النجمة كريمان تكتب: مقلب فى أول يوم!

كتب: الوطن

النجمة كريمان تكتب: مقلب فى أول يوم!

النجمة كريمان تكتب: مقلب فى أول يوم!

لم أكن أعرف التقاليد التركية فى شهر رمضان، فطاب لى أن ألمسها بنفسى ولكن حدث فى اليوم الأول من الشهر المبارك ما لم يكن فى الحسبان

أذكر أننى بدأت أصوم رمضان فى سن الثامنة، وقد حاولت أمى أن تمنعنى من الصيام فى تلك السن المبكرة، ولكنى أصررت عليه وتحملت متاعبه رغم أننى كنت أحس جوعاً شديداً، تحملت لأننى أعتبر الصوم رياضة تستلزم إرادة قوية، وقد كان يهمنى أن أبدو فى صورة ذات الإرادة القوية.

وفى رمضان التالى شاءت الظروف أن أكون فى إستنبول، وقد ذهبنا إليها قبل رمضان بعشرة أيام لنزور عمتى التى تقيم بها ولنرى عاصمة العثمانيين فى صيفها الرائع، وحاولت عمتى كما فعلت أمى أن تثنينى عن الصيام فرفضت، وأحسست أنها قد اشتركت مع أبى فى وضع خطة لإرغامى على الإفطار وعرفت بطرقى الخاصة أن الخطة هى أن أترك نائمة فلا أتناول طعام السحور وبالتالى لا أستطيع مقاومة الجوع فى اليوم التالى، ولهذا ما كادت عمتى تطفئ النور فى حجرة النوم حتى جلست فى الفراش حتى لا أنام ورحت أقاوم النعاس بصبر، وكان رأسى يميل على جسدى فأرفعه بسرعة وأعود قسراً إلى اليقظة حتى حان موعد السحور فتظاهرت بأننى نائمة لأرى ما تسفر عنه الخطة.

ووجدتهم يتسللون إلى غرفة الطعام وهم يتهامسون، وإذ ذاك نهضت من الفراش وجلست على المائدة، فراحوا ينظرون إلى بعضهم بدهشة، ولا ينبسون ببنت شفة، وهكذا استطعت أن أصوم.

وفى صباح اليوم التالى قلت لعمتى: «المدفع اللى بيضرب علشان الفطار بيبقى فين يا عمتى؟» فقالت: «مفيش يا بنتى فى إستنبول مدافع، إحنا عندنا المآذن تنور علشان الناس تفطر، المدافع فى مصر بس».

انتهيت من سمرى العذب مع عمتى عن تقاليد الأتراك فى الظهيرة، فمضيت أقرأ فى كتاب حتى أدركنى النعاس فنمت طويلاً.

واستيقظت لأجد الساعة قد تجاوزت الرابعة، وأنتم تعلمون أن أشق أيام رمضان هو اليوم الأول أما الأيام التالية فيبدأ المرء فى التعود على النظام الجديد.. لهذا أحسست بالجوع عندما استيقظت من النوم، وبدا علىّ الضعف والوهن.. وقد رأيت أن أخفى ضعفى ووهنى عن عمتى حتى لا تقول إننى لا أستطيع الصيام، فأخذت أولاد عمتى ونزلنا إلى حديقة البيت لنلهو حتى تضاء أنوار المآذن..

وراح أولاد عمتى يتحدثون، ولكنى اقتصدت فى الحديث معهم وتعلقت عينى بمئذنة جامع كنت أراها على بعد وأنا جالسة على مقعدى تحت شجرة وارفة الظلال.

ومضى الوقت بطيئاً وخُيّل إلىّ أن عقرب الساعة لا يتحرك، وأكملنا اللعب بمضى الوقت ونظرت إلى الساعة ثانية فإذا بموعد الإفطار وشيك، فتركت اللعب وعدت إلى مقعدى أحدق فى مئذنة المسجد.

ومضت الدقائق والمئذنة لا تضىء، وأحسست بالجوع يفرى أمعائى.

ووجدت عمتى تغادر المائدة بعد أن تناولت طعام الإفطار مع أبى، وقالت لنا إنها اعتقدت أننا خرجنا فمضت تنتظر عودتنا دون جدوى ولهذا أفطرت.

وسألتها عن المئذنة التى لم تضئ أنوارها فقالت إن هذه المئذنة بالذات قد قطع منها التيار بسبب خلل فى الأسلاك.

ونزلنا على الطعام كالوحوش، وكانت هذه أطول مدة أصوم فيها فقد أكلت بعد موعد الإفطار بثلاثة أرباع الساعة، وكان السبب هو الطريقة التركية فى الإفطار!

                                               الكواكب 1954


مواضيع متعلقة