بروفايل| «عبدالناصر».. ميلاد الزعيم

09:09 م | الخميس 14 يناير 2016

فى منزل صار اليوم حطاماً فى شارع «قنواتى» بحى باكوس السكندرى العريق، ارتفعت صرخات الرضيع الأولى فى 15 يناير 1918، لتعلن عن مولد الابن الأول لعبدالناصر حسين، ساعى البريد الفقير القادم من قرية بنى مر بصعيد مصر، معها هرول الرجل ليطمئن على زوجته «فهيمة»، ابنة تاجر الفحم، ويحتضن وليده، يتفحصه برفق ولهفة شديدة، ثم يودعه بين يدى أمه المنهكة من مخاض الولادة لتسميه «جمال».

اهتم «البوسطجى» الفقير بتعليم ابنه الأكبر، فأودعه روضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ومنها التحق بالمدرسة الابتدائية بالخطاطبة بين ١٩٢٣ و١٩٢٤، ومع الشهور شب الطفل ليترك عروس البحر المتوسط، نحو قاهرة المعز، ليسكن فى كنف عمه خليل حسين، ويلتحق بمدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية.

لم ينقطع «جمال» عن زيارة أهله بالإسكندرية بين الحين والآخر، وحين توجه إلى زيارة أهله بالخطاطبة فى عطلة الإجازة الصيفية، عام 1926، وجد والدته وقد واراها الثرى قبل أسابيع ولكن الجميع تملكه الخوف من إبلاغه بذلك «لقد كان فقد أمى فى حد ذاته أمراً محزناً للغاية، أما فقدها بهذه الطريقة فقد كان صدمة تركت فىَّ شعوراً لا يمحوه الزمن»، هكذا يروى «ناصر» لـ«دافيد مورجان»، مندوب صحيفة «الصنداى تايمز».

مع إلغاء دستور 1923، كانت لحظة فاصلة فى حياته، حينما وقف ليشاهد صداماً بين زملائه من تلاميذ المدرسة وبعض عساكر البوليس، لم يتمالك نفسه، وانضم مسرعاً لزملائه فى تلك المظاهرة دون معرفة منظميها ولا سببها، حاول أن يلقى حجراً فى مواجهة الشرطة، ففاجأته بعصا على رأسه ليسقط جريحاً.

يتصل الفتى بجميع التيارات السياسية، ينضم لمصر الفتاة، ويتركها بعد عامين، ثم يتصل بالإخوان، ويضيق ذرعاً بالأحزاب، ولا يجد مفراً من الالتحاق بالجيش المصرى؛ لإيمانه أن التغيير لن يحدث إلا بجيش قوى، ينشئ مع زملائه من خريجى الكلية الحربية تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش لمحاربة الفساد فى الدولة، يقود حركة مباركة تنجح فى إزاحة الملك فاروق عن العرش فجر 23 يوليو 1952، ويبدأ فى بناء دولة قوية بجيش قوى تخدمها صناعة ثقيلة، قبل أن ينهار كل ذلك بهزيمته الفادحة فى عام 1967، يقضى بعدها ثلاث سنوات فى التحضير للثأر غير أن القدر لا يمهله إذ يلفظ أنفاسه الأخيرة مساء يوم 28 سبتمبر عام 1970 داخل غرفته وعلى سريره الشخصى.