أوراقهم تحكي 5| مستشار الملك يكشف: "10 سنوات مع فاروق"

أوراقهم تحكي 5| مستشار الملك يكشف: "10 سنوات مع فاروق"
"10 سنوات مع فاروق"، لم يكن مجرد عنوان لمذكرات الصحفي كريم ثابت، المستشار الصحفي للملك فاروق، ولكنه كتاب راصد لصور وصفحات لتلك الفترة من داخل القصر لتجلي بعض الغوامض التي اكتنفت السياسة المصرية خلال تلك الحقبة، منذ أن أراد فاروق أن يكون لكريم صفة رسمية تسوغ وجوده إلى جانبه في جميع المناسبات، من غير أن يؤدي ذلك إلى إحراج موقف الديوان الملكي في علاقاته بسائر الصحفيين.
من "أنشاص" علم كريم ثابت بمنصبه الجديد في أول بلاغ أصدره ديوان كبير الأمناء من القمة العربية "أنشاص"، وكان عند استقبال فاروق للأمير سعود والملك عبدالله، وأورد في البلاغ اسمه مقرونًا باللقب الجديد، ورغم رفضه أن يتقاضى راتبًا نظير ذلك، لرغبته في الاحتفاظ بعمله الصحفي في جريدته وأني نصرف إليها بكليته عندما تنتهي مهمته في القصر.
وظل ذلك لمدة 6 سنوات، حتى في العام التالتي من منحه هذا اللقب تقرر صرف "بدل تمثيل" لأصحاب المناصب الرئيسية في القصر، فاشتمل القرار على أن يكون للمستشار الصحفي "بدل تمثيل" أسوة بهم وخصص لهم 500 جنيه في السنة، وكان في منصبه منذ 1942 وحتى عام 1952.
في الفصل الأربعين من المذكرات التي اشتملت على 52 فصلًا، عنونه كريم بسؤال أجاب عنه داخله، وهو: "هل كان فاروق يعلم؟"، استهل الفصل بقوله، "قبل أن أحدث القارئ عن الاستقالة النهائية التي بعثت بها إلى فاروق من أوروبا أود أن أرد على 3 أسئلة طالما وجهت إلىَّ وهي:
1ـ هل كان فاروق يعرف ما يقال عنه في البلاد؟.
2ـ هل كان يقرأ ما يكتب عنه في الخارج؟.
3ـ هل كنتم تسدون إليه النصح؟.
السؤال الأول، أجاب عنه المستشار الصحفي لفاروق بأن الملك كان يعرف كل ما يقال عنه في مصر، "فقد كان يعرف "كل" ما كان يقال عنه، وكان يعرفه "برمته" لا حذف فيه ولا تغيير، وكان يعرفه "على حقيقته" لا تلطيف فيه ولا تخفيف، وكان يعرفه "في حينه" وبأسرع جدًا ما يتبادر إلى الأذهان!"، فكان يعرف أولًا كل ما يكتب عنه تصريحًا وتلميحًا في الجرائد والمجلات المحلية وكان الديوان الملكي يوافيه يوميًا بدقة وأمانة، وكان يحاط علمًا بكل ما يقال عنه في البلاد وبكل ما تتحدث به المجالس عنه الوطنية منها والأجنبية.
كل الهتافات وألفاظها وعباراتها الأصلية تصل إلى علمه ويقرأها مكتوبة في تقارير رفعت إليه، ويوم أنزلت صورته في جامعة القاهرة وديست بالأٌدام عرف تفاصيل الحادث بحذافيرها عقب حدوثه مباشرة.
وعن المصادر التي كان يتلقى منها التقارير، أولًا إدارة الأمن العام في وزارة الداخلية وكانوا يرفعون إليه صورة منها عن طريق البوليس الخاص بالقصر، وكان هناك ثانيًا التقارير السرية التي كان البوليس الخاص يعدها ويرفعها إليه، وكان هناك ثالثًا التقارير السرية التي كان يتلقاها رأسًا من أشخاص اتفق معهم على أن يوافوه بها.
وكانت هذه التقارير تكشف له أحيانا عن أمور لم تتعرض لها التقارير الرسمية، وكان هناك ما كان مساعدوه وأصدقاؤه الخصوصيون وخدمه ينقلونه إليه، وكان هناك ما كان يسمعه في الأندية والأماكن العامة التي كان يتردد عليها، وكان هناك ما كانت محظياته وخليلاته يقصصنها عليه ويبلغنها إياه.
وأشار كاتب المذكرات إلى أنه من المحقق أنه وصلت إليه أحيانا معلومات خاطئة، ولكن فيما يتعلق بشخصه "يمكنني أن أجزم بأنه كان يعرف كل ما يقال عنه يوما بعد يوم".
تشجعت المصادر التي كانت تمده بالتقارير بكتابتها تفصيليًا لأنه لم يكن يغضب قط على إنسان صارحه بما يقال عنه أو نقل إليه أحدث الشائعات حوله، ولو كان في الحديث ما يخدش السمع، بل يرى أن صاحب التقرير أدى ما عليه بترديد ما ذكره في التقرير.
أما عن السؤال الثاني: "هل كان يقرأ ما يكتب عنه في الخارج؟"، يجيب كريم ثابت بأن الكلام هنا منصب بوجه خاص على ما كان يكتب ضده وخصوصًا في انتقاد حياته الخاصة، فيقول، "ما نشرت عنه مقالة أو نبذة في الخارج إلا اطّلع عليها بل كان أول من اطلع عليها".
وأضاف: "في أغلب الأحيان كان يطلع عليها قبل مستشاره الصحفي"، وكانت بعض الصحف والمجلات التي تنشر عنه لا ترد إلى مصر فكانت السفارات والمفوضيات المصرية توافي بها وزارة الخارجية لتبلغها للقصر أو ترسلها إلى القصر رأسًا، والمجلات والصحف التي كانت تأتي إلى مصر فكانت تحجز في المطارات والموانئ إذا تضمنت كتابات مناوئة له وترسل أعداد منها إلى القصر فورًا فترفع إليه في اليوم نفسه.
عند وصول الصحف والمجلات إلى القصر وترفع إلى فاروق كاني قرأها ويرسم خطًا بالقلم الأحمر تحت العبارات التي تؤلمه أكثر من سواها، ثم يأمر بمنع المجلة أو الجريدة التي نشرتها من دخول مصر، وبوضع اسم كاتبها ـ إذا كانت ممضاة ـ في "القائمة السوداء" فلا يصرح له بدخول مصر، ويلخص الكاتب حال الملك بقوله: "كان فاروق يقرأ بالإنجليزية والفرنسية ما يسمعه بالعربية".
"هل كان هناك من يسدي النصح إلى فاروق؟"، يقول المستشار الصحفي للملك، إنه ما دام يكتب للتاريخ وحده فإن الباعث الوحيد علةى إحجام رؤساء الوزارات والديوان الملكي هو الخوف من إغضابه أو الحرص على عدم إغضابه، فيقول: "هذه هي الحقيقة السافرة أو العارية كما يقول الفرنسيون"، فقد كانوا جميعا يخشون إغضابه، لأن كل واحد منهم يعلم أن ضياع المنصب هو النتيجة المحتومة لغضب الملك.