«تجارب» مختلفة و«طريق» واحد فى كل العالم: الإصلاح الإدارى «من غير لف ودوران»

كتب: إمام أحمد

«تجارب» مختلفة و«طريق» واحد فى كل العالم: الإصلاح الإدارى «من غير لف ودوران»

«تجارب» مختلفة و«طريق» واحد فى كل العالم: الإصلاح الإدارى «من غير لف ودوران»

تجارب عديدة فى بقاع مختلفة من الكرة الأرضية أقدم عليها العديد من الحكومات لإصلاح الجهاز الإدارى، من الأمريكتين إلى أوروبا إلى الشرق الأقصى وصولاً إلى المنطقة العربية، الطريق ظل واحداً والإجراءات متشابهة والتوصيات لم تختلف باختلاف المكان، بالرغم من بعض التدابير الخاصة التى ميزت تجربة عن أخرى، والمشكلات الكثيرة التى سعت كل دولة لمواجهتها.

{long_qoute_1}

الولايات المتحدة الأمريكية من أولى الدول التى بدأت فى عملية إصلاح هيكلها الإدارى، خطة شاملة بدأت بتشكيل لجنة شهيرة عرفت باسم «هوفر الأولى» بين عامى 1947 و1949، وكان الهدف منها دراسة أداء الأجهزة التنفيذية الفيدرالية ومدى كفاءتها وأهم المشكلات التى تعانى منها وكيفية التغلب عليها. اللجنة التى استعانت بفرق عمل متنوعة ومختصة انتهت إلى 273 توصية، أهمهما: «وجود عدم توازن بين مسئوليات الرؤساء فى الأجهزة وبين الصلاحيات المحدودة المعطاة لهم بما يحول دون تحقيق الأهداف المرسومة، لذلك يجب منحهم صلاحيات كافية فى مجالات إعادة التنظيم والتعامل مع الموظفين والنواحى المالية، وتبنى ميزانية تعتمد على الأداء والمحاسبية، وتبسيط إجراءات مناقشة الاعتمادات المالية، ووضع نظام متكامل وفاعل لإعداد ميزانيات الأجهزة التنفيذية، بما يسهم فى تخفيض تكاليف الرقابة على التنفيذ، وتيسير إجراءات التوظيف، وجعل سلم الرواتب يخدم الحصول على الكفاءات فى الأجهزة العامة، وتعزيز مبدأ الجدارة فى اختيار الموظفين، إلى جانب اتباع مبدأ اللامركزية فى الإدارة والتنظيم، وجمع الخدمات والنشاطات المتماثلة فى هيئة واحدة وإزالة الازدواج بين الهيئات، وتقليص عدد الأجهزة التنفيذية بما يزيل تضخم تلك الأجهزة».

لم تتوقف التجربة الأمريكية فى الإصلاح الإدارى عند لجنة «هوفر»، فبعد تفكك الاتحاد السوفيتى ومضى الولايات المتحدة بمفردها كقوى عظمى، بدأت مرحلة ثانية عام 1992 شكلت فيها فريقاً موسعاً مكوّناً من 250 عضواً، وتفرع عن الفريق الرئيسى مجموعات صغيرة مختصة فى مجالات عديدة: «الموازنة، الموارد البشرية، سوق العمل، التعليم، الصحة، الصناعة»، وتم التوصل إلى حزمة توصيات جديدة، أبرزها: «التخلص من الروتين، وتبنى اللامركزية فى سياسة التوظيف والتقييم وتحفيز العاملين والتعامل مع الأداء غير الجيد ومع الموظفين غير الجادين، وتيسير إجراءات المشتريات، وتبنى اللامركزية فى أعمال الشراء، وتمكين الأجهزة العامة من تأمين المشتريات التى تلزمها، وتطوير أجهزة الرقابة وربط دورها بتحقيق الأهداف، وتوفير الصلاحيات اللازمة للهيئات والأجهزة التى تمكنها من أداء دورها، وتمكين الموظفين من الأداء المتميز عن طريق محاسبتهم على النتائج وإشراكهم فى صنع القرارات وإكسابهم المهارات، وترشيد الإنفاق وتعزيز جوانب الإيرادات والاستثمار فى الجوانب الإنتاجية»، وفى خطوة إيجابية استعانت الإدارة المركزية بمجموعات من الموظفين أنفسهم، للترويج للإجراءات الجديدة وتشجيع جميع العاملين على تنفيذها والالتزام بها.

فى اليابان، كان «الحاسوب» كلمة السر فى بداية إصلاح الجهاز الإدارى، بعد قرار مجلس الوزراء بتعميمه فى جميع الهيئات ومراحل العمل والاستغناء عن الأعمال الكتابية والورقية تماماً، ما أدى إلى تحقيق قدر كبير من الترشيد والكفاءة فى الإدارة وخفض النفقات واختصار مراحل العمل، اشتملت خطة الإصلاح اليابانية - التى بدأت قبل 40 عاماً- على 1100 تدبير فى مختلف المجالات، وركزت على تحقيق اللامركزية، وخفض عدد العمال فى الأجهزة الحكومية، ودمج عدد من الأجهزة، منها «اللجنة المركزية لعلاقات العمل» و«لجنة علاقات العمل بالمشروعات الاقتصادية الحكومية» فى جهاز واحد، وتشجيع تبادل الموظفين بين الوزارات والهيئات بهدف زيادة درجة الخبرة لدى موظفى الحكومة، ووضع تدابير فورية للإفصاح عن المعلومات لتحقيق النزاهة والديمقراطية.

البداية بقمة الهرم الإدارى، هى السمة المميزة لعملية الإصلاح التى شهدتها الصين، حيث تم تحديد حصص للوظائف القيادية مع توصيفها بصورة دقيقة من حيث «المهام والمهارات المطلوبة والفئة العمرية»، كما اتخذت الحكومة الصينية إجراءات ساعدت فى تخفيض العدد الإجمالى للوزارات والأجهزة الإدارية العليا والاستغناء عن حوالى 40% من إجمالى الموظفين العموميين، وتشكيل هياكل إدارية رشيدة تتمتع بالمرونة والكفاءة وتبتعد عن التعقيدات البيروقراطية، تحصر دور الحكومة المركزية فى وضع الرؤية والأهداف، على أن تُترك لإدارات المشروعات العامة والأجهزة المحلية مسئولية التخطيط والتنفيذ، مع قيام الحكومة بدورها فى بالرقابة عن بعد والمساءلة الإدارية ومتابعة تنفيذ السياسات وتوفير الخدمات، الهيكلة الإدارية التى شهدتها الصين ساعدتها على أن تصبح فى مقدمة الاقتصاد العالمى.

المنطقة العربية أيضاً شهدت واحدة من أهم تجارب الإصلاح الإدارى على مستوى العالم، استطاعت الإمارات بعد أعوام من تنفيذها الحصول على المركز الأول عالمياً فى مجال الكفاءة الحكومية وجودة القرارات وغياب البيروقراطية، وفق التقرير الذى أعدته منظمة التنافسية العالمية لعام 2013، التجربة الإماراتية التى تضع سياسات تمتد إلى 2021 ومر عليها نحو 7 أعوام منذ بدئها فى 2009، بدأت من خلال تشخيص وتحليل واقع الموارد البشرية الحكومية، وتوفير جميع الإحصائيات حول نسبة العاملين فى الدولة بصفة عامة، ونسبة العاملين فى القطاع الحكومى، ومعدل النمو فى القوى العاملة، ومستويات الكفاءة والمهارات المتوافرة والمهارات الغائبة، وتحليل نقاط القوة والضعف، ولجأت الإمارات فى إطار تحقيق خطتها إلى تشكيل مجلس تنفيذى بكل إمارة لتولى مسئولية التنسيق بين جميع وزارات الدولة وهيئاتها وشركاتها ووضع الخطط الاستراتيجية وبطاقات الأعمال ومتابعتها. البعد الثقافى لم يكن غائباً عن الخطة الإماراتية، إذ ركزت الحكومة على تبنى ونشر وإرساء ثقافة التطوير لدى العاملين بالقطاع الحكومى، وتبنى معايير ثقافة العمل ذات الإنتاج والأداء العالى والتنافسية.

 


مواضيع متعلقة