صناعة اليخوت والسفن تواجه الانهيار على شاطئ «الأنفوشى»

كتب: فاطمة محمود

صناعة اليخوت والسفن تواجه الانهيار على شاطئ «الأنفوشى»

صناعة اليخوت والسفن تواجه الانهيار على شاطئ «الأنفوشى»

الحزن يخيم على المكان، يغلفه الهدوء على مدار اليوم، أصوات متناثرة تكسر جدار الصمت بين ساعة وأخرى، كل الشواهد تشير إلى تاريخ شاطئ الأنفوشى بالإسكندرية مع صناعة السفن الخشبية وهياكل اليخوت الفاخرة، والتى ما زالت آثارها شاخصة أمام عشرات الورش، التى أغلقت أبوابها، وبعد أن كان المكان يعج بحركة العمال ليل نهار، أصبحت الحركة فيه مقصورة على إصلاح أو صيانة أحد قوارب الصيد القديمة.

وبعد ما يقرب من 18 سنة على إغلاق الورش الخاصة بهم، لأسباب تتعلق بإجراءات التراخيص، عاد صناع السفن بمنطقة الأنفوشى ليطالبوا بفتح أبواب الرزق أمامهم مرة أخرى، والتى أغلقت عقب القرار الصادر سنة 2000 بوقف تراخيص صناعة المراكب واليخوت والسفن، بحجة ازدحام الموانئ بها، وعدم وجود أى موانئ فارغة لاستقبال أى سفن جديدة، وطرح العمال عدداً من المقترحات للخروج من هذه الأزمة، التى تسببت فى تشريدهم وأسرهم، منها فتح الباب أمامهم لتصدير منتجاتهم للخارج، خاصةً أنها تتميز بمستوى رفيع من الجودة، ما يعمل على حل جزء من الأزمة، وإنقاذ المهنة من الانقراض.

ورصدت «الوطن» غضب أصحاب ورش صناعة المراكب والسفن، والذين تدهور بهم الحال سنة تلو الأخرى، لأكثر من 18 سنة، وتشردت أسر العاملين بتلك المهنة، كما توقف حال كثير من الصيادين، ولجأ بعضهم فى الفترة الأخيرة إلى شراء رخص مراكب قديمة، سواء غارقة أو لم تعد صالحة للإبحار، كى يتمكنوا من بناء مركب جديد.

{long_qoute_1}

وعلى مقربة من باب إحدى الورش المغلقة، يوجد يخت يبدو أنه فى المراحل الأخيرة من عملية تصنيعه، التى بدأت قبل نحو 12 سنة، وبلغت تكلفته حتى الآن نحو 2 مليون جنيه، ولم يكتمل بناؤه بسبب إغلاق الورشة وتوقف الصناعة، ووفاة صاحبه، وهو أحد رجال الأعمال بمنطقة الخليج، الذى كان يحلم بامتلاك يخت، وطالب صناع السفن بإنشائه على أعلى مستوى، ولم يستكمل الورثة بناءه بسبب ارتفاع الأسعار، وتعذر نقله.

«صناعة المركب واليخت، ده فن حقيقى صاحبه يمتلك موهبة لا يملكها إلا القليل، المهنة تندثر من الإسكندرية، أنقذوها»، هكذا تحدث «صلاح مسعود»، 67 سنة، صاحب ورشة صناعة سفن بشاطئ الأنفوشى، لـ«الوطن»، عن معاناة أصحاب السفن، قائلاً: «ورش صناعة السفن لدينا تنافس فى جودتها ورش تركيا وأوروبا، والمراكب المصرية يدوية 100%، ما يضمن جودتها، ولكن تركيا تستخدم الفيبر وبعض الآلات فى صناعة السفن والمراكب».

وأضاف «عم صلاح» أن الأزمة تتمثل فى عدم معرفة العمال صناعة غيرها، مؤكداً أنه بدأ العمل بها منذ 58 سنة، وتوارثها عن جده ثم والده، وتابع قائلاً: «جئنا إلى الدنيا لنرتمى على الشاطئ، ونتعلم فن صناعة السفن، دون دراسات أكاديمية، أو دراسة تقنيات صناعة اليخوت، ولكنها مهنة بالفطرة».

وأضاف أن الارتفاع الكبير فى أسعار الخشب أدى إلى عزوف كثير من الصيادين عن صناعة أو شراء مراكب جديدة، حيث إن خشب «السويك»، وهو أجود أنواع الأخشاب المستخدمة فى صناعة السفن والقوارب، قفز سعره من 3500 جنيه إلى أكثر من 7200 جنيه للمتر، أى بنسبة تزيد على الضعف، دون تدخل من أجهزة الدولة لضبط الأسعار والسيطرة على الأسواق.

ولفت «مسعود» إلى أن العمال كانوا يعتمدون على تصنيع السفن السياحية، ثم يدفعون بها إلى شرم الشيخ والغردقة، إلا أن أزمة السياحة التى ضربت تلك المدن، تسببت فى وقف حال الجميع، خاصةً بعد وقف تراخيص مراكب الصيد، وتابع أن التراخيص المتاحة فقط حالياً تكون فقط لمراكب «النزهة»، التى تشكل عبئاً على أصحابها، لما يتحملونه من دفع رسوم إضافية، وصفها بأنها «خراب بيوت»، نظراً لأن هذا النوع من المراكب يكبد صاحبها دفع رسوم إضافية فى كل مرة يخرج أو يدخل فيها من وإلى الميناء.

وعن طبيعة مهنة صناعة اليخوت والسفن الخشبية، قال «إبراهيم ألماظ»، 70 سنة، نقاش مراكب، إنه يعمل بهذه المهنة منذ 60 سنة، مؤكداً أنها لم تواجه انهياراً لهذه الدرجة كما هو حالها حالياً، وأوضح أن منطقة ورش الأنفوشى كانت أكثر مكان يجمع عمال، ما بين نجارين ونقاشين وأوسترجية وكهربائية وغيرهم من المهن التى تخدم صناعة السفن والمراكب، وأضاف أنه يعمل فقط حالياً على إصلاح السفن المتهالكة، بعد وقف التراخيص، وأنه منذ أكثر من شهرين لم يدخل له غير مركب واحدة ليرممها، بعد أن كان يواصل الليل بالنهار للانتهاء من صناعة المركب تلو الأخرى، واختتم بقوله: «زمان سكان العمارات المجاورة لمنطقة الورش كانوا يطلبون النجدة بسبب الإزعاج نتيجة زيادة الشغل، وأصوات دق المراكب، أما الآن فأصبحت المنطقة مهجورة بلا صوت أو رائحة.


مواضيع متعلقة