ثلاثية «الدم والسيف»: «الحسين.. عاشوراء.. كربلاء»

ثلاثية «الدم والسيف»: «الحسين.. عاشوراء.. كربلاء»
استهدف الحسين بثورته الإصلاحية فى 10 محرم عام 61 هجرية، إعادة الكرامة التى سلبتها السلطة الغاشمة من الإنسان، خلال الممارسات المنحرفة، وأول ما استهدفه هو حرية الإنسان الذى غرّرت به السلطة، وخاطب الناس، قائلاً: «لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً فى دنياكم»، ولكن الجريمة أنه ما كان يجرى التعامل مع الحسين بطائفية، وهذه هى الإشكالية، والرؤية المغايرة للحدث المهول الذى شهدته أرض كربلاء ظهيرة يوم 10 محرم، وأصبح عقدة تاريخية تلاحق الشيعة ليل نهار، حتى تحوّلت الذكرى إلى فاجعة، وملطمة، وبكائية.
وكان الحسين قد خرج من مكة إلى الكوفة فى 8 ذى الحجة 61 هجرية، وحين بلغ «القادسية» علم بمقتل «مسلم» وتخاذُل الكوفيين عن حمايته ونصرته، فقرر العودة إلى مكة، وأصرّ بعض أتباعه على المضى قدماً للأخذ بثأره، فلم يجد الحسين بُداً من مطاوعتهم، وواصل السير حتى بلغ كربلاء على مقربة من الكوفة فى 2 محرم، ووجد جيشاً كبيراً فى انتظاره، فى حين كان مع الحسين نحو 90 نفساً، بعدما تفرّق عنه الناس، ولم يبقَ معه إلا أهل بيته وقليل ممن تبعوه فى الطريق، وعسكرت القوتان غير المتكافئتين فى هذا المكان.
وحاول الحسين أن يخرج من هذا المأزق بعد أن رأى تخاذل أهل الكوفة وتخليهم عنه، لكنه لم ينجح، وبدأت المعركة، ولجأ جيش «ابن زياد» إلى منع الماء عن الحسين وصحبه، فلبثوا أياماً يعانون العطش، ثم بدأ القتال بين قوتين غير متكافئتين فى 10 من المحرم، فكان مع الحسين 32 فارساً و40 راجلاً، فى حين بلغ جيش أعدائه أكثر من 4 آلاف، وتعدى القتل الرجال المقاتلين إلى الأطفال والصبيان من عِترته وآل بيته، ولم يبق إلا هو، يقاتل تلك الجموع المطبقة عليهم، حتى أثخنوه بالجراح؛ فسقط قتيلاً.
وكانت نتيجة المعركة استشهاد الحسين فى مأساة مروِّعة أدمت قلوب المسلمين وهزّت مشاعرهم فى كل مكان، وحرّكت عواطفهم نحو آل البيت، وكانت سبباً فى ثورات عديدة ضد الأمويين، حتى انتهى الأمر بسقوطهم، وقيام الدولة العباسية على أنقاضها.
بعد هذه الخيانة من أهل الكوفة للحسين، رضى الله عنه، وقتله، زعموا الندم على ذلك وزعموا حب الحسين، وأقاموا العزاء تكفيراً عن خطيئتهم، وتطور هذا العزاء فأصبح كرنفالاً، تُقام فيه العروض المسرحية يحتفلون به فى كل عام، وأضيف إليه كثير من الطقوس، فأصبحنا نرى السجود للقبور، والتلطخ بالطين، وضرب الرؤوس والأبدان بالسيوف والجنازير حتى مع الأطفال، وهذا كله من المنكرات والبدع التى ما أنزل الله بها من سلطان، التى تشوِّه صورة الإسلام.
وأصبحت هذه المواسم لا تقتصر على يوم عاشوراء، بل تمتد لأكثر من أسبوع، وتتسابق الهيئات الشيعية على استقدام الوعّاظ المؤثرين لتهييج العواطف وشحنها عبر شعارات طائفية مثل: «هيهات مِنّا الذلة» و«كل يوم عاشوراء» و«الموت لقتلة الحسين» و«لبيك يا حسين»، وغيرها من الشعارات المستفزة، لكونها موجّهة للمعاصرين.
إن ابتعاد الرابط الزمنى، «عاشوراء»، عن المكانى، «كربلاء»، أضعف من تأثيرها على النفوس، لكن الشيعة نجحوا فى إيجاد رابط حركى تفاعلى يُبقى على جذوة الثورة الحسينية، ويحقق أهدافهم، وهو ما يفعلونه فى عاشوراء، بــ«البكائية»، التى تبدأ بعقاب أنفسهم، وضرب صدورهم، ولطم الخدود من باب عقاب أنفسهم على ما بدر منهم، وعقاباً على خيانتهم للحسين، ومن قبله علىّ، وكلما زاد الإحساس بالجرم، زاد الفرد منهم الضرب، واللطم والنحيب، وشق الصدور، ورفع النواح.
واستمر كل جيل يعاقب نفسه على ما فعله أجداده من خيانة للعهد وخيانة للرب، ومع مرور الزمن وموت أوائل القوم الذين خانوا العهد، وعاقبوا أنفسهم جاء جيل لا يعلم السبب الرئيسى لما يجرى، فجعلوا لها لباساً يميزها وهو السواد، بحجة الحداد على الحسين وآل البيت.
تبدأ ثلاثية الدم الحسينية بالغناء والأهازيج، ويتمايل الرادود والمغنى يميناً وشمالاً، ويتمايل الناس معه فى طرب واستمتاع، ويضربون على صدورهم محدثين نغماً منتظماً وبشكل موحد، وكل شخص يحرص على جمع أكبر عدد ممكن لديه.
مع هذا الاختلاف المصالحى الشخصى، يظل الهدف موحداً فى الجو العام للمآتم، وهو صياغة الأشعار والكلمات بما يخدم الهدف الأساسى وهو تغذية الحقد على المخالفين، وباسم مأتم الحسين، يلعن المخالفون: «اللهم العن الأول والثانى، اللهم العن أول ظالمى آل محمد، اللهم العن مَن كسر الضلع، وخلع الباب، وأجهض الجنين».
وأصبح «يا لثارات الحسين» نداء المطالبة بالثأر لدم الحسين، رضى الله عنه، على شكل ندب ونياحة على مقتل الإمام على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، وعلى أبنائه من بعده، وظل كـ«بكائية» هدفها التميز، والثورة على العقائد المخالفة للشيعة، وغرس الحزن والبكاء، والإحساس الدائم بالظُلم داخل الصدور، على الرغم من أن للحسين قيماً ومبادئ وأفكاراً ورسالة، لأنه ليس مجرد ثائر من أجل سلطة، أو مغامر من أجل حُكم، وإلى هذا المعنى أشار بقوله «ألا وإنى لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح فى أمة جدى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأبى على، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلنى بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد علىّ هذا، أصبر حتى يحكم الله بينى وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين».
أخبار متعلقة:
«الوطن» ترصد خطر «المد الشيعى» فى مصر
مزارات الشيعة من الإسكندرية لأسوان يتفق فى حبها المصريون ويعدها الشيعة رمزاً لمذهبهم
بهاء الشيرازى: دول الغرب استخدمت «الخوميني» لتقسيم المنطقة من جديد
عائد من «طهران» يكشف رحلات تجنيد المصريين: عائلات كاملة بالجيزة «تشيعت»
محمد الدرينى: من يتاجرون بقضيتنا كانوا «قباقيب» فى أرجل أمن الدولة
خريطة القوى الشيعية في مصر.. 4 قوى رئيسية أهمها "آل البيت"
القيادى الشيعى سالم الصباغ: علاقتنا بإيران طبيعية.. ولا يوجد لنا تنظيمات فى مصر