أوراقهم تحكي 7| نجيب الريحاني: "قارئة الكف" تنبأت بمستقبلي

كتب: محمد متولي

أوراقهم تحكي 7| نجيب الريحاني: "قارئة الكف" تنبأت بمستقبلي

أوراقهم تحكي 7| نجيب الريحاني: "قارئة الكف" تنبأت بمستقبلي

لم يعتقد الفنان نجيب الريحاني أن مذكراته ستخرج إلى النور بعدما عكف على كتابتها والتي لم تطبع إلا بعد عام من وفاته، بعدما دأب رفيق حياته الفنية والاجتماعية بديع خيري على إخراجه للنور في كتاب أصدرته "دار الهلال" عام 1959.

وجاء في بداية المذكرات: "ليس غريباً أن تفكر دار الهلال بمناسبة مرور عشر سنوات على وفاة نجيب الريحاني في إصدار مذكراته التي خصها بها في حياته، وكتبها لها بقلمه، فشعارها كان دائماً ولا يزال – لا يصح إلا الصحيح، ولا يبقى إلا الأصلح ونشر هذه المذكرات وفي هذه المناسبة بالذات، تكريم للفن الأصيل في شخص كرس حياته للفن".

واستطاع الفنان الراحل رصد التفاصيل ورسم مشهد كلي، لم يتم فيه رصد محطات نجاحه فقط وإنما توقف كثيرا أمام لحظات الإخفاق والتعثر، فقد دوَّن في الفصل الثالث من كتابه بعنوان "ثروة أضعتها": "تناولت التذكرة التي عليها العين وقبل الموعد المحدد كنت بين يدي الرجل وجلست المدام تقرأ كفي، وياللغرابة والدهشة، إنني لم أتعود في حياتي أن ألقي القول جزافا كما أنني لست ممن يصورون من الحبة قبة، فهل تصدقني أيها القارئ إذا قلت لك أن هذه السيدة أخبرتني بأشياء حدثت لي في الماضي كما لو كانت معي، وأنها قصت على ظروفا خاصة اجتزتها بنفس النمط الذي ذكرته؟، حقا لقد خبلت عقلي بما ألقت إلى من تاريخ حياتي الماضية، وتركتني ذاهلا أفكر كيف يمكن لامرئ مهما بلغ عمله أن يقف على مثل هذه التفاصيل الدقيقة المدهشة؟!".

ويضيف الريحاني: "بعد ذلك تنبأت لي بما سيكون عليه مستقبلي! كان ذلك عام 1913 وأقسم بالله غير حانث أنني ما زلت طيلة هذه الأعوام التالية حتى الآن أجتاز من أدوار حياتي مراحل سبق أن تنبأت لي بها هذه السيدة! كنت أيامها موظفا بسيطا في شركة السكر أتقاضى راتبا لا يزيد على أربعة عشر جنيها ولم يكن أمامي ما يبشر بصلاح الأحوال أو تبدل الأيام، ومع ذلك فقد قالت لي إن حياتي عبارة عن ضجة صاخبة وأن أموالا كثيرة ستتداولها يدي وأنني سأنتقل من فقر إلى غنى ومن غنى إلى فقر ثم يعود الغنى"، ليتابع كما وصف في كتابه "هنا خانتني الذاكرة بكل أسف، إذ لست أعي تماما ما انتهى إليه تنبؤها، وهل أوصلتني في أخرياتي إلى هضاب الفقر المدقع أو إلى وديان الثراء الممتع؟!".

ويتابع في كتابه: "فتشت عن قريب لي من ذوي الثراء، ورحت أبحث عن شجرة العائلة وأدرس أصولها وفروعها لعلي أعثر على واحد بينهم لا وريث له قائلا: (يمكن يا واد يشوفك في وصيته بحسبة كام ألف مصري يبحبحوك).. أمال بس منين رايح يجيني الغنى يا اخواتي إن ما جاش بالطريقة دي، هل يأتي من التمثيل؟.. ده اخوانا باسم الله ما شاء الله مكانش يلف الشهر إلا والجعيص فيهم يستلف قد ماهيته مرتين!!"، ليوضح: "نهايته لم يفدني التفكير شيئا ولم يعفني قاموس الأسرة ولا شجرتها المباركة بما يروي غليلي، فتركت الأمور تجري في أعنتها ونمت بعد ذلك خالي البال!".

تتوالى أحداث الكتاب في فصله الثالث حتى ينتهي بمثل "اصرف ما في الجيب"، ليقول الريحاني "قال أحدنا: (إن هذا العمل من الخواجة بشير بالنجاح، لأنه رجل يعرف من أين تؤكل الكتف، ويستحيل أن يغامر بدفع رأس المال إذا لم يكن واثقا من استرداد مبلغه هذا أضعافا مضاعفة)، أما أنا فقد ذهبت في التفسير مذهبا خالفت به الجميع فمع اغتباطي بتساهيل الله على يدي الخواجة صاحب قهوة متروبول، قلت لإخواني بأنني لا أرى دافعا لتصرف الخواجة إلا أنه (طهق) من (خلقتنا)، فأراد أن يتخلص منا بأي طريقة، مهما كان فيها من تضحية مالية، وسواء أكان هذا هو السبب أم ذاك، فقد وصلنا إلى بغيتنا وحصلنا على مبالغ الجنيهات العشرة، وكم كان ظريفا من بعض إخواننا أن يقترحوا (توزيع) المبالغ علينا، وبلا فرقة، بلا دياولو، وليحيا (اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب)".

يختتم الريحاني الفصل الثالث من كتابه بقوله: "دون أن أطيل عليك أقول إن هذا المذهب لم يجد أنصارا كثيرين، فتقرر أن نستعمله في الغرض الذي دفع من أجله، وبدأنا نؤلف فرقتنا من العبد لله، والأساتذة عزيز عيد، وأمين عطا الله، وأمين صدقي، واستيفان روستي، وحسن فايق، وعبداللطيف جمجموم، والسيدة روز اليوسف وغيرهم".

أحيانا تحمل مذكرات الفنانين تمجيدا لكاتبها، إلا أن الريحاني قد آثر أن يوازن بين النجاحات التي لاقاها في حياته، وبين الإخفاقات المتتالية التي قابلها أيضا، حيث إنه لم يلق باللوم على غيره عندما يفشل ولا يمدح نفسه دوما عندما تلقى أعماله نجاحات منقطعة النظير بل إنه دوماً يوجه لنفسه اللوم وأسباب فشل مسرحية ما، ويسجل كل شخص كان له الفضل حتى أوصله لما ظل عليه بخلاف أسباب نجاح أدوارهم.


مواضيع متعلقة