عضو لجنة الإصلاح الإدارى بوزارة التخطيط لـ«الوطن»: جهاز الدولة مترهل

كتب: ماهر هنداوى

عضو لجنة الإصلاح الإدارى بوزارة التخطيط لـ«الوطن»: جهاز الدولة مترهل

عضو لجنة الإصلاح الإدارى بوزارة التخطيط لـ«الوطن»: جهاز الدولة مترهل

قالت الدكتورة غادة موسى مدير مركز الحوكمة، عضو اللجنة العليا للإصلاح الإدارى بوزارة التخطيط، إن الجهاز الإدارى للدولة يعانى من التضخم والترهل الإدارى، بسبب تراكمات وسياسات خاطئة مر بها الجهاز على مدار 30 عاماً، من الفساد والأزمات.

أضافت فى حوارها مع «الوطن»، أن القضاء على ظاهرة تضخم الجهاز واكتظاظه بالعاملين مرهون باتخاذ قرار سياسى - اقتصادى وليس قراراً إدارياً فقط. لافتة إلى أن إقبال الخريجين على التعيين فى الحكومة وعزوف كثيرين عن القطاع الخاص منذ بداية عصر الاستقلال فى منتصف القرن العشرين يرجع لدواعى الأمان الوظيفى.

{long_qoute_1}

وأوضحت «موسى» أن ظاهرة «التزويغ» من العمل ظاهرة ليست مقصورة فقط على المصالح الحكومية، ولكنها منتشرة أيضاً فى القطاع الخاص، وأن هناك سوء توزيع مكانى وجغرافى للعاملين فى الدولة يجعل الأمر يصل، فى أحيان كثيرة، إلى احتلال أسطح الأجهزة الحكومية.. إلى نص الحوار:

■ هل يعانى الجهاز الإدارى فى الدولة من الترهل؟

- يبدو أننا نتحدث فى هذا الشأن للمرة الأولى، وهذا أمر واقع وحقيقى، فالجهاز الإدارى فى مصر يعانى من الترهل منذ أكثر من 30 عاماً، حيث إن المؤسسات كائن يتطور وينمو، وتصيبه نفس أمراض النُظم الاجتماعية من التكلسات والتضخم ومن ثم الترهل، الذى يؤدى إلى الخمول والرتابة والتخمة الإدارية، أو ما يطلق عليها الـ«Bureaupathology» (أمراض البيوقراطية).

■ ومتى تنتهى هذه الظاهرة؟

- إنهاء حالة ترهل الجهاز الإدارى للدولة قرار سياسى - اقتصادى يخضع لاعتبارات العائد والتكلفة وليس قراراً إدارياً فقط.

■ وما الأسباب الحقيقية وراء هذا الترهل؟

- الأسباب ليست وليدة اليوم، ولكنها سياسات تتعلق برؤية الجهاز الإدارى فى تأمين متطلبات سوق العمل، فقد اتفقت رؤى كافة القيادات السياسية، منذ عصر الاستقلال فى منتصف القرن العشرين، أن الجهاز الإدارى هو مصدر التشغيل الأول، وفى بعض الأحيان الأوحد، فى البلاد، الأمر الذى أدى إلى عدم الاعتناء بوضع سياسات تشغيل مستدامة فى القطاع الخاص توفر الحماية الكافية وتجذب كل من يلجأون للقطاع الحكومى طلباً للأمان والاستقرار.

■ وما أهم مظاهر هذا الترهل؟

- أهم مظاهر الترهل هى اختلالات مفاصل الجهاز الإدارى (مؤسسات - موارد مالية - موارد بشرية - قوانين)، ومنها تراجع القواعد التنظيمية وعدم قدرتها على استيعاب العدد والمتغيرات والمتطلبات، ومنها أيضاً كثرة دورات العمل والإجراءات وتداخلها وتشابهها وعدم المتابعة أو التحديث أو المرونة. {left_qoute_1}

■ هل فعلاً ٢٥٪ من موظفى الحكومة لا يجدون مكاتب ومقاعد للجلوس عليها فى الجهات التى يعملون بها؟

- لا أستطيع أن أجزم بدقة النسبة، ولكن الأمر يتعلق بإشكاليات «الحوكمة»، أى كيفية إدارة موارد الدولة، ولا ننكر وجود برامج ومشاريع تقوم بها وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، لإدارة مخزون الدولة بشكل رشيد يحقق الاستفادة للجميع سواء إن كان هذا المخزون من الأثاث أو أشياء أخرى.

■ وهل ترين وجود سوء توزيع للعاملين؟

- فعلاً ما زال هناك سوء توزيع مكانى وجغرافى، وغياب للابتكار فى استغلال الفضاءات الضيقة لتستوعب عدداً أكبر من الموظفين، فتكون النتيجة تكدس المكاتب والأدراج فى ردهات المؤسسات الحكومية، ويصل الأمر فى أحيان كثيرة إلى احتلال أسطح الأجهزة الحكومية.

■ ما الآثار السلبية المترتبة على ترهل الجهاز الإدارى؟

- السلبية تتمثل فيما نراه اليوم من ضعف إنتاجية الجهاز وتضخم أعداد العاملين به حتى أصبح يشكل عبئاً على الدولة والمواطنين، فما ينفقه الجهاز الإدارى يفوق ما يساهم به فى ميزانية الدولة، والدليل أن ميزانية الأجور تبلغ 218 مليار جنيه، وهنا يظهر التساؤل: ما مردود هذه الميزانية على حياة المواطن من خدمات جيدة ومتطورة؟ كما يمثل الجهاز بشكله الحالى ضغطاً سياسياً على السلطتين التنفيذية والتشريعية بسبب عدم تناسب أعداد العاملين بما يتقاضونه من أجور مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وهو ما يؤدى إلى دوران الجميع فى حلقة مفرغة لا نهائية من اللحاق بطلبات الموظفين من جهة، ومحاولة الحد من ارتفاع الأسعار من جهة أُخرى، ومن جهة ثالثة الوفاء بحقوق دستورية فى تشغيل الخريجين، حيث أصبح الجهاز الإدارى سبباً لعجز الدولة وليس نجاحها. وأيضاً من أهم الآثار السلبية استشراء وتغلغل الفساد فى هذا الجهاز، حيث صار يأكله ويأكل كل من يقترب منه لإصلاحه.

{long_qoute_2}

■ هل توجد إحصاءات نسبية تقريبية لموظفى الحكومة الذين يؤدون عملهم «كما ينبغى»؟

- يتوقف الأمر على المقصود بعبارة «كما ينبغى»، فهى لها مؤشرات نجدها فى التشريعات التى تنظم عمل الخدمة المدنية ونظم المساءلة حول الالتزام بها، ومؤشرات فى مدونات السلوك الوظيفى التى تم وضعها من قبل وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى بالتعاون مع الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة ونشرها لأول مرة فى الجهاز الإدارى للدولة، ضماناً لمراقبة تحقق الشفافية والنزاهة فى الجهاز الإدارى للدولة.

■ هل توجد إحصاءات رسمية حول ظاهرة «تزويغ» موظفى الحكومة فى أوقات العمل الرسمية؟ ولماذا تنتشر هذه الظاهرة فى المصالح الحكومية؟

- «التزويغ» كلمة عامة ودارجة وتعطى انطباعاً مرحاً، رغم أن الأمر خطير جداً، لأننا نتحدث عن موظف تخلف عن أداء عمله، وأهمل مقتضيات واجباته الوظيفية، والإحصاءات الرسمية موجودة فى كشوف الحضور والانصراف، وإن كنت لا أراها مؤشر قياس كافياً ودقيقاً لظاهرة الغياب عن العمل وإهماله. ومثل هذا السلوك البشرى لا يرتبط بالضرورة بالجهات الحكومية، فطالما لا توجد رقابة أو مساءلة وثواب وعقاب فستستمر هذه الظاهرة.

■ هل تستطيع الدولة إحكام السيطرة على الأبواب الخلفية للتعيينات؟

- قبل ثورة 25 يناير لم تكن هناك تعيينات فى الجهاز الإدارى للدولة، ولكن كانت هناك تعاقدات مخالفة للقانون والدستور، واستمر المتعاقدون حتى تجاوزوا الثلاث سنوات، وأصبح لزاماً على الدولة تعيينهم وترقيتهم بسبب ظاهرة «الرسوب الوظيفى»، التى سادت الجهاز الإدارى قبل 25 يناير. وشهدت هذه الفترة زيادة فى أعداد الداخلين للجهاز الإدارى المتخم بالفعل بسبب ضرورة استيفاء حقوق هؤلاء، وتهدئة الشارع الوظيفى والسياسى معاً. وعليه، حاول خبراء الإصلاح الإدارى معالجة إشكالية العدالة فى التوظيف ومواءمتها مع متطلبات الكفاءة من خلال إيجاد نظام للتعيينات فى قانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015 الملغى، ومن هنا يمكن إحكام السيطرة على الأبواب الخلفية عن طريق انتقاء أفضل العناصر للالتحاق بالجهاز الإدارى من خلال امتحانات مركزية وشفافة.

■ وهل يستوعب الجهاز الإدارى كل الخريجين؟

- لا بد أن نكون واقعيين فالجهاز الإدارى المترهل لن يتمكن من استيعاب كل الخريجين.

■ متى نرى الجهاز الإدارى للدولة وقطاعات الحكومة مواكبة للعصر وتسير فى خط متوازٍ مع أجهزة الدول الأوروبية المتقدمة؟

- حققت الدول الآسيوية مثل (ماليزيا - سنغافورة - إندونيسيا - فيتنام - الصين)، بالإضافة إلى دول أفريقية مثل جنوب أفريقيا وبتسوانا وناميبيا وغانا تقدماً ملحوظاً فى إصلاح جهازها الإدارى، حيث تسير بمعدلات أسرع من مثيلتها فى الدول الأوروبية، وأنا حرصت على أن أورد هذه النماذج لهذه الدول لأنها دول ما زالت آخذة فى النمو، وكانت لديها نفس الأمراض الهيكلية التى تعانى منها مصر، ولكن هذه الدول نهجت منهجاً للإصلاح الإدارى يقوم على أربعة أعمدة، هى: إدارة الأداء الحكومى (صناعة السياسات والإنفاق الحكومى)، إدارة الموارد البشرية بشكل كفء (التدريب والتمكين)، مكافحة الفساد وميكنة الإجراءات والخدمات الحكومية.


مواضيع متعلقة