شعب الـ «إيد واحدة»: لا أزمة تكسره.. ولا أهل شر يغلبوه

شعب الـ «إيد واحدة»: لا أزمة تكسره.. ولا أهل شر يغلبوه
- أستاذ علم الاجتماع
- أسطح المنازل
- أسعار مخفضة
- أسواق خيرية
- أعمال شغب
- أهالى القرية
- أهالى قرية
- أولياء الأمور
- ارتفاع الأسعار
- الأعمال الإرهابية
- أستاذ علم الاجتماع
- أسطح المنازل
- أسعار مخفضة
- أسواق خيرية
- أعمال شغب
- أهالى القرية
- أهالى قرية
- أولياء الأمور
- ارتفاع الأسعار
- الأعمال الإرهابية
أزمات وتحديات كثيرة واجهها المصريون خلال السنوات الخمس الماضية، تنوعت بين اقتصادية وسياسية وأمنية فى مرحلة قد تكون الأصعب فى تاريخ مصر شهدت ثورتين وتعطيل دستور وكتابة آخر وتنحى رئيس أسبق وعزل رئيس سابق، وتعيين وإقالة قائمة طويلة من الحكومات، وأعمال شغب واشتباكات وعمليات إرهابية، وحديثاً لا ينتهى عن مؤامرات خارجية، فضلاً عن وضع اقتصادى صعب وقرارات اقتصادية أكثر صعوبة، لكن وسط كل هذه «المعجنة» لا يزال «الوطن» باقياً بناسه الطيبين، بوحدتهم وتماسكهم وتحملهم وصبرهم.
مع كل حادث أو أزمة أو تحدٍ ضخم، تتجلى الصورة الكبيرة الحقيقية للمصريين، «محمد» الرجل الأربعينى، قرر منذ أسابيع قليلة عقب عمليتى تفجير كنيستين بالإسكندرية وطنطا، أن يزور صديقه المسيحى «فريد» الذى يسكن على بُعد محطتين منه فى حى روض الفرج بالقاهرة، «فريد ده من أعز أصحابى، رُحت له بيته، وقدمت له العزاء، وقلت له اللى عملوا كده عايزينا نكره بعض، خدنى بالحضن وكلت وشربت فى بيته»، أجواء من المودة والحب جمعت «محمد وفريد» منذ أكثر من 17 عاماً، ربما حاول «أهل الشر» إفساد هذه العلاقة، لكنها باقية ومستمرة لأنهما تعاهدا على ذلك، «اللى بيننا صداقة وحب بجد، عرفنا بعض وإحنا شباب صغير، واشتغلنا وكبرنا وكل واحد بقى عنده بيته لا أنا فكرت مرة فى دينه ولا هو فكر فى دينى، هييجوا النهارده ويخسرونا بعض»، يرى «محمد» المسئول عن أسرة مكونة من زوجة وطفلين، أن الأعمال الإرهابية التى تستهدف الأقباط لا تريد إلا الوقيعة وإحداث فتنة طائفية فقط، «أصل إحنا كمان فى نظر الإرهابيين كفار، مفيش فرق بيننا وبين أتباع دين تانى، بس هما بيهاجموا الكنايس علشان يقلبوا المسيحيين على المسلمين، والبلد كلها تنضر، هو ده هدفهم».
ربما وعى «محمد» الذى يعمل فى إحدى شركات المقاولات، يفوق كثيرين من السياسيين والمحللين وأصحاب الرأى، يتصرف بتلقائية شديدة لا تخلو من فهم ووعى لأحد أشد التحديات التى تواجه مصر فى معركتها ضد الإرهاب، لكن فى معارك وقضايا أخرى كان الوعى حاضراً أيضاً، منذ الانفلات الأمنى الذى أعقب ثورة 25 يناير حتى أزمة غلاء الأسعار التى أعقبت قرارات تعويم الجنيه الأخيرة، «شاركت فى اللجان الشعبية اللى اتعملت فى بنها 2011 بعد الثورة، كنا عدد كبير من الشباب والجيران، وبنبدل ورديات مع بعض فى الشارع علشان نحمى البيوت والمحلات» يتحدث الشاب أحمد معتمد، موضحاً أن تلك الأوقات برغم صعوبتها إلا أنها زادت من الترابط بين الأهالى الذين يتبادلون المهام والمساعدات. ومع موجة ارتفاع الأسعار الأشهر الأخيرة ظهرت نماذج إيجابية مختلفة تؤكد الأمر نفسه وتحاول الحد من آثار الأزمة، مثل مبادرة بعض الأهالى فى حى الزاوية الحمراء بزراعة بعض خضر وفاكهة على أسطح المنازل لتقليل النفقات على احتياجات المنزل من الطعام، «أكتر من 15 منزل أسطحهم بقت مزروعة طماطم، والسكان بياخدوا المحصول فى استهلاكهم المنزلى وده بيقلل من نفقاتهم، وفيه ناس تانية زارعة فراولة»، قال عيد محمد، المهندس الزراعى، الذى تابع الفكرة على صفحة على موقع التواصل الاجتماعى باسم «الحملة القومية لزراعة مليون سطح أخضر فى مصر» وأخذ ينقلها بين جيرانه، موضحاً أن الفكرة قديمة لكن إعادتها فى فترة تشهد زيادة فى الأسعار أمر مهم، «حتى لو الفكرة هتوفر على الأسرة 5 جنيه بس، أى توفير هيكون محتاجه المواطن لأنه ممكن يحطه فى بند تانى شهد ارتفاع»، كانت هذه واحدة فقط من بين عشرات المبادرات، عدد من أهالى قرية دملو بالقليوبية، التى سميت بالقرية الإيجابية، قرروا تدشين أسواق خيرية لبيع سلغ غذائية بأسعار مخفضة، وكذلك ملابس لفئات عمرية مختلفة بسعر تكلفتها فى المصنع فقط، السوق الخيرية التى دشنوها لأكثر من مرة شهدت إقبالاً واسعاً من الأهالى، «بنحاول نساعد الأهالى اللى إحنا منهم، بعد تحديد محدودى الحال خاصة فى ظل أوضاع معيشية صعبة، وقلنا بدل ما ننتقد نحاول نشوف حل»، قال المهندس محمد محمود ربيع، منسق رابطة شباب جمعية الإصلاح بقرية دملو، موضحاً أن السلع الأساسية المطروحة وصلت لأكثر من 10 أطنان، إضافة إلى معرض الملابس المخفضة: «استطعنا أن نجمع مبالغ خلال فترة بسيطة من هامش ربح لبعض المنتجات اللى طرحناها، ودخل هذا الهامش فى استكمال بناء مجمع المصطفى الطبى الذى كان بمثابة حلم لجميع أهالى القرية، خاصة أنها بلا مستشفى واحد».
لم يقتصر الأمر على مبادرة أو اثنتين أو ثلاث، بل كثيرون فى مجالات مختلفة بين أطباء وتجار وباعة وصيادلة ومعلمين، أطلقوا مبادرات عديدة كل فى مجاله للتوفير على أولياء الأمور كنوع من التضامن والتكاتف، فيما لم يدخر آخرون جهداً لتحقيق نجاحات فردية فى مختلف القطاعات رغم الظروف الصعبة التى يعملون فيها سواء علمياً أو رياضياً أو فنياً، «اللى حصل فى مصر على مدار السنين الأخيرة، والطريقة اللى الناس اتعاملت بيها فى الأزمات، تحتاج إلى أن يتم تدريسها فى كتب ودورات علم الاجتماع والسياسة»، يقول الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسى، الذى أكد أن المصريين أعطوا درساً فى كل تحدٍ بصورة تبهر أى متخصص أو باحث، «اللى شافه الناس خلال السنين الأخيرة يخليهم يكفروا ويتكسروا ويهربوا، لكن المصريين بشكل عجيب بيزيدوا إيمان وقوة وتحدى»، يوضح أنه بالفعل توجد حالة غضب وضيق نتيجة الظروف الصعبة، لكن هناك أيضاً حالة تكاتف وتماسك وتضامن اجتماعى غير رسمى تظهر دائماً، خاصة فى اللحظات الصعبة، مثلما حدث أثناء ثورة يناير التى شهدت لأول مرة ظهور شعار «الشعب والجيش إيد واحد»، وهو الشعار الذى تكرر بصور متنوعة فى أوقات مختلفة حتى الآن.