مدير «البحوث العربية» الأسبق: وجود الجيوش فى معادلة أى صراع ضمانة أمن واستقرار .. و«الوطنى الليبى» سيحسم معركة طرابلس

كتب: أجرى الحوار: سيد جبيل

مدير «البحوث العربية» الأسبق: وجود الجيوش فى معادلة أى صراع ضمانة أمن واستقرار .. و«الوطنى الليبى» سيحسم معركة طرابلس

مدير «البحوث العربية» الأسبق: وجود الجيوش فى معادلة أى صراع ضمانة أمن واستقرار .. و«الوطنى الليبى» سيحسم معركة طرابلس

عبر الدكتور أحمد يوسف أحمد، المدير الأسبق لمعهد البحوث والدراسات العربية، أستاذ النظم السياسية بجامعة القاهرة، عن تفاؤله بقدرة الجيش الوطنى الليبى على تحقيق النصر فى النهاية على ميليشيات الغرب، التى اعتبرها جزءاً من مشروع الإسلام السياسى المدعوم من تركيا وقطر، وأوضح المفكر السياسى المرموق، أن الدول تنشأ بالتراضى أو بالقوة وتظل القوة عاملاً مهماً للحفاظ عليها، وهذا ما يفعله الجيش الوطنى فى ليبيا الآن، وأكد فى حواره لـ«الوطن» أن الفساد والمصالح الضيقة للنخبة أحد أسباب استمرار الصراع هناك، وقال إن الجيش السودانى أثبت انحيازه للشعب وأظهرت قياداته تفهماً سريعاً لمطالب الناس وأبدت استعداداً للتجاوب معها، لكنه رأى الأوضاع فى الجزائر مثيرة للقلق، فيما يعتقد «أحمد» أن الموقف فى اليمن بالغ البؤس، وأن الوضع هناك هو الأسوأ فى المنطقة كلها.. إلى نص الحوار.

هل تتوقع أن يكتب النجاح لمحاولة المشير خليفة حفتر السيطرة على طرابلس ثم الغرب الليبى وبالتالى إحكام السيطرة على كامل ليبيا وتوحيدها؟

- أتمنى، ولكن المسألة ليست بالسهولة التى يتخيلها البعض، لأن الميليشيات الموجودة فى الغرب، التى تحالفت بشكل أو بآخر مع حكومة الوفاق، هى جزء من مشروع إقليمى ودولى، وأشير هنا تحديداً إلى المشروع التركى القطرى الداعم لتيارات الإسلام السياسى، خصوم المشروع الوطنى، المتكتلين فى معسكر طرابلس، لديهم درجة من القوة، وإن كان المنطق يقول إن النصر فى النهاية سيكتب لجهود الجيش الليبى لإعادة بناء الدولة، ولهذا شروطه بطبيعة الحال، منها أداء الجيش ومدى قوة الدعم العربى والمواقف الدولية، علماً بأن هناك أيضاً مصالح دولية متباينة، أنا متفائل لأنه، باستثناء قطر وتركيا، فإن دول العالم إما مؤيدة للمشير حفتر أو تتحسب لاحتمال نجاحه، ما يجعلها لا تبالغ فى عدائه، ودليلى على ذلك أن ردود الفعل الأولى اقتصرت على الإعراب عن القلق فقط ومطالبة كل الأطراف بضبط النفس، لكن دون التهديد بفرض عقوبات أو تدخل عسكرى ضد الجيش الليبى، بالإضافة إلى عدم اتخاذ مجلس الأمن حتى الآن موقفاً ضد الجيش الوطنى.

د. أحمد يوسف أحمد لـ"الوطن": الوضع داخل اليمن الأسوأ فى المنطقة

هل يمكن أن نصف الصراع بين الطرفين بأننا أمام مشروع الدولة الوطنية ويمثله حفتر ومشروع الإسلام السياسى وتجسده حكومة الوفاق؟

- نعم، فمساعى حفتر هدفها إعادة الدولة الوطنية على الأراضى الليبية، فى مقابل مجلس رئاسى صورى يقوده فايز السراج ووراءه تحالف ميليشيات مسلحة، أخطرها علينا ما يسمى بـ«فجر ليبيا»، والمعسكر بصفة عامة مرتبط بمشروع الإسلام السياسى وداعميه وعلى رأسهم تركيا وقطر، وفكرة الدولة الوطنية ليست محورية فى هذا المشروع.

البعض يشكك فى امتلاك ليبيا الآن مقومات الدولة الوطنية، مع وجود تفتت وتشرذم قبلى وسياسى على مساحة جغرافية شاسعة؟

- لا أتفق مع هذا الطرح على الإطلاق، فليبيا لديها طبعاً مقومات دولة حديثة، بل إنها تمتلك هذه المقومات أكثر من دول أخرى فى المنطقة، فالشعب الليبى لا يعانى من انقسامات عرقية ومذهبية، كما هو الحال مثلاً فى لبنان والعراق، وكل ما فى الأمر أن ملابسات الثورة ضد القذافى أفرزت صراعاً بين ميليشيات عسكرية غير منضبطة، وهو الوضع الذى يسعى المشير حفتر لعلاجه.

إذا فشل مشروع "حفتر" فلن تعود ليبيا دولة كما كانت.. والقوى الغربية تميل لدعمه لأنه الطرف الأقوى.. وعلينا أن ننتظر من صفقة القرن كل ما لم نتخيله وأن نتوقع ضم المستوطنات فى الضفة وأتمنى ألا يحدث مزيد من التطبيع العربى بلا مقابل.. وعلينا ألا ننتظر أى تسوية سلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين

ما مصلحة تركيا وقطر فى دعم جماعات أملها فى الوصول للسلطة صفر؟

- من قال ذلك؟ أمل داعش للوصول للسلطة كان صفراً ومع ذلك وصلت للسلطة فى دولتها المزعومة على مساحة كبيرة من أراضى سوريا والعراق فى ظل ظروف معينة، وعلى العموم تركيا لديها مشروع وقطر تدعمه بأموالها، ورغم هزيمة الإسلاميين فى كل انتخابات حرة جرت فى ليبيا فإن هذا لن يثنى البلدين عن دعم هذه الجماعات، لاحظ أنهما ما زالا يدعمان حتى الآن جماعة الإخوان فى مصر، وما زال أردوغان يهذى بأفكاره عن النظام المصرى وما حدث فى 30 يونيو 2013.

وماذا إذا فشل حفتر فى مسعاه؟

- إذا فشل مشروع حفتر، لا قدر الله، لن تعود ليبيا دولة كما كانت، لكن الفشل بمعنى أن تهزمه قوى الوفاق وتطارده حتى الشرق سيناريو صعب جداً تصوره، ومطالبة «الوفاق» المجتمع الدولى بالتدخل تعنى أنها الطرف الأضعف.

الحوثيون فصيل شديد التخلف سياسياً ويطالبون بعودة نظام الإمامة الذى انقلبت عليه الثورة عام 1962 واختطفوا البلد بالمزايدات والتحالف مع إيران و"صالح"

وماذا عن مواقف الدول الغربية؟

- أفضل خيار للقوى الغربية أن يأتى نظام موالٍ لها، وهى ليس لها أى دوافع أيديولوجية فى ليبيا، المسألة مصالح فقط، وهى تميل الآن لدعم حفتر أو على الأقل عدم معاداته لأنه الطرف الأقوى و«لو ضعف لكثرت سكاكينه»، ولكن هذا لم يحدث، فى تاريخ النظم السياسية الدول تنشأ بالتراضى أو بالقوة وتظل القوة عاملاً مهماً للحفاظ عليها، فالولايات المتحدة التى نشأت بالتفاهم تم الحفاظ عليها بالقوة خلال الحرب الأهلية، وهذا ما يفعله الجيش الوطنى فى ليبيا الآن.

أشرت قبل ذلك فى إحدى مقالاتك إلى أن مصالح النخبة الضيقة سبب رئيسى فى استمرار الصراع فى ليبيا، هل يمكن أن توضح لنا كيف يتم ذلك؟

- عندما ينشأ صراع فى أى بلد تنتفع منه أطراف مختلفة وتصبح صاحبة مصلحة فى استمراره، فالجماعات والميليشيات التى تحصل على دعم خارجى مثلاً للقيام بدور ما، سيتوقف هذا الدعم لحظة توقف القتال أو توقف القتال لغير صالحها، وهذا سبب رئيسى لاستمرار الصراع فى ليبيا الآن، فالنخبة الضيقة ليست صاحبة مصلحة فى تحقيق المصالحة، وغسان سلامة المبعوث الأممى لليبيا قال أكثر من مرة إن كل أطراف الصراع تتكسب منه، وهذه الأوضاع تفرز مليونيراً جديداً صبيحة كل يوم.

الدول تنشأ بالتراضى أو بالقوة وتظل القوة عاملاً مهماً للحفاظ عليها وهذا ما يفعله الجيش الوطنى الليبى الآن.. و"السراج" يقود مجلساً "صورياً"

كيف ترى الأوضاع فى السودان؟

- السودان التحق متأخراً بما يسمى بثورات الربيع العربى. كلمة الربيع العربى الآن أصبحت سيئة السمعة لدى البعض، لكن ما أقصده هنا هو أن السودان التحق متأخراً بمسار الدول التى قامت بهبات شعبية ضد نظم سياسية استبدادية طال أمدها كثيراً، الموجة الأولى بدأت فى تونس ضد رئيس حكم لنحو ربع قرن ثم جاءت إلى مصر ضد رئيس حكم لنحو 30 عاماً ثم انتقلت إلى اليمن ضد على عبدالله صالح، الذى كان فى الحكم لأكثر من 30 عاماً وكذلك الأمر فى سوريا، حيث ظل نظام الأسد (حافظ وبشار) لأكثر من 40 عاماً حين ثار الناس عليه فى 2011، وهذه الموجة تجددت مرة أخرى فى الجزائر ضد بوتفليقة الذى حكم عشرين عاماً وكان يريد الاستمرار فى السلطة لولاية خامسة رغم مرضه، وأخيراً فى السودان ضد عمر حسن البشير الذى حكم لثلاثين عاماً أيضاً وكان يرغب فى أن يظل فى السلطة إلى ما شاء الله، مع قدر كبير من القمع والاستبداد وسوء الأوضاع الاقتصادية، والأخطر أنه فرط فى السلامة الإقليمية لبلاده فانفصل الجنوب بسبب سوء سياساته وسعت أقاليم أخرى للانفصال عن السودان، علماً بأن السودانيين يصنفون ضمن الشعوب الحية التى ثارت على الاستبداد فى الستينات والثمانينات، وكان من الغريب أن ترضخ لحكم البشير الاستبدادى لمدة 30 عاماً.

يقال إن السودانيين وجدوا أنفسهم لأول مرة تحت حكم البشير تحت تحالف الاستبداد العسكرى مع الفاشية الدينية وهذا هو السبب فى عدم تمكنهم من الثورة عليه طوال هذه السنوات؟

- وارد أن يكون هذا هو السبب، لكن حقيقة الأمر أن السودان لم يخرج كثيراً عن الموجة الأولى، فقد ثار الشعب ضد البشير بعد أن أتم المدة التى ينفد فيها صبر الشعوب بعدها وهى نحو 30 عاماً، وبوتفليقة مكث فى الحكم 20 عاماً فقط، لكن المشكلة أنه كان مريضاً، وهناك يقين لدى الشعب أن أطرافاً أخرى هى التى تحكم البلد نيابة عنه من وراء الكواليس، وهذا ما عجل بالثورة عليه، وفى كل الأحوال يصعب جداً أن تتنبأ بنقطة الانفجار عند شعب ما.

السودانيون والجزائريون استفادوا من الموجة الأولى للربيع العربى فالحراك فى البلدين سلمى 100% وآتى بثماره

كيف اختلفت الموجة الأولى عن الموجة الثانية من ثورات الربيع العربى؟

- الواضح جداً أن السودانيين والجزائريين استفادوا مما حدث فى الموجة الأولى، فهم يحرصون تماماً على سلمية مظاهراتهم، فالحراك فى البلدين كان سلمياً 100% ما أتى بثماره حتى الآن، فى مصر وتونس كان الأصل هو السلمية وخلاف ذلك كان تجاوزات محدودة، أما فى اليمن وسوريا وليبيا فقد بلغ العنف ذروته، واستقرت الأوضاع فى الدول التى التزم فيها الثوار بالسلمية واضطربت أحوال الدول التى انجرفت للعنف سواء من جانب المعارضة أو النظام، وكنت دائماً أقول إنه لو لم يتم تسليح الميليشيات ضد الأسد لنجحت الثورة السورية فى تحقيق مطالبها.

هل مسار الأحداث فى السودان مطمئن أم يدعو للقلق؟

- الأوضاع فى السودان أكثر طمأنة من جارتها الجزائر، والأمور تتطور بشكل إيجابى، فباستثناء البيان الأول الصادم، أثبت الجيش السودانى انحيازه للشعب، واتضح لنا أن تركيبة المؤسسة العسكرية ليست بالبساطة التى تصورها البعض، فليس كل ضباط الجيش موالين لنظام البشير، وأظهرت قياداته تفهماً سريعاً لمطالب الناس وأبدت استعداداً للتجاوب معها، وتأكد لنا أيضاً أن وجود الجيش فى الصورة وفى المعادلة فى أى صراع ضمانة للأمن والاستقرار، فالوضع المثالى أن يدعم الجيش الثورة والثوار، أما لو انقسم الجيش على نفسه أو دخل فى صدام مع الشعب فتحدث الكارثة.

الأوضاع استقرت فى الدول التى التزم فيها الثوار بالسلمية واضطربت فى البلدان التى انجرفت للعنف

ولماذا ترى أن الأوضاع فى الجزائر مثيرة للقلق؟

- بسبب تناقض المواقف بين الشارع والجيش، فرغبة المتظاهرين فى التخلص من كل عناصر النظام القديم تصطدم بإصرار الجيش على الالتزام بالمسار الدستورى، إحدى معضلات الانتفاضات الشعبية أنه عندما تتجذر تكون مطالبها قوية، وكلما استجيب لها مطلب تأتى بمطلب آخر.

معنى ذلك أنك غير متعاطف مع مطالب الحراك فى الجزائر؟

- أنا أتفهم تماماً مطالب الشارع باجتثاث النظام القديم، لأنهم عانوا كثيراً منه، ورئيس الأركان نفسه وصفهم بأنهم «عصابة»، لكن ما لا أتفهمه هو الإصرار على آليات غير معروفة، فماذا يعنى الإصرار على استبعاد رئيس الجمهورية المؤقت ورئيس الوزراء، وهناك مطالب أيضاً باستبعاد رئيس الأركان، مع عدم وجود آليات بديلة، إذ ليس لدى الحراك بدائل واضحة لإدارة المرحلة الانتقالية، وليست لديهم أحزاب قوية، مجرد فسيفساء من الأحزاب وليست لديهم شخصيات محددة يرشحونها فكيف سيديرون المرحلة إذن؟ أثناء ثورة يناير فى مصر كانت هناك دعوات لتشكيل مجلس رئاسى، وكان السؤال الجوهرى جداً من يختار أعضاءه؟ ما أقصده أن مطالب الثوار مشروعة لكن الآلية مفقودة، وظنى أن اتباع المسار الدستورى على علاته طريق أوضح، خصوصاً مع ميلاد وعى جديد وقوة جماهيرية تستطيع أن تضمن سلامة المسار ومنع الالتفاف على مطالب الشارع.

أؤيد استخدام القوة العسكرية ضد "طهران" إذا تغولت.. لكن إذا كنا وصلنا لسلام مع إسرائيل فلماذا لا نصل إلى سلام مع إيران؟

هل الصراع فى اليمن بعد أكثر من 4 سنوات فى طريقه لانفراجة أم لمزيد من التدهور؟

- الوضع فى اليمن بالغ البؤس، ومن بين كل ساحات الصراع والاضطرابات العربية، أرى أن الوضع فى اليمن هو الأسوأ، فنظام بشار يسيطر على غالبية أراضى سوريا، والجيش الوطنى الليبى رغم صعوبة معركة طرابلس، قادر على حسم الصراع هناك، أما اليمن فإن الصراع مفتوح على جبهات وأطراف كثيرة.

معسكر الشرعية هو من يسيطر على غالبية الأراضى فى اليمن أيضاً؟

- صحيح، لكن معسكر الشرعية نفسه مفتت ومنقسم على نفسه، فهناك جناح الرئيس هادى وجناح حزب الإصلاح أو إخوان اليمن، ومعهم جانب من حزب المؤتمر، بالإضافة إلى المجلس الانتقالى فى عدن، الذى يتمسك شكلياً بشرعية هادى لكنه يدعو لقيام دولة الجنوب، وحزب المؤتمر منقسم إلى 3 معسكرات أحدها مع الرئيس والثانى محسوب على الإمارات وثالث يقف فى المعسكر الآخر مع الحوثيين، وهناك تمايز بين النهج الإماراتى والنهج السعودى، ولا يوجد اهتمام دولى كافٍ بالصراع اليمنى، فاليمن هى الساحة الوحيدة التى اقتصر التدخل فيها على الأطراف الإقليمية، فإيران تدخلت لنصرة الحوثيين، والدول الخليجية تدخلت لدعم هادى، ولا نجد أصابع دولية شديدة الوضوح مثل الدور الروسى فى سوريا أو حلف الناتو فى ليبيا مع بدء الصراع فى 2011، والمواقف الدولية على ضعفها مرتبكة، والموقف الأمريكى مثال على ذلك، فالكونجرس أصدر مؤخراً قراراً بوقف الدعم العسكرى الأمريكى لدول التحالف فى الوقت الذى تضع إدارة ترامب احتواء إيران على رأس أولوياتها.

وماذا عن الطرف الآخر، الحوثيين؟

- لست على بينة بطبيعة معسكر الحوثيين، قد يكون لديهم خلافات لكن من الواضح أنها لم تصل لحد الانقسام، الشىء الذى أنا متأكد منه أن معسكر الشرعية يزخر بالانقسام، كما أنه بات واضحاً أن الاستراتيجية العسكرية المتبعة غير قادرة على حسم الصراع ولا بد من مناقشة تطويرها.

وهل للمجلس الانتقالى عدد كاف من الأنصار يمكنه من تحقيق هدفه فى الانفصال؟

- تأكدت الوحدة بين الجنوب والشمال فى العام 1994 بعد حرب انتصر فيها الرئيس السابق على عبدالله صالح، لكن بعض أبناء الجنوب اعتبروه «محتل»، وذلك نتيجة إطاحته بقيادات الجيش الجنوبى وتغول رؤوس الأموال الشمالية على فرص الاستثمار فى الجنوب ودرجة من الظلم أفرزت فى النهاية «الحراك الجنوبى»، الذى بدأ كحركة مطلبية لإعادة من فصلوا من القيادات العسكرية إلى مناصبهم وتعويض من أضير مالياً من الوحدة، ثم تحولت إلى حركة انفصالية لها أنصارها خصوصاً بعد العام 2011. مؤتمر الحوار الوطنى الذى عقد فى إطار المبادرة الخليجية فى العام 2013 حاول حل مشاكل الجنوب فى إطار الدولة الواحدة بتبنى نظام فيدرالى يقسم فيه اليمن إلى 6 أقاليم، وهو المقترح الذى انقلب عليه الحوثيون.

وما الذى أغضب الحوثيين من هذا المقترح؟

- لأنهم فصيل ضعيف، الحوثيون كانوا ممثلين برضاهم فى مؤتمر الحوار الوطنى الذى ضم نحو 500 عضو بنحو 6% فقط، وكانت بعض الأطراف المشاركة تعترض على هذه النسبة وتعتبرها «كتير عليهم».

وكيف تمكن هذا «الفصيل الضعيف» من السيطرة على البلد؟

- تمكنوا من ذلك لعدة أسباب، أولها أن لديهم قوة عسكرية اكتسبوها من حروبهم المتعددة ضد على عبدالله صالح، ثانياً زايدوا على الثورة بالرغم من أنهم فصيل شديد التخلف سياسياً، ويطالب بعودة نظام الإمامة الذى انقلبت عليه الثورة عام 1962، ونظام الإمامة يحصر السلطة فى أحفاد البطنين «الحسن والحسين»، أى إنهم نظام سلالى، والحوثيون كانوا يجاهرون أنهم ضد النظام الجمهورى قبل ثورات الربيع العربى لكنهم تبنوا شعارات الثورة بعد 2011، وعندما رفعت الحكومة أسعار المحروقات حشدوا ضد القرار، واكتسبوا تأييداً شعبياً بين «الزيود»، وثالثاً تمتعوا بدعم إيرانى منذ التسعينات، ورابعاً وهو الأهم تحالفوا مع على عبدالله صالح الذى كان ما زال يتمتع بنفوذ وغاضباً لخروجه من السلطة.

لماذا لا نرى مبادرة سلام عربية مع إيران كما بادر العرب بعرض سلام على إسرائيل؟

- رأيى أن هذه المبادرة ضرورية، إذ يجب على العرب أن يعرضوا على إيران ما عرضوه على إسرائيل، أى أعيدى الأراضى العربية (فى هذه الحالة الجزر الإماراتية)، واحترمى سيادة دول الخليج.. إلخ فى مقابل السلام ووقف الصراع الذى يستنزفنا ويستنزفهم.

إذاً لماذا لم تتم هذه المبادرة حتى الآن ولا توجد أى مؤشرات على إمكانية حدوثها؟

- لأن الطرفين، إيران من ناحية والدول الخليجية من ناحية أخرى يهيأ لكل منهما أنه يستطيع أن يطيح بالآخر ويقضى عليه وهذا مستحيل، إيران لها مشروع للهيمنة الإقليمية لا شك فى هذا، وهى دولة محتلة للجزر الإماراتية وتسعى لتغيير نظم الحكم فى الخليج تمهيداً لتغييره فى غيره، ولذلك يرى البعض أن الصراع معها لا يتم حسمه إلا بالقوة، وهذا ما أختلف معه، أنا أؤيد استخدام القوة عندما تتغول طهران عسكرياً، كما حدث فى اليمن، وأدعم «عاصفة الحزم». لكن من المهم جداً الدعوة لحوار جدى من منطلق الندية وتحقيق مصالح الطرفين، ومقومات هذا الحوار متوافرة، لأن إيران تواجه ضغوطاً ومشاكل كبيرة فى اليمن وضغوطاً دولية، ونحن لدينا مشاكل على كل الجبهات، هم أقوياء ونحن أقوياء فلماذا نصر على خيار واحد وهو المواجهة التى تستنزفنا جميعاً؟ ولدينا فى الماضى القريب أسوة حسنة، إذ كانت العلاقات الخليجية الإيرانية «زى الفل» أثناء رئاسة محمد خاتمى لإيران.

كان لأمين عام الجامعة العربية الأسبق عمرو موسى مبادرة لتحسين العلاقات مع دول الجوار ومنها إيران، لماذا لم تنجح؟

- عورضت هذه المبادرة معارضة شديدة حتى قُتلت، لأن منطق الحوار وقتها لم يكن مقنعاً لصناع القرار العرب، وأنا أعرف أن الحوار مع إيران ليس سهلاً لأن هناك فرقاً بين حوار مع صديق وحوار مع دولة يتناقض مشروعها مع مصالحك ولديها نوايا للهيمنة عليك، وأدرك أنه لو تركت إيران دون كابح، لهيمنت على دول الخليج والمنطقة العربية، لكننا لسنا نكرة، إذا كنا وصلنا لسلام مع إسرائيل فلماذا لا نصل لسلام مع إيران؟

على ذكر إسرائيل والسلام معها، ماذا تتوقع من صفقة القرن التى أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستكشف عنها فى يونيو المقبل؟

- علينا أن ننتظر فى الفترة المقبلة كل ما لم نكن نتخيله قبل عامين أو ثلاثة، وعلينا أن نتوقع ضم المستوطنات فى الضفة الغربية، وألا ننتظر أى تسوية سلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأتمنى ألا يحدث مزيد من التطبيع العربى بلا مقابل، ولست أتفق مع من يرى أن العرب قصروا فى مد أياديهم لإسرائيل، لأن واقع الأمر أن العرب يحاولون التصالح مع إسرائيل منذ العام 1967 بداية من قبول عبدالناصر بالقرار 242 فى نوفمبر 1967 ومروراً بمبادرة السادات وما نجم عنها من معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل ثم اتفاقية أوسلو ثم معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن فى 1994 ثم مبادرة السلام العربية فى 2002، لكن الشىء الذى يجب أن نعترف به هو أن إسرائيل لديها أهداف لا تريد أن تحيد عنها، ومن هذه الأهداف السيطرة على أراضى فلسطين التاريخية وفرض الهيمنة على الدول العربية.


مواضيع متعلقة