بروفايل| حسين كمال.. مُخرج الأزمات

بروفايل| حسين كمال.. مُخرج الأزمات
لم تهتز ذاته الفنية يومًا إذا ما واجهه النقاد بـ"الفشل"، فكان يزداد حبًا لأفلامه التي فشلت جماهيريًا ويتعاطف معها بشدة، اختار الصراع بين الخير والشر، وخيار الإنسان بينهما مسبكًا لأفلامه، حتى أضحت كل أفلامه تتسم بالتحديات منذ أول فيلم أخرجه حتى الأخير، فكان حسين كمال "مخرج الأزمات".
لا يستطيع كمال المفاضلة بين أعماله لأنها متنوعة ومختلفة، حتى آخر يوم في حياته 24 مارس 2003، وصمم على إخراج جميع أنواع الأفلام حتى يثبت أنه لا يوجد تخصص في الإخراج، لأن الإخراج هو نقل شريحة من الحياة برؤية خاصة إلى الشاشة، والحياة مليئة بالمتناقضات، حسبما قال في حوار له.
لم يتفق المخرج السينمائي مع النقاد، وقتما أشادوا بفيلمه "المستحيل" عام 1965، اعتبره كمال كارثة، على الرغم من اختياره له بإرادته حينما زارنه المخرج صلاح أبوسيف في "فيلمنتاج"، الاسم التجاري لشركة الإنتاج السينمائي العربي، وكان رئيسها، وأعطاه أكثر من قصة ليختار منها فوقع اختياره على "المستحيل" لأنه كان يريد أن يبدأ حياته السينمائية بفيلم صعب، ولم يستوعب الجمهور الفيلم الروائي بإخراجه، فحطم دار العرض استياءً، واعترف كما بأنه كان بالنسبة إليه استعراض عضلات وإثبات وجود، فكانت القصة تتحدث عن تناقض مشكلات الطبقة فوق المتوسطة.
الفشل في أول تجربة إخراج أصابت صاحبها بالضيق لكن اليأس لم يتسلل إليه، رغم رفض 4 مخرجين ونجمة كبيرة المشاركة في فيلم "البوسطجي" 1968، قرر كمال تنفيذه ودخل ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في التاريخ السينمائي المصري، رغم عدم اقتناع الجمهور حينها به لنهايته القاسية بقتل الأب لابنته بعد علمه بحملها سفاحًا، وعدم نجاح مؤلف القصة يحيى حقي، في إثناء كمال عن هذه النهاية التي آثرها المخرج الواقعي.
التعبير عن القهر في كل العصور، التيمة الأساسية لفيلم "شيء من الخوف" 1969، ورغم محاولات منعه لما رآته الرقابة من إسقاط على الحكم، ووصل للرئيس الراحل جمال عبدالناصرأن كمال وثروت أباظة يقصدانه بشخصية "عتريس"، وعليه مُنع الفيلم فترة، بينما رأى كمال أن الإسقاط راجع إلى المتلقي لا إلى صانع الفيلم، لأن مخرج الفيلم لا يمكن أن يقول إنه يقصد هذا أو ذاك، لكن متلقي الفيلم هو الذي يقول، وبعد مشاهدة "ناصر" للفيلم في عرض خاص أُعجب به وصرّح بعرضه، وضحك قائلا: "والله أنا لو مثل عتريس استحق الحرق"، كما روى كمال في حوارٍ له.
حطم المخرج الواقعي مقولة إن أفلامه الجماهيرية دائمًا تفشل، بتقديمه لفيلم "أبي فوق الشجرة" 1969، بعد إصرار العندليب عبدالحليم حافظ على إخراج كمال له، رغم رفض الشركة الإنتاجية له بحجة فشل أفلامه الجماهيرية مثل "البوسطجي" و"المستحيل"، رغم إشادة النقاد به الذين هاجموا أنفسهم ذلك الفليم، وقال كمال إن هذا الفيلم هو ظاهرة السينما المصرية، وأول فيلم تظهر فيه أغنية الفيديو كليب قبل أن يخترعوه أخيرًا، ولم ير أن الفيلم تجاريًا فهو ظل معاصرًا بعد 30 سنة من عرضه.
لم تنته أزماته، من عدم النجاح الجماهيري لتوقف عرض، لحذف مشهد من فيلم "ثرثرة فوق النيل" 1971، بقرار من وزير الثقافة آنذاك، حيث كان مشهدًا لجماعة يلهون فوق تمثال رمسيس والكاميرا ترتفع عنهم حتى يصبحوا كالديدان، وهذا المشهد مذكور في رواية نجيب محفوظ عبر جملة "كنا نختبر الحضارة"، لكن الوزير لم يحذف المشهد من أشرطة الفيديو.