما، فمن الصعب تخيل قيام أنقرة والقاهرة بإقامة علاقات ودية أبداً".
واختتمت المجلة تقريرها بالقول، "إن أردوغان وقياداته داخل حزب العدالة والتنمية قاموا بإعادة حساب سياساتهما الداخلية والخارجية بعناية منذ عام 2013 للتعامل مع القضايا الملحة في الداخل والخارج، حيث ترك انعكاس احتجاجات جيزي بارك وعزل مرسي في مصر أثراً دائماً على قيادة أردوغان في تركيا، واستمر في قمع الاحتجاجات والمعارضة منذ عام 2013، ووحتى يومنا هذا.
وفي السياسة الخارجية، واجه أردوغان دول الخليج، وقد خلق هذا خلافًا بين تركيا وجميع القوى السنية الأخرى في شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط، بالإضافة إلى ذلك، فإن سياسة تركيا تجاه سوريا قد وضعتها على خلاف مع نظام الأسد وإيران الراعي الإقليمي للأسد، على الرغم من أن علاقات تركيا مع العراق قد تحسنت قليلاً منذ عام 2017، وتبعا لذلك، أصبحت أنقرة اليوم أكثر عزلة من أي وقت مضى في الشرق الأوسط دون شك، وأثرت الأحداث في المنطقة على السياسة الداخلية التركية، وغرقت تركيا في مشاكل إقتصادية وسياسية مع العديد من الدول، وانهار حلم أردوغان في بسط نفوذه على الشرق الأوسط وإقامة خلافة عثمانية جديدة".