مرضى مستشفى الدمرداش: نعانى من آلام حادة ومزمنة.. وشعرة تفصلنا بين الموت والراحة

مرضى مستشفى الدمرداش: نعانى من آلام حادة ومزمنة.. وشعرة تفصلنا بين الموت والراحة
- علاج الألم
- مرضى الاكتئاب
- مرضى السرطان
- المرضى
- مستشفى الدمرداش
- علاج الألم
- مرضى الاكتئاب
- مرضى السرطان
- المرضى
- مستشفى الدمرداش
آهات متصاعدة من أجساد أنهكها المرض راحت تبحث عن سبيل يُسكّن آلامها. على بوابة مستشفى الدمرداش سمعوا عن عيادة للألم. كان الأمر غريباً عليهم، فما الذى يميز طبيب الألم عن أطباء العيادات المختلفة التى طرقوا أبوابها على أمل الشفاء، لكن حاجتهم للعلاج هزمت دهشتهم، فأكملوا طريقهم للوصول إلى العيادة المنشودة.
طريق طويل ينتهى بممر ضيق تعلوه لافتة العيادات الخارجية. أجساد متلاحمة تتسابق للتداوى، مرضى فى الطرقات وعلى المقاعد الرخامية، وآخرون يُحملون على «ترولى» وكراسى متحركة، ما يجعلك تحتاج للتدقيق فى لافتات العيادات المنتشرة على الجانبين للوصول إلى عيادة الألم.
قسم الرمد يأتى أولاً على اليسار، ثم العظام، ومنه إلى الجلدية والباطنة والسكر وغيرها، وقبل أن ينتهى الممر تلمح لافتة عيادة الألم، وأمامها مرضى متحمسون لمقابلة الطبيب، وكأن أوجاعهم ستنتهى على عتبة العيادة.
رحلة طويلة من المرض عاشتها سهير محمد، ظنت أنها ستنتهى فى الرابع من نوفمبر سنة ٢٠١٥، بدخولها غرفة العمليات لاستئصال ثديها الأيسر، ومن بعده كانت حريصة على المتابعة مع طبيبها المختص لاستكمال مراحل الشفاء، ومنذ فترة قصيرة هاجمتها آلام شديدة فى ذراعها اليسرى، فشلت كل العقاقير فى تهدئته، فنصحتها طبيبة الأورام بعرض نفسها على عيادة الألم علها تكون محطتها الأخيرة للشفاء.
{long_qoute_1}
«وجع وتنميل يا ابنى مابيهداش. طول الليل صاحية. لو نمت ١٠ دقايق يبقى كويس»، تقولها «سهير» للطبيب الموجود فى العيادة، ثم تفتح «كيس بلاستيك» مليئاً بعلب الأدوية الفارغة، لتعرضها على الطبيب وتشرح له محاولاتها الفاشلة لتسكين الألم. رغم تخطيها الـ٦٠ عاماً، تأتى بمفردها للمستشفى، الذى يبعد عن سكنها فى ميدان الجيش بأربع محطات، تركب الأوتوبيس وتلوم على الظروف التى جعلتها لا تحتكم على ٢٠ جنيهاً أجرة تاكسى يرحمها من مشقة الطريق: «هجيب فلوس للمواصلات منين. ده أنا تقريباً بقيت ساكنة فى المستشفى، كل يوم آجى ودكتور يبعتنى للتانى».
لدى «سهير» ابنان، أحدهما يقضى فترة التجنيد، والآخر يعمل ليلاً وينام نهاراً، وزوج طريح الفراش، وليس أمامها سوى أن تعتمد على نفسها فى رحلة علاجها الطويلة، فبعد الجراحة خضعت لـ٦ جلسات كيماوى و١٥ جلسة إشعاع، وتأمل أن تنتهى آلام ذراعها عن قريب، بالالتزام بروشتة العلاج التى كتبها الطبيب على أن تعاود زيارة العيادة والعرض عليه بعد 10 أيام.
كانت تنتظر بالخارج على أحر من الجمر، فآلامها تفضحها وذهنها يشرد مع ابنتها النائمة فى المنزل وحدها، وقواها العقلية قد تدفعها لإيذاء نفسها فى أى وقت. «وجع فى الجنب اليمين من دراعى لرجلى، ونشر فى جسمى لو بنتى سندت عليا أصرخ»، كلمات كريمة محمد، للطبيب الذى طلب منها أن تجلس وتهدأ لفحصها.
جسد هزيل لا يوحى مطلقاً بأن «كريمة» أتمت الـ50 عاماً، عانت من ورم فى الثدى انتهى باستئصاله والخضوع لجلسات كيماوى، وتوهمت وقتها أن معاناتها ستنتهى وستتفرغ لتربية ابنتها المصابة بمتلازمة «داون»، لكن الألم ظل يلاحقها وينتقل من منطقة لأخرى فى جسدها: «عاوزة أى دوا ماينيمنيش. أنا لوحدى ومفيش حد يرعى بنتى آلاء». نصحها بعض المقربين، وسمح لها أطباء بتعاطى الترامادول، لكنها فزعت من الاسم ورفضت: «آخرتها هعمل زى المدمنين.. هيبقى مرض وإدمان كمان». {left_qoute_1}
كانت «كريمة» تعمل فى مصنع ملابس وأحوالها المادية جيدة، قبل أن تكتشف مرضها الذى أقعدها فى البيت، لتعيش ظروفاً خاصة: «انفصلت عن جوزى من 11 سنة، وأربى بنتى لوحدى بمعاش المعاقين 320 جنيه، وياريته دام، وقفوه مش عارفة ليه». نجح طبيب الألم فى تهدئتها ونصحها بتناول فيتامين «د» وكالسيوم، لأنها تعانى من نقص شديد منه أدى لألم عظامها، إلى جانب المسكن الضرورى لحالتها الصحية.
«وجع رهيب يا دكتور. وطيت أربط الكوتشى ماعرفش حصل ليه، مش مستحملة الوجع وجيت المستشفى بالعافية. أنا مريضة فقرات وكنت عاملة عملية، أى مسكن يا دكتور يريحنى شوية»، قالتها «سناء» بمجرد أن دخلت من باب العيادة فجأة ودون حمل تذكرة أو انتظار دورها. خيبة أمل بدت على وجهها، بمجرد أن نصحها الطبيب بزيارة عيادة المخ والأعصاب، والخضوع لأشعة رنين مغناطيسى: «العيادة هنا بتعالج الآلام المزمنة، وده ألم مؤقت واضح إنه حصلك بحركة مفاجئة عملتيها من غير قصد، أثرت على الفقرات اللى بتعانى منها. خدى حقنة مسكن، واعملى الأشعة عشان تعرفى السبب المباشر للألم».
غادرت «سناء» العيادة، ودخلت مريضة أخرى تخطت الـ70 عاماً تتكئ على أختها التى تصغرها بسنوات، وتعمل ضمن طاقم تمريض عيادة القلب فى المستشفى نفسه، وهى من نصحت أختها بالتوجه إلى عيادة الألم، وتولت شرح الحالة للطبيب: «هى عندها مشكلة فى أكتر من دِسك. والدكاترة قالوا تعمل عملية، لكن خفنا العضم ياخد وقت طويل عشان يلتئم بحكم السن، وعايشين على المسكنات».
سأل الطبيب نعيمة عبدالجواد عن مظاهر الآلام التى تهاجمها، فأجابت بأسى وصوت خافت: «حرقان وتنميل فى ضهرى ووسطى ولا نافع حاجة معاه»، ليقرر الطبيب على الفور إخضاعها لنوع متقدم من العلاج بجلسة حَقن ومسكنات أكثر مفعولاً، حيث تتسبب مشاكل الفقرات فى الضغط على الحبل الشوكى، الذى يصل للأعصاب وينقل الإحساس بالألم.
يشرح الدكتور مصطفى محمود، طبيب مقيم تخدير وعناية مركزة وعلاج الألم، طبيعة عمل العيادة: «يُعرض علينا أصحاب الآلام المزمنة وغالباً يكونون من مرضى الأورام السرطانية والفقرات، وبنطبق عليهم كورس علاجى له مراحل متصاعدة حسب طبيعة الحالة. مرضى الفقرات على سبيل المثال نبدأ معاهم بمسكنات بسيطة لمدة أسبوعين، وفى حال استمرار الألم نطبق برنامج علاجى أقوى يعتمد على مشتقات المورفين، ويُصرف من المستشفى بروشتة عليها ختم النسر».
برنامج علاجى مختلف يتبعه طبيب الآلام مع مرضى الأورام: «نبدأ بمستوى أعلى من المسكنات، لأن آلامهم أشد، وغالباً بيكونوا جربوا من تلقاء أنفسهم معظم المسكنات المتاحة فى الصيدليات. برشح لهم لاصقة توضع على مناطق الألم لمدة 72 ساعة لو الورم لا يزال فى مراحله البسيطة، ليمتص الجلد الدواء، بدلاً من تناول أقراص تؤلم المعدة».
أصحاب الآلام المبرحة من مرضى الأورام، خاصة الشباب، يخضعون لجلسة حقن مخصص لها يوم الثلاثاء من كل أسبوع، تُجرى فى غرفة عمليات بعد أخذ المريض «بنج موضعى»، وتتميز بأن مفعولها طويل الأمد، ويوقف نشاط العصب ويمنعه من إرسال رسالة بوجود ألم، بحسب «مصطفى».
التوعية بطبيعة تخصص علاج الألم حاجة ملحة فى الوقت الحالى، وفقاً لـ«مصطفى»: «كل الناس بيعانوا من ألم ما، ولو المرضى مش فاهمين نوعية الآلام اللى بنعالجها كل المستشفى هتزور العيادة، وللأسف فيه أطباء مش فاهمين كمان طبيعة التخصص، وبيحولولى مرضى بالغلط، وبالتالى فالتخصص يحتاج لتسليط الضوء عليه».