«شوقى حجاب»: كنت زعيم عصابة أطفال

كتب: إلهام زيدان

«شوقى حجاب»: كنت زعيم عصابة أطفال

«شوقى حجاب»: كنت زعيم عصابة أطفال

فى قرية المطرية بمحافظة الدقهلية، بلد الصيادين البسيطة، الواقعة على نهاية بحيرة المنزلة، ولد الشاعر الكبير شوقى حجاب، الذى يتذكر تفاصيل شهر رمضان وطقوسه الخاصة فى بلدته، ولأن البلدة لم تكن دخلتها الكهرباء بعد، فالمغرب يعنى الظلام ونادراً ما يجد الأهالى وسائل إنارة مثل الكلوبات ولمبات جاز فى الشوارع معظم أيام السنة، أما قبل دخول شهر رمضان بنحو أسبوع فإن معالم الشوارع تتغير تماماً، استعداداً للشهر الكريم.

يتذكر حجاب مظاهر الشهر الكريم فيقول: «قبل دخول شهر رمضان بنحو شهر كنا نرى إقامة الأفران المستديرة التى تعلوها صوانى على نفس هيئتها، لعمل الكنافة البلدى، كانت الأفران تبنى أمام محال الحلويات، وكانت تعمل بالوقود البدائى الذى يعتمد على الخشب القش والحطب».

{long_qoute_1}

ينتهى إعداد أفران الكنافة مع نهاية شهر شعبان، وقتها تستعد المطرية كلها لرؤية هلال شهر رمضان، يتزامن ذلك مع «طلعة المحمل»، وهى احتفالية كانت تقام فى مصر ابتهاجاً بخروج كسوة الكعبة إلى مكة المكرمة، وعلى الرغم من أن المحمل كان يخرج من القاهرة إلا أن كل مدن وقرى مصر كانت تنظم الاحتفالات الخاصة بهذه المناسبة، وبشكل شبه منسق فيقوم كل صاحب مهنة بالمشاركة فى الاحتفالية بطريقة مختلفة، تخرج فيها عربات اللورى ملونة بألوان ورسومات مختلفة تدل على مهنة أصحابها، فمثلاً الصيادون تكون عربتهم مرسوماً عليها مراكب، أو على شكل محل بقالة، أو على شكل فرن كبير، وهذه العربات تخرج لتدور فى الشوارع على شكل زفة كبيرة يصفها حجاب بقوله: «كانت مباراة بين الصنايعية فى تلبيس اللوريات بمظاهر البهجة، كنا نقول عليها الشحنة، الزفة جوالة فوق اللوريات عبارة عن موسيقى بآلات نحاسية وأغان شعبية خاصة باستقبال الشهر، وكنت أشارك أصدقائى الاستعداد والفرح بالاحتفالات».

ومع بداية شهر رمضان يزور حجاب بائعة الطرشى البلدى المقطع بطريقة مضلعة، كانت جميلة، وكان اسمها الحاجة أمارة: «كنت أربط بين اسمها أمارة وبين هلال رمضان، فكان هناك تفاعل نفسى ولغوى عندى بين الاسم وهلال رمضان، خصوصاً أنها بيضاء البشرة ووجهها مستدير بسنة ذهب نتفاءل بها جميعاً، والطرشى طقس ثابت يؤكل فى الإفطار والسحور ويبيعه بائع بنداء منغم: ملو الصحن بمليم، وكلها مظاهر مبهجة تعطى إحساساً بالبهجة».

{long_qoute_2}

وتبدأ أيام الصيام، يتذكر حجاب الوقت قبل انطلاق أذان المغرب: «كان عندنا طبلة الإفطار، حين تنطلق يغنى الأطفال افطر يا صايم على الكعك العايم، ويجرى الأطفال إلى أهاليهم ليعرفوهم أن المغرب أذن»، وفى السحور يتذكر حجاب أن المسحراتى كان ينادى على أطفال القرية بالاسم، وقبل الفجر كان عامل المسجد يصعد ليعلن الإمساك بكلمة «ارفع»، وبين الإفطار والسحور، يحتفل الطفلان شوقى وسيد حجاب، وغيرهما من الأطفال بشكل فولكلورى من الخيالات: «كنا نتجه إلى عالم من العفاريت، وتخويف الناس، نعمل مقالب، وبعد صلاة التراويح كنت أقود الأطفال فى لعبهم، كأنى زعيم عصابة شرير، ومستمتع بعمل المقالب فى الناس».

وحين جاء السيرك إلى القرية الصغيرة، كان الطفل شوقى عمره 11 سنة: «كنت فى الأصل أتدرب على الجمباز على يد عبدالمنعم سند ضابط صاعقة ضمن مجموعة من الأطفال، حاولت أن أستعرض مهارتى أمام صاحب السيرك فكنت أقف على يد واحدة وأمشى بظهرى، لأعمل فى السيرك المتجول، فعرض صاحب السيرك علىَّ الشغل معهم، فقلت له: هتدفع كام، قالى 3 صاغ، أى ثلاثة قروش، فى الحفلة الواحدة، وكان وقتها رقماً كبيراً، فمصروفى كان تعريفة أى نصف قرش، وكنت أشترى كل يوم بأجرتى حلاوة طحينية»، هكذا أصبح «شوقى» لاعباً فى السيرك دون علم أهله، لكن الكلام انتشر أن ابن الشيخ أحمد حجاب يلعب فى السيرك وأصبح بهلواناً: «أبى لم يعترض، لكن أمى التى تحمل عرقاً تركياً وفيها شمخة اعتبرت أن هذا عيب كبير فاعترضت بقوة، وعاقبتنى بوضع الشطة فى فمى فلم تكن عقوبة الضرب موجودة عندنا»، ورغم أن شوقى كان أصغر من شقيقه الشاعر سيد حجاب بست سنوات، إلا أنه كان الكبير من حيث الأصدقاء: «أطلقنا على بيتنا بيت الأمة، وكنا نستقبل فيه كل الناس، فالبيت فى وسط البلد كان مفتوحاً للجميع، صلاح وسيد حجاب وسعاد حسنى التى كانت جزءاً من حياتى، ونجوى إبراهيم التى اشتغلت معها كثيراً، وتحية كاريوكا وصلاح جاهين وبليغ حمدى، وفاروق الفيشاوى، وعمار الشريعى وسيد مكاوى، وسيمون، وسامح الصريطى، كنا نفطر معاً فى بعض الأحيان، أو نلتقى بعد الإفطار، وأحياناً كنا نذهب فى مجموعة إلى الحسين، وأحياناً كنا نذهب إلى سعاد حسنى وزوجها المخرج على بدرخان، أو إلى معالى زايد».

ينتقل شوقى للحديث عن شقيقه سيد، فيقول: «نحن قرويون، والكبير كبير حتى لو أخطأ، وعشنا هكذا إلى آخر يوم فى عمره، وسيد كان موجوداً وبضراوة قبلى، وكشعراء كنت حريصاً على ألا أشبهه كشاعر، وركزت فى الكتابة للأطفال ودخلت معهد السينما كى أكون مخرجاً، وحرصت على ألا أكون تابعاً لشاعر، قاصداً التميز والاختلاف عن شقيقى سيد حجاب، إضافة إلى حبى للكتابة للأطفال بشكل خاص».

سنوات طويلة مرت على فترة الطفولة والشباب، كانت كافية لأن تغير المطرية بصورة كاملة: «تغير كل شىء فيها، أصبحت زحمة وضوضاء وتديناً مفتعلاً غير حقيقى، الحجاب كان فى الماضى للطبقات الدنيا فقط من النساء، ولم ينتشر بهذا الشكل إلا قريباً، فقد كان أبى أزهرياً، وأمى تحفظ القرآن لكن كانا بعيدين عن مظاهر التدين الشكلى الذى نجده هذه الأيام».


مواضيع متعلقة