سبوبة الـ60 يوماً.. العرض «كثير» والطلب «قليل» بسبب جشع تجار التجزئة

سبوبة الـ60 يوماً.. العرض «كثير» والطلب «قليل» بسبب جشع تجار التجزئة
- التين الشوكى
- المتاجر الكبيرة
- تجار التجزئة
- علاء السيد
- عمليات البيع
- مرة أخرى
- نى يو
- ورقة وقلم
- أبوزعبل
- أبيض
- التين الشوكى
- المتاجر الكبيرة
- تجار التجزئة
- علاء السيد
- عمليات البيع
- مرة أخرى
- نى يو
- ورقة وقلم
- أبوزعبل
- أبيض
على مساحة 20 فداناً بأبوزعبل، وبين شجر التين، جلس ناصر السيد مراد يتابع ما طاب منها، موجهاً «الأنفار» الذين معه إلى قطف ما احمر لونها أو اصفر، ثم يجلس بعد رحلة من المشى داخل الأفدنة لمتابعة العمل فى قطفها، معداً أكواب الشاى له ولـ6 أفراد هم الذين يتولون قطف الثمار يومياً ووضعها داخل «العداية».
{long_qoute_1}
يعد ناصر سليل عائلة اشتهرت فى أبوزعبل بزراعة التين الشوكى لسنوات، وكانت من أوائل العائلات التى نظمت تجارته، مسترجعاً ذكرياته مع التين الشوكى منذ طفولته حتى صار «معلم» بلغة أهل كاره، متذكراً وقتما كان والده يعلمه زراعة التين والاهتمام به: «عشان نزرع تين بنجيب أضلاع فيها ألواح، ونغرسها فى الرملة ونسقيها ونسيبها، وهيا هتطلع لوحديها» قالها وهو يمسك ساق النبتة التى تشعبت إلى أوراق كبيرة سميكة مُلئت بالشوك تدعى «ألواح»، موضحاً أنها فى الأغلب تهدى مجاناً من قبل أصحاب الأراضى الكبيرة، الذين على وشك خلع النبتة من الأرض لزرع ثمرة أخرى مكانها، وفى تلك الحالة يبادر إليها راغبو زراعة التين ونقلها إلى أراضيهم، لكن إذا لم يجد أحدهم من يخلع النبتة من الأرض، فإنه يشترى من صاحب إحدى المزارع «أضلعاً» يملأ بها عربة نقل كبيرة مقابل 1000 جنيه، وهو رقم بخس بالنسبة إلى المزارعين الذين يحصلون على التقاوى للأرض بمبالغ أكثر من ذلك: «حمولة عربية النقل كبيرة جداً، والأضلع دى بتبقى زى التقاوى بالظبط فى فكرة إن الشجرة هتطلع منها وتكبر، وبالمبلغ ده هى رخيصة».
{long_qoute_2}
سنتان فى الأرض تنبت الشجرة فاكهة قليلة لا يعتد بها، لكنها فى العام الثالث تخرج الكم الذى يبدأ المزارع فى بيعه، وفى العام الرابع تطرح الشجرة ضعف ما طرحته فى العام الثالث وتستمر فى الزيادة إلى حد معين لا تتجاوزه، ولا تحتاج الأرض إلى ماء كثير، فهى تسقى 8 مرات فقط فى السنة كلها، وبكميات قليلة: «ودى ميزة كبيرة جداً، لإن فيه فواكه تانية بتحتاج ميه كتيرة وبنعانى، لكن التين ميته قليلة ومحتاج 8 مرات بس طول السنة»، يحكى ناصر، وقد امتلأ وجهه بالعرق ماسحاً عرقه بفوطة من القطن يضعها بعربته، مشيراً إلى أنه لا يحتاج رش الأرض بالمبيدات لكنه يضع لها الكيماويات اللازمة والأملاح المطلوبة: «التين صعب فى شوكه لكنه مش مكلف قوى فى زرعه، بس عشان نخدم عليه بالميه والكيماوى بنتعب شوية عشان مبنلاقيش فى الجمعيات».
6 «أنفار» يعملون يومياً فى الأرض مع ناصر، ولأنه استأجر 20 فداناً بقيمة 365 ألف جنيه فى السنة، فإن المساحة الكبيرة تحتاج إلى مثل هذا العدد من الأنفار، الذى إن بدا بسيطاً إلا أنه كبير بالنسبة إلى الأراضى حوله: «كل شخص بيطلع 50 عداية يومياً، يعنى أنا أرضى بشكل يومى بتطلع 300 عداية» ممسكاً قفصاً من الجريد، موضحاً أن سعته 120 ثمرة تين، شارحاً الطريقة التى يتم بها القطف اليومى، قائلاً: «التين من الفواكه المحملة، يعنى بيقعد على الشجر من غير ما يقع حتى لو استوى، عكس المانجو والعنب والتفاح مثلاً» ثم يضيف الأربعينى، بعدما قطع «لوحاً» من الشجرة الصغيرة أمامه: «التين بيتاخد على تلات وشوش، يعنى اللى بيقطف بيمشى بالترتيب من الفدان الأول لحد الـ20 وياخد اللى استوى، وبعد فترة بيكون خلص الـ20 فدان ويرجع يقطف من تانى وتالت» مشيراً إلى أن موسمه يستمر من 50 إلى 70 يوماً.
4 جنيهات هى قيمة ما يحصل عليه علاء السيد من قطف تين يكفى قفصاً واحداً، ويملأ يومياً 50 قفصاً، ومن ثم يحصل على 200 جنيه كل صباح، مشيراً إلى أن المبلغ جيد رغم العناء الذى يواجهه من العمل مبكراً حتى امتلاء جسده بالشوك: «القطف بيبدأ من 4 الفجر لحد 7 الصبح، عشان الشوك بيبقى أسوأ فى الظهيرة، وفى كل الأحوال بنتملى شوك» يشير الشاب الثلاثينى إلى الشوك على ذراعيه واحمرار بعض المناطق، منوهاً إلى أنها أصبحت لا تضايقه بعدما اعتاد عليها: «خلاص الواحد خد على الشوك ولا الجوانتى بيحوشها ولا الاستحمام ميت مرة بعد ما نقطف بيفرق فى حاجة» قالها مبتسماً، مشيراً إلى القفاز الأصفر الذى خلعه لتهوية يديه قائلاً: «مهمتى بتنتهى عند القطف وملء 50 قفص وآخد تمنهم وأروح، وتانى يوم أرجع لحد ما نخلص على التين».
تبدأ مرحلة أخرى بعد ملء «العدايات»، برفعها على العربات ونقلها إلى «الشنيش»، وهو مكان مخصص لتجميع الفاكهة وبيعها لتجار التجزئة، ويتولى صاحب «الشنيش» مهمة توزيع التين على التجار، لكنه قبل تلك المرحلة يتفق على سعر التين، ولكل يوم سعر مختلف عن سابقه: «أنا باخد التين مثلاً بـ60 جنيه للعداية النهارده، وببيعها بنفس السعر ده لتاجر كبير، وباخد نسبة 10% من نسبة البيع، يعنى أنا فى الآخر وسيط بين الفلاح صاحب الأرض والتاجر»، قالها محمد الأبيض، الذى يعمل فى «شنيش» لبيع التين، موضحاً أن هناك اختلافاً بين التين الشوكى وغيره من الفاكهة: «التين الشوكى لو خدته من صاحب الأرض واتفقت معاه على إنى هبيعهوله مقابل 60 جنيه للقفص فأنا ملزم أجيبله فلوسه دى حتى لو الزرعة رخصت تانى يوم وبقت بـ50 وهدفع أنا الفرق من جيبى، لكن لو مانجو مثلاً لو رخصت بكرة هديله سعر الرخيص، وده عُرف بينا»، مشيراً إلى أن التين إذا لم يبع فى يومين يفسد ويلقى فى القمامة: «هو يستحمل على الشجرة ويعد كتير، لكن لما يتقطف فآخره يومين ويترمى».
للتين أنواع كثيرة تختلف باختلاف الأماكن المزروع فيها، فهناك التين السيناوى والسويسى والإسماعيلى والبحراوى، لكن الأفضل بحسب الأبيض ما يخرج من أرض أبوزعبل والخانكة: «هنا الأرض بتشرب مية حلوة، هناك بتشرب مالح لكن بتاع البحيرة زينا بيشرب مية حلوة، والألوان سواء حمراء أو صفراء أو خضراء مبتفرقش كتير فى الطعم» ممسكاً بيده ثلاث ثمرات بعدما فتحها، قائلاً: «كل ما كان سُمك القشرة أكبر كل ما كانت أطعم، بس إحنا بنشترى هنا اللى بيجيلنا من أى حتة، عشان الزباين كتير». زبائن كثر بعضهم تجار كبار، وآخرون قدموا فرادى لشراء قفص واحد أو اثنين، يقف أحدهم بعربته الخاصة سائلاً عن سعر القفص اليوم، ثم يقرر أخذ واحد: «معروف إن التين أصله أبوزعبل، وكل أسبوع باجى آخد قفص ليّا وللعيال عشان بيحبوه» قالها عبدالرحمن سيد، أحد سكان فيصل، الذى قطع المسافة لشراء التين من أبوزعبل: «هنا أرخص وطازة» قالها بينما وقف إلى جواره سعد الأشول، أحد كبار التجار منادياً العمال بوضع 50 قفصاً على عربته الخاصة لتوزيعها على صغار السريحة: «أنا كل يوم الصبح باجى آخد من هنا التين وأروح أوزعه على التجار الصغيرين، وببيعه ليهم على 70 دلوقتى، لكن أول ما نزل كان بـ120 وهما بيلفوا بيه وفى آخر اليوم بيحاسبونى، وكل يوم على الحال ده، ولما التين بيخلص برجع تانى للفاكهة زى المانجو والعنب».
فى يوليو وأغسطس 2016 كانت ثمرات التين المطروحة أقل بكثير من مثيلاتها فى 2017، فى ذلك التوقيت كان الطلب على التين أكثر من المعروض منه، ما كان له سبب مباشر فى رفع سعر القفص الواحد إلى 130 جنيهاً فى بدء القطف، لكنه بدأ فى التراجع حتى وصل إلى 70 فى آخر الموسم، وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى العاملين فى التين، لكن 2017 جاءت مخالفة للسنة السابقة، إذ إن الطرح كثير، لكن الطلب كان أقل من المتوقع، وهو ما يعزيه كبار التجار إلى تصرفات بائعى التجزئة، الذين يبيعون الثمرة الواحدة بـ150 قرشاً وأحيانا بجنيهين. «يعنى ربنا كرمنا ورزقنا بطرح كتير السنة دى، فبدل ما نرخص على الناس نقوم نغلى عليهم»، بهذه الكلمات عبر شوقى الشعراوى عن غضبه، مشيراً بيده إلى الأقفاص التى وضعت حوله، موضحاً أن سعر القفص يبدأ من 50 وصولاً إلى 65 لأفضل نوع وأجوده، والتجار الذين يشترون منه يبيعونه للسريحة بـ65 و75 لضمان مكسب جيد فى القفص الواحد، لكن السريحة يبيعون الثمرة الواحدة بـ200 قرش وأحياناً بـ150، وهو ما يعنى بيع القفص بمتوسط 120 ثمرة بـ240 جنيهاً: «لما الناس فى الشارع بتلاقيه غالى بتنصرف عن شرائه، وبالتالى التاجر بييجى ياخد أقل كمية منى، ويتبقى عندى أنا بضاعة وتروح عليّا» قالها الرجل وهو يمسك ورقة وقلماً يدون بها عمليات البيع فى ذلك الصباح، مضيفاً: «السنة اللى فاتت ماكانش فيه تيناية واحدة بتتبقى دلوقتى يومياً عندى أقفاص ممكن تبات، ولو السريح باع بتمن حلو الناس هتشترى أكتر» لكنه يعزى ارتفاع السعر لدى السريحة برغبتهم فى أخذ أكبر مكسب خلال الـ60 يوماً، ولأن الموسم قصير جداً فهم يحاولون الاستفادة منه بأقصى درجة، مشيراً إلى أن بعضهم يتحمل تكلفة نقل التين وهى التكلفة التى زادت مع البنزين مؤخراً، والبعض الآخر يدفع ثمن وقوفه بعربته الصغيرة: «لو باع الواحدة بجنيه أو الـ6 بـ5 جنيه، هيكسب كويس وهيضمن بيع أكتر». يباع القفص الواحد فى بداية الموسم بـ120 جنيهاً، ثم يستمر فى التراجع بشكل كبير، حتى وصل الآن إلى 55 جنيهاً، ومع انتهاء الموسم فإن سعره قد يصل إلى 40، بحسب محمود محمد، أحد أصحاب المتاجر الكبيرة لبيع الفاكهة، موضحاً أن كبار الموزعين يعودون أحياناً بالأقفاص لقلة المبيع فى الشوارع: «الناس السريحة تراعى ربنا شوية، وزيادة البنزين سبب فى زيادته بس مش بالشكل ده»، لكن علاء إدريس يعزى تلك الزيادة إلى الظروف التى يمر بها ضمن غيره من كثير من المواطنين: «لو محققتش مكسب كويس فى الموسم يبقى ضاع عليّا، وكل حاجة بتزيد حوليّا وأنا برضه مواطن وليّا حاجات بشتريها وبلاقيها زايدة عليّا وبالتالى بزود»، قالها الشاب الذى يبيع التين بالدقى، مضيفاً: «السريح بيلف ويتعب وساعات عربيته بتتاخد وبضاعته كلها تروح، يبقى لينا حق نزود السعر شوية»، مؤكداً أنه سيبيع التين فى آخر الموسم بأقل من نصف السعر الذى بدأ به البيع: «كنت ببيع بـ250 قرش الواحدة، دلوقتى بـ200 قرش وكلها كام يوم وهتبقى بجنيه واحد التيناية».