حكماء صهيون

مسلسل فارس بلا جواد واحد من أهم المسلسلات التى أنتجها التليفزيون المصرى، الموضوع الأبرز الذى ناقشه المسلسل ارتبط بكتاب «بروتوكولات حكماء صهيون»، تلك الأوراق التى أفلح بطل المسلسل «حافظ نجيب» فى الوصول إليها، ليكشف -من خلالها- مخططات الصهاينة فى العالم وفى المنطقة، المسلسل كما تعلم بطولة الفنان المبدع محمد صبحى، وقد ذكر منذ أيام واقعة ارتبطت بإنتاجه، تمثلت فى قيام المرحوم عمر سليمان مدير المخابرات العامة فى عصر «مبارك» بالتدخل فى السيناريو، وطلبه من «صبحى» حذف 140 مشهداً، انخفضت بعد التفاوض بين الاثنين إلى 42 مشهداً، تمثل أجزاء المسلسل المتعلقة ببروتوكولات حكماء صهيون، كما ذكر الفنان، مضيفاً: «بعد قيام ثورة يناير كنت أحتفظ بالمسلسل على شرائط، وعرضته كاملاً بلا حذف».

«بروتوكولات حكماء صهيون» واحد من أخطر الكتب التى عرفها العالم، وقد تُرجم إلى العديد من اللغات، ومن بينها اللغة العربية، هناك من يذهب إلى أن الكتاب يمثل وثيقة مزيفة، وهناك من يثق فى دقة المخطط الذى تحتوى عليه البروتوكولات، أياً كان الأمر فقد مثل الكتاب جوهر الفكرة داخل المسلسل، وذلك فى ترجمته العربية، التى تولى أمرها الكاتب محمد خليفة التونسى، ومن اللافت أن من كتب مقدمة النسخة العربية عملاق الفكر العربى الأستاذ عباس محمود العقاد، و«العقاد» -كما هو معروف عنه- باحث مدقق، يرفض عقله التسليم إلا بعد الاطمئنان إلى سلامة المعلومة التى يتناولها فى كتاباته، شهادة «العقاد» وإقدامه على كتابة مقدمة الترجمة تمنحنا مؤشراً على ضرورة أن نأخذ ما تحتويه «بروتوكولات صهيون» مأخذ الجد.

لا يدرى أحد بالطبع الأسباب التى دفعت المرحوم عمر سليمان إلى حذف مشاهد معينة من المسلسل، وهى المشاهد المتعلقة بالكتاب، ربما كان الأمر ناتجاً عن إملاءات ظرفية معينة دفعته إلى التدخل فى سيناريو المسلسل، لكن الواضح أن تغير الظروف بعد قيام ثورة يناير 2011 مكن الفنان محمد صبحى من عرض المسلسل كاملاً كما صرح، ليكشف المخطط الصهيونى القديم للسيطرة على العالم، عبر أدوات المال والأعمال والإعلام وزرع السياسيين الموالين، داخل الدول المختلفة، خصوصاً الدول المؤثرة فى صناعة القرار العالمى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وقد مثّل طرد الفلسطينيين من أرضهم وديارهم محطة الانطلاق الأولى لتنفيذ المخطط بمراحله المختلفة.

الشعوب تحتاج من حين إلى آخر إلى نوع من إنعاش الذاكرة، وجميل أن يقوم الفن بدور فى هذا السياق، وتقديرى أن مسلسل «فارس بلا جواد» واحد من أبرز علامات الدراما التليفزيونية، وواجب القنوات، خصوصاً القنوات المملوكة للدولة، أن تهتم بعرضه من حين إلى آخر، حتى تتيح للأجيال الجديدة فرصة للمعرفة، وللأجيال القديمة فرصة لإنعاش الذاكرة، وليت الفنان محمد صبحى بما له من حضور فنى عالى المستوى يقدم لنا أعمالاً جديدة على شاكلة «فارس بلا جواد» تجعل من الدراما أداة من الأدوات التى يصح الاعتماد عليها فى التكوين المعرفى والوجدانى للمشاهد، وتصحيح المفاهيم الخاطئة لديه.