"الوطن" تعايش أطفال حلايب وشلاتين في فعاليات "أسبوع الدمج الثقافي"

كتب: نهال سليمان

"الوطن" تعايش أطفال حلايب وشلاتين في فعاليات "أسبوع الدمج الثقافي"

"الوطن" تعايش أطفال حلايب وشلاتين في فعاليات "أسبوع الدمج الثقافي"

"ازيكم كيفكم، أنا لي زمان ما شوفتكم.. ازيكم أنا ما غريب، أنا منكم" بكلمات مصرية جنوبية يشدو بها صغار جنوبيين، أملًا أن تكون تلك الأغنية التي انتشرت منذ أكثر من نصف قرن بصوت الفنان السوداني سيد خليفة أثناء زيارته للقاهرة، سببا في كسر حاجز كونه غريب في بلاد ليست غريبة عن خليفة ولا عن الجنوبيين المصريين بالطبع.

تتحرك عربة يملؤها مرحا وبهجة أكثر من 30 طفلا من أبناء قصور ثقافة حلايب وشلاتين وأبو رماد، من وسط القاهرة من فندق "إنديانا"، إلى نادي المهندسين بالسادس من أكتوبر في اليوم الثاني لفعاليات تهدف إلى مزيد من الدمج في رحلة بدأت، 29 سبتمبر الماضي، لتستمر حتى 6 أكتوبر الجاري في جولة بمعالم القاهرة الأثرية والترفيهية.

تجولت "الوطن" مع المشاركين في أول تجربة للهيئة في استضافة مواهب من جنوب شرق مصر في العاصمة.

وما بين الزيارة الأولى والثانية لأهرامات الجيزة تحكي عبير وهاجر، طلاب المرحلة الإعدادية بشلاتين، عن أهرامات أجدادهم "شكلها تاخد العقل" و"جامع عمرو بن العاص كله جميل ومختلف"، ويتفقان في أن مثلث الجنوب (حلايب وشلاتين وأبو رماد) تحولت في الفترة الأخيرة من منطقة جبلية إلى منطقة مليئة بالعمارات ومتطورة بمدارس مُجهزة بالكثير من وسائل التعليم والترفيه.

تقول هاجر: "في المدرسة عاملين لنا كل حاجة زي مدارس القاهرة، وشايلينا فوق عينيهم"، ما جعل كثير من زائري المنطقة يسعون للإقامة بها لتصبح مأهولة بالسكان، ولكنها تحافظ على هدوئها وسكونها الذي طالما عشقوه.

الغناء والرسم موهبتان تميزت بهما طالبتا شلاتين، ما جعل قصر ثقافة مدينتهم يسعى لضمهم لـ"أسبوع الدمج الثقافي" الذي ترعاه الهيئة العامة لقصور الثقافة، وما جعل هاجر توافق على المشاركة في فعاليات بالقاهرة التي تبعد عن مسقط رأسها ما يزيد عن 1000 كم، هو تعرفها على ناس جديدة ومعلومات وحاجة تخص تطوير دماغنا كدة".

سلمى أحمد، فتاة قاهرية تبلغ من العمر 11 عامًا، تقضي بعض الأيام مع رحالة الجنوب، لتعرف أن حلايب وشلاتين وأبو رماد هي مناطق مصرية يسكنها أناسٌ طيبون ويعمها الهدوء، وتصف ما عايشته "ضحكنا ولعبنا وعرفت مكان جديد وأغاني ماكنتش أعرفها، وزي ما هما اتعلموا أغانينا أنا عايزة اتعلم كل حاجة يعرفوها وأغانيهم، علشان بقوا صحابي وطيبين".

صبي نحيل ذو وجهٌ سِمته الأساسية الشجون، وصوتٌ حاز شعبية ليس فقط بين أبناء الجنوب القادمين معه ولكن أيضا بين القائمين على الفعاليات والأطفال المشاركين من القاهرة، عثمان الطالب بالصف الأول الإعدادي، الذي يحب الرسم وشارك في رحلة القاهرة هذه "من أجل كرة القدم التي يعشقها، حتى أنه كان ينتظر فعالية زيارة النادي ليتخذ من الكرة صديق الرحلة".

في ورشة الرسم بالطباعة والرسم بالبصمة، انهمك أحمد عماد الذي يتخذ من التمثيل المسرحي بقصر ثقافة شلاتين هواية، ويطمح أن يلتحق بمهنة التمريض يومًا ما، كي يُخرج في نهاية الورشة لوحة فنية لسمكة كرتونية يحبها، أصبح هدفه بعد رحلة الأسبوع أن يطبق ما وجده من احترافية مُخرج مسرح ثقافة الطفل بجاردن سيتي، ويروي: "اتفرجنا على عرض ليه معنى، وكان فيه جملة في المسرحية مش هنساها بتقول عِشت عمرًا طويلا يكفي لكي يتعلم المرء".

"عندما كنت طفلًا صغيرًا في الصف الرابع الابتدائي، جئت إلى القاهرة في رحلة مدرسية وكانت بالمصادفة في وقت حدوث الزلزال عام 1992، ولا يزال المشهد محفورًا بالذاكرة"، ذكر ذلك عوض الله قرار، مشرف الرحلة من شلاتين، مؤكدٍا على أهمية تلك الرحلات التي عادت وزارة الثقافة إلى تفعيلها حيث تعمل على تكوين إدراك طفل قادرعلى حفظ تاريخه، والانتماء إليه في مثل هذا السن الصغير، كما يراه مواكبة وتطبيق عملي لما يقوم الطالب بدراسته.

رحلة الأسبوع أثمرت عن معارف جديدة لمشرف رحلة شلاتين ومدرب الفنون الشعبية، فيسعى من خلالها إلى عمل فرقة فنون شعبية في مسرح شلاتين، حيث يستطيع الآن تبادل الخبرات من خلال التواصل مع مخرجين قصر ثقافة الطفل بالقاهرة، متغلبًا بذلك على عوامل البُعد الجغرافي حيث لا يستطيع القدوم أو استقدام فرصة للتدريب.

يرى ضياء عبدالرازق، مدير قصر ثقافة شلاتين، أن الفعالية تسعى لدمج أطفال حلايب وشلاتين وأبو رماد، وأن هذا ما يظهر على وجوه الأطفال منذ بدأنا الأنشطة في القاهرة.

وأضاف عبدالرازق أنه عندما تنتهي تلك التجربة سيكون الأطفال بمثابة بوق ينشر ما تلقاه من معارف وتجارب وسط أقرانهم، حتى تتآلف الثقافات، آملًا أن تكون الخطوة القادمة هي استضافة أبناء القاهرة لديهم والتعرف على مناطق متفردة بالمثلث الجنوبي مثل المحمية الطبيعية وأكبر سوق جمال والفنون الشعبية.

وطالب بتعميم التجربة بين أبناء مختلف المناطق الحدودية وبعضها، أي بين شمال سيناء والوادي الجديد ومرسى مطروح والنوبة وحلايب وشلاتين.

التآلف بين قاهريين وأبناء حلايب وشلاتين حتى يشعرون بأنهم عاصروا وشاهدوا وتعلموا ما يحدث خارج محل إقامتهم، وتشجيع الجوانب الاجتماعية لدى الأطفال حيث بعد قضاء 4 أيام أصبح الأطفال أكثر انفتاحًا على التعامل مع العالم الخارجي، هي أمور تنجح الفعاليات في تحقيقها وفقًا لجيهان العقدة، إعلامية بالإدارة العامة لثقافة الطفل، فبعد أن كان الأطفال يرفضون التحدث مع المشرفين القاهريين أو حتى التقاط الصور التذكارية، تغير الأمر إلى مزيد من الانفتاح وتقبل الآخر وتبادل نواحي أكثر خصوصية تتعلق بالهوية.

في رحلة العودة بعد انتهاء فعاليات اليوم تعلو من داخل العربة التي تنقل الأطفال، أصوات غناء جماعي، تبدو كما لو لم يسبق تدريب الأطفال على ترديدها، فيتنقلون بين أغانٍ مختلفة يتوسطها النشيد الوطني لجمهورية مصر العربية، ويسبقه كلمات لا تقل وطنية تصدر عن الصغار، "فهمنا يعني إيه بلادي، تحية العلم ننادي، لك حبي وفؤادي، بنحبك يا مصر"، ثم يتغنى فتيات شلاتين بأغنية "مصر يا أم الدنيا يا حبيبتي يا بلدي".

كانت قد بدأت فعاليات الأسبوع الثقافي لأطفال حلايب وشلاتين وأبو رماد، منذ التاسع والعشرين من سبتمبر بحفل استقبال، ساعد في تقديمه ثلاثون طفلًا من أبناء قصر ثقافة الطفل بالقاهرة من خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة الثقافية، تضمنت الفعاليات زيارة لمجمع الأديان وجامع عمرو بن العاص ورحلة للأهرامات وأبو الهول، وصاحب كل زيارة ورشة رسم حر بالألوان من وحي المكان.

ينتهي يوم الأطفال بعرض مسرحي يشاهدونه أو عرض آخر يتدربون عليه، ليكون 6 أكتوبر هو اليوم النهائي لزيارتهم وهو يوم العرض المرتقب، لينتهي الأسبوع الثقافي على مسرح ثقافة الطفل، ويشدو خلاله الأطفال بكلمات تلهب حماستهم وتُعلي من مشاعر الانتماء، هي "قالت لي في 6 أكتوبر، واحشني النصر يا ولدي، هدرت بقوة الطوفان، عبرت المانع المائي، نسفت الساتر الرملي، أنا بنفسي".


مواضيع متعلقة