بريد الوطن| كرسى هزاز ونافذة على الغربة

كتب: بريد الوطن

بريد الوطن| كرسى هزاز ونافذة على الغربة

بريد الوطن| كرسى هزاز ونافذة على الغربة

نظرت باتجاه النافذة وأنا جالس على كرسى هزاز داخل غرفتى، أراقب شعاع الشمس يتسلل ببطء من خلال النافذة إلى نواحى الغرفة يكشف عن سحر خاص، أغمضت عينىّ واستسلمت إليه.

هنا لا شىء يتغير تقريباً، الأيام الأخيرة تمضى كالوباء تنثر الجراح، مضت خمسة وعشرون عاماً، عمر آخر، قطعته خروجاً عن الذات، غربة دفعت لأجلها ثمناً غالياً من عمرى، أيام أخيرة تمتص ما تبقى من رحيق الحياة، ضائع بين كلمتين: «غربة ووطن»، فى الغربة سر لا يعرفه العابرون فى فوضى اشتهائها، سرٌ وحيد، لنعرفه علينا أن نتعلم فنون الغربة المجنونة، لقد سئمت كطائر حزين.

عبرت بذاكرتى خمسة وعشرين عاماً إلى هذا اليوم البعيد وتذكرت: كانت الساعة تشير إلى الخامسة عصراً.. فقد حان الموعد للذهاب إلى المطار، كانت طوال اليوم تزعجنى بعض الأفكار التى أتخيلها عن السفر والغربة، لملمت أغراضى داخل حقيبة، وأصبحت جاهزاً للسفر، ابتسم أبى ولكن ابتسامته كانت خافتة، وعيناه حزينتان، وظهر على أمى الانفعال والضيق، كانت الشمس قد قاربت على الرحيل ناثرة وراءها لون الشفق المحمر، وبعض السحب المعلقة بالسماء، والجو هادئ وجميل، نسمة هواء خفيفة تنتقل عبر نافذة السيارة، وسلكت طريقى إلى ساحة الوداع واللقاء، إلى المطار، جلست أنتظر النداء الأخير للمسافر على متن الطائرة.

غريب أمر هذه الحياة، وأملها القاسى، فنحن نصدق كل أحلامنا وأوهامنا فى الغربة، ونثق بما هو مبهم وغير واضح، رغم أن الحقيقة الوحيدة أننا نعانى فراق الأهل والوطن، أنا مؤمن أن الفصول الأربعة، ستظل دوماً أربعة، وبأن شمساً واحدة، وبأن قمراً واحداً، لكننى حين اغتربت عن وطنى اكتشفت، أن كل الأمور تغيرت، فأضفت قمراً غريباً، وأضفت فصلاً خامساً، وهو فصل للغربة. ما أصعبه.

                                                         عمرو أبوالعطا

 

يتشرف باب "نبض الشارع" باستقبال مشاركاتكم المتميزة للنشر، دون أي محاذير رقابية أو سياسية، آملين أن يجد فيه كل صاحب رأي أو موهبة متنفساً له تحمل صوته للملايين.. "الوطن" تتلقى مقالاتكم ومشاركاتكم على عنوان البريد التالي

bareed.elwatan@elwatannews.com


مواضيع متعلقة