بروفايل| أحمد زكي.. "البطل المُكتئب"

كتب: سلوى الزغبي

بروفايل| أحمد زكي.. "البطل المُكتئب"

بروفايل| أحمد زكي.. "البطل المُكتئب"

كل وجه كان يليق به، لونُه ثابتٌ وتتبدل ملامحه بين الإمبراطور والباشا والبواب والمستهتر وصاحب المعالي، يتشرّب كل الشخصيات، يصنعُ البهجة وإن واجه المجتمع بفسادِهِ، ويُحرك العقول، وإن غلّفت الضحكة أحداث عمله، وبين هؤلاء عاش يُصدّر بهجة لا يملكها، وكأن اللقب الأجدر لأحمد زكي "البطل المُكتئب".

"واحد يقول أحمد زكي اتخانق وساب التصوير، لازم يا يقول ليه يا يقول مجنون بس، للأسف الناس بطلت تقول ليه، بقى فيه حكم مسبق عايز ترميه على الراجل ده وخلاص.. للأسف فيه نفوس مريضة كثيرة جدًا"، على هذه الشاكلة من الانتقادات التي أخبر بها "البطل" الصحفي والكاتب بلال فضل كما نشر الأخير، طاردت "النمر الأسود" طوال مسيرته الفنية التي بدأت منذ منتصف السبعينات، حتى وفاته في 27 مارس عام 2005، عقب انتهائه من تصوير فيلم "حليم".

موهبتُه الاستثنائية وتجسيده لعدد من الأعمال السينمائية الخالدة، لم تكن شفيعًا له في حياته، وتعرض خلال مشواره الفني للعديد من الحروب التي كان يمكن لبعضها أن يعبر بسلام لو تجاهله ولم يلق له بالًا، لكنه كان يعيش على أعصابه طيلة الوقت، ولذلك نجح حتى مشعلو الحروب الصغيرة في هدفهم، واستنزفوا كثيرًا من طاقته، وأضاعوا وقتًا ثمينًا من عمره، في معارك كان فن التمثيل أبرز الخاسرين فيها، حسب ما أورده "بلال فضل" الذي كان قريبًا من زكي في مقاله "الموهوبون في الأرض".

"اكتئاب تناوبي".. المصطلح الذي ارتضاه للتعبير عن حزنه الدائم، متمنيًا أن يحصل على قسطِ من السعادة ولو لمدة 5 دقائق في السنة، رافضًا أن يستهلك نفسه داخل مجتمعات مادية، حتى استهوى "دور البرد في العضم" ليُنسيه الدنيا وما فيها، معتبرًا إياه علاج للاكتئاب الدائم.

ولم يسلم "زكي" من الهجوم حتى بعد وفاته، وكتب السيناريست مصطفى محرم مقالًا يقول فيه إن "أحمد زكي ليس الممثل الأول إنما ترتيبه بعد عادل إمام ومحمود عبدالعزيز، وإنه كان يعمل احتياطيًا لهما، ولم يكن يرتاد ملاعب أو أستوديوهات الفن إلا في حالة إصابة أو اعتذار النجمين المذكورين"، وأن الراحل "لا يطاول هامات وقامات فنانين آخرين مثل الأساتذة محمود ياسين ونور الشريف فضلًا عن نجم النجوم الأستاذ زكي رستم ومحمود المليجي وفريد شوقي"، كما رصدت صحيفة "الرياض"، التي أبرزت ردود النقاد على ما قاله السيناريست.

"عبقرية أحمد زكي لا تحتاج إلى نظريات أرسطو أو أكاديمية أفلاطون أو شهادة مصطفى محرم"، رد الناقد دكتور إبراهيم السايح على ما قاله سابقه، قائلًا: "مع خالص الاحترام والتقدير لكل من أورد الأستاذ محرم أسماءهم، نود فقط أن نلفت النظر إلى أن الفنان أحمد زكي يتفوق على كل هؤلاء في قدرته الفذة على التوحد مع المشاهدين في كافة الأدوار التي لعبها، فالفنان أحمد زكي يختلف عن معظم معاصريه وسابقيه من نجوم التمثيل في التنوع اللامحدود للأدوار التي قام بها والإجادة الفائقة التي أدى بها هذه الأدوار".

نفس دهشته من نفسه حينما يعود إلى حياته تاركًا شخصية احتلت فؤاده ووجدانه كانت حينما يجد نفسه في معركة مع عدد من نقاد عصره طوال الوقت في محاولة لإثبات ذاته ومنهم في إحباط معنوياته، والصحافة الصفراء، والمنتجين الذين أهدروا "حقوقه المادية، وتقليل أجره بشكل يستفز كرامته، ووصولًا إلى تخفيض ميزانيات أفلامه بعد الاتفاق عليها وتقليل أيام التصوير والمونتاج، والاسترخاص في معدات الإضاءة وأجور الفنيين، لتخرج الأفلام بشكل أقل فنيًا مما كان يحلم به أحمد زكي، الذي كان يخوض في حالات كثيرة خناقات حامية ليس مع المنتج فقط، بل مع المخرجين الذين تضطرهم الرغبة في إنجاز الفيلم إلى القبول بتنازلات لكي تسير المركب"، بحسب مقال "الموهوبون في الأرض" لبلال فضل.

قدّرته الأجيال المتعاقبة حق قدره، يعيش في وجدانهم ويتربع على محركات عقلهم، يحفظون أعماله عن ظهر قلب، ويعيدون ويزيدون في أغنى أفلامه المُفصلّة على واقع كل عصر، وشُيَعت جنازته ملفوفًا بعلم مصر، عن عمر ناهز 56 عامًا، شأنه شأن القلائل من الفنانين العظماء، الذين تركوا الحياة في جنازة جماهيرية لا يغمرها غير حب أولي الذوق الرفيع.


مواضيع متعلقة