«أراجوز» إنما فنان ده كان زمان

10:32 م | الاثنين 21 مارس 2016

جماهير عريضة، كبار وصغار، صوت مميز، حكايات بلا حصر حول المجتمع والحكام الظالمين، والزوجات النكديات والأزواج المتحكمين، من شارع إلى شارع، تستمر العروض وتستمر الجماهيرية، لكن يبدو أن الأمور لم تعد كسابق عهدها، اختلفت الأحوال وأصبح الأراجوز «عملة نادرة»، حتى هؤلاء الذين ارتبطوا لسنوات طويلة به ودّعوه.

تاريخ طويل من العمل فى مجال عروض الأراجوز قضاها والد الشاب «أدهم السايح» فى الإسكندرية، ليصبح بطلها الأول فى هذا الفن، قبل أن تتوفاه المنية، ليواصل ابنه المشوار بورش عمل وعروض مجانية لأطفال الشوارع، لكن شيئاً لم يعد كما كان: «ماعدتش باقدمه خلاص، الأراجوز اختفى من الشارع، الجمهور موجود، لكن الأراجوز ماعادش ينفع كوظيفة».

{long_qoute_1}

سمر ماهر، الشابة الثلاثينية التى تعشق العروض المقبلة من التراث المصرى، ومنها «الأراجوز» شاهدته لأول مرة فى حياتها خلال أحد العروض الخيرية بمستشفى «57357» لم تره من بعدها أبداً، ولم تعتبر الأمر غريباً: «باكتفى إنى باشوفه كجزء من مشهد فى فيلم قديم، أبيض وأسود، لكن زيه زى حاجات كتير ماعادتش موجودة، التليفزيون احتل مساحة كبيرة من الاهتمام والأطفال وحتى الكبار، عندنا ندخل السينما أو نمسك لعبة (3D) أفضل من أراجوز بيقول حكمة».

سمر ماهر

من داخل منزله فى القليوبية، قرّر الشاب محمد السيد، الطالب فى الفرقة الثانية بكلية الآداب، أن يصبح لاعب «أراجوز» دون مقدّمات، أتته الفكرة، فانطلق يُنفّذها: «الفكرة جات بالظبط من سنة، كنت عاوز أتكلم عن الأحوال الجارية، لكن مش بالشكل المعتاد، فكرت فى الأراجوز، وأنه أقدم وسيلة لتنفيذ الهدف عرفها المصريون»، أنشأ «محمد» صفحة عبر «فيس بوك» يعرض من خلالها مقاطع فيديو لـ«الأراجوز» الذى قام بتنفيذه فى منزله.

لم يحظَ «محمد» وجيله من مواليد 1995 بفرصة التعرّف على الأراجوز عن قُرب، جل ما يعرفه عنه يلخصه بقوله: «المعلومات اللى أعرفها عن الأراجوز أنه دمية بيتحكم فيها شخص عن طريق اليد أو الخيوط، مش حاجة سهلة، وبيحتاج تدريب كتير، بس بداية ظهوره كان الوجه ثابت والجسم هو اللى بيتحرك، دلوقتى دخلت عليه تعديلات كتير».

«أنا شخصياً عمرى ما صادفت عرض أراجوز فى الشارع، اللهم إلا عرضاً وحيداً شفته فى طفولتى وماتكررش»، يتحدث مصطفى الصباح، عضو فرقة الأراجوز وخيال الظل، التى تقدم عروضها فى بيت السحيمى أسبوعياً، منذ عام 2003 وحتى الآن، محاولة للإبقاء على الفن الذى قارب على الاندثار، قادها الدكتور نبيل بهجت بمعاونة فرقة «خيال الظل» وبطلها الأول «عم صابر».

ما زال «مصطفى» يتذكّر الشكل المميز لـ«الأراجوز»: «شفت الأراجوز ومراته (كشكليوز)، شفت عربيته وتكوينها كان عامل إزاى، والنمر الأصلية عمرى دلوقتى 32 سنة آخر مرة شفته كان عندى 10 سنين». يلخص الفنان الشاب أزمة الأراجوز: «إشكاليته أنه فن شعبى، ونتاج تجربة طويلة يخوضها الفنان الهاوى مع أسرته التى تورثه المهنة أو من خلال الاختلاط بأرباب الفن فى الموالد والمناسبات، فنانو الأراجوز أصبحوا قلة بسبب تراجع عدد الفنانين، إما بالوفاة أو بامتهان وظائف أخرى».

يُفرّق «مصطفى» بين نوعين من فنانى «الأراجوز»: «الأراجوز له سمات، نادراً ما يحافظ عليها أحد، بداية من الصوت، حيث يستخدم آلة معينة للحصول على الصوت الشهير للأراجوز، ولذلك نرى فنانين كثيرين يعتمدون على صوتهم الشخصى لا صوت الأراجوز لصعوبة استخدام الآلة، كذلك تكوين العروسة الذى اختلف كثيراً، لا يلتزم الآن الفنانون بالزى الأحمر والطرطور الطويل، رغم المعانى التى يحملها هذا الشكل». يرى عضو فرقة «ومضة»، أن فنان «الأراجوز» الحقيقى هو من يمتلك تلك العلاقة الأثيرة مع البيئة الشعبية، ينخرط معها ويتعايش مع مشكلاتها، سواء الاجتماعية أو تلك التى ترتبط بالحاكم وزبانيته والأحوال السياسية الصعبة، فالأمر ليس خطاباً سياسياً بليغاً، كما هو الحال الآن، وإنما المسألة تتعلق بأفكار عالمية تمس من يشاهدها على اختلاف لغته وجنسيته»، فالأراجوز فى رأى «مصطفى» عابر للثقافات والأفكار المحلية.