أوراقهم تحكي 9| يوسف صديق: كنت على "طريق الله" يوم 23 يوليو

أوراقهم تحكي 9| يوسف صديق: كنت على "طريق الله" يوم 23 يوليو
كان جنديا ليس مجهولا، في حركة تنظيم الضباح الأحرار الذي انضم إليها قبل عام من قيام الثورة، لم يمنعه مرضه الدائم من القيام بدور أشاد به الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعد مرور 10 سنوات على قيام الثورة، وروا في مذكراته، كيف أنه أحكم القبضة على قيادات بالجيش تعلوه رتبة ويفوقهم مقامًا بحكم التاريخ، لتبقى "أوراق يوسف صديق" مسجلة للحظات أسماها قائد الكتيبة الأولى مدفعية، ماكينة، بـ"ليلة عمري".
ويروي "يوسف صديق"، في مذكراته، أن همه كان جمع أفراد كتيبته ليلة 22 يوليو عام 1952 دون إفشائه لسر العمل الذي سيقومون به، غير أن ساعده الأيمن، عبدالمجيد شديد، جاء له بالحل السحري حينما أبلغه بأن الضابط النبطشي، تخلف عن المبيت بمعسكر الكتيبة بـ"الهايك ستيب" خلال الليلة السابقة، ليهم "صديق" بجمع كل أفراد كتيبته وإبلاغهم بأن كل الأفراد سيبيتون بالمعسكر لكي يتذكروا معنى الالتزام ولا يستهتر أحدهم بعمله مرة أخرى، ليحقق الضابط الشاب ما أراد دون خسائر.
"يوسف صديق" إنسان تبدو ملامحه في أوج اشتعال الأحداث، فبينما هو يستعد للتحرك مع كتيبته للمبيت بمعسكر الـ"هايكستيب"، تقابله صيدلية يشتري منها دواء يمنع نزيفًا كان يعاوده باستمرار، "رجوت الصيدلي أن يعطيها لي فاعتذر لعدم وجود استعداد في الصيدلية لذلك، وأشار لي إلى عيادات كثيرة للأطباء وأخبرني بأنني لا بد أن أجد في هذه العيادات من يقوم بذلك، وفعلا توجهت إلى أول عيادة دكتور وقام التمرجي بالمطلوب على خير حال".
واجتمع القائد مع ضباط كتيبته داخل المعسكر، وما إن رأى الضابط زغلول عبدالرحمن يدخل الكتيبة حتى علم باقتراب اللحظة المهيبة، وأبلغه بأن التحرك للسيطرة على مبنى القيادة العامة سيكون عند منتصف الليل، في الثانية، وأن كلمة السر ستكون "نصر"، ليقرر "صديق" أن يصرح لأفراد كتيبته بالأمر، "خطبت فيهم خطبة قصيرة أستثير حماسهم وأطلعهم لأول مرة أنهم سيتحركون للاشتراك فى عمل خطير، لصالح الوطن وأن كلا منهم سيفخر طوال حياته بالساهمة في هذا العمل الخطير".
وأتاح القدر لقائد الكتيبة الأولى مدفعية، ماكينة، بطولة منذ اللحظات الأولى لتحركه، حيث تحكي مذكراته، عن أن القوة التي يقودها ما لبثت أن تحركت حتى تفاجأت باللواء عبدالرحمن مكي، "واللواء عبدالرحمن مكي هو قائد الفرقة المعسكرة في الهايكستب، جميعا تحت قيادته، وهو قائد الفرقة في جيش الملك لا في التنظيم"، ليأمر "صديق" باعتقاله فورًا، "وفي طريقنا إلى بوابة المعسكر، أصدرت تعليماتي إلى سائق العربة أنه في حالة التقائنا بعربة اللواء في الطريق فعليهم أن يوجه إليها (النور الكبير) ويتصدى لها وإيقافها بأى طريقة.
وتابع: "أمرت الضابطين المرافقين لي والسائق معهم أنه في حالة وقوف عربة سعادة اللواء، ينزلون جميعا من العربة شاهرين أسلحتهم في وجه القائد، ولا يفتح أحد النيران ألا بأوامر منه".
عند اقتراب القوة من مصر الجديدة صادف أيضا الأميرالاي عبدالرؤوف عابدين قائد ثاني فرقة المدفعية، الذي كان يسرع بدوره للسيطرة على معسكر "هايكستب"، فأمر يوسف صديق باعتقاله وإجلاسه إلى جانب قائده المعتقل الذي سهّل على صديق الأمر، "فتح له باب العربة وطلب إليه الجلوس إلى جانبه، فأراد القائد الثاني أن يستفسر و(يرغي) غير أن القائد أمره بحزم أن يجلس إلى جانبه فركب على مضض".
في أجواء من الظلام الحالك، تمنى يوسف صديق، بحسب مذكراته، أن يرى "جمال عبدالناصر" قبل اقتحام القيادة العامة، "لعله يلقي بعض الضوء في هذه الظلمات الحالكة التي كنت أسير فيها"، وبالفعل تفاجأ الضابط بجنوده ويخبروه بأن القوة توقفت، وحينما تبين الأمر وجد أن جنوده يلتحمون برجلين يرتديان ثيابا مدنية "قمصان بيضاء وبنطلونات"، فلما اقترب رأى عجبًا، "فلقد كان الرجلان جمال وعبدالحكيم"، فخلصهما من أيدي رجاله وعلم أن أمر الحركة قد انكشف "للملك"، الذي كان يصطاف في الإسكندرية، وأنه تم الاتصال بالقيادة في (القاهرة) وأن هذه القيادة مجتمعة في مقرها لاتخاذ إجراء مضاد، لينطلق من فوره إلى مبنى القيادة العامة التي أسماها بـ"أرض المعركة".
وضع "يوسف صديق" خطته وقسم فصائل كتيبته على موقع القيادة العامة بـ"كوبري القبة"، لتبدأ معركة اقتحام القيادة العامة التي خسرت فيها كتيبته رجلين مقابل 2 من ضباط حرس القيادة، ثم فتشت القوة أدوار المبنى ليتوصل في النهاية، إلى القبض على الفريق حسين فريد قائد الجيش الملكي، والأميرالاي حمدي هيبة وإرسالهما إلى عربات "اللوري" الخاصة بالكتيبة إلى جانب الأسيرين الكبيرين، وهو ما اعتبره "صديق"، في مذكراته، توفيقًا من "الله وحده".
لم تتطرق مذكرات الضابط يوسف صديق إلى أي خلاف مع أعضاء مجلس قيادة الثورة أو تفسير لإبعاده عن المشهد، رغم أنه روى، في بدايتها، كيف التحق بالجيش وحارب في فلسطين وانضم لتنظيم الضباط الأحرار، ليحتفظ "صديق" بذلك السر ويتركه للتاريخ يكشفه وفق أحداثه.