«كنيسة القيامة».. الطريق مسدود أمام المدينة المقدسة

«كنيسة القيامة».. الطريق مسدود أمام المدينة المقدسة
داخل أروقة كنيسة القيامة، حيث شهدت اللحظات الأخيرة للمسيح على الأرض وقيامته، يسود الصمت، ولكن ليس كسائر السنوات، حيث تُستعاد ذكرى آلام المسيح، لتتحول الطقوس هذا العام إلى ما يشبه صرخة حية من قلب الجرح الفلسطينى المفتوح.
«أسبوع الآلام لطالما حمل رهبة خاصة، إذ تُستحضر اللحظات الأخيرة من حياة السيد المسيح، من آلامه وصلبه وحتى قيامته المجيدة، وتُقام الصلوات والمراسم من أحد الشعانين حتى أحد الفصح»، قالها أديب جودة، أمين مفتاح الكنيسة، لـ«الوطن» بنبرة مليئة بالحزن. يرى «جودة» أن أسبوع الآلام هذا العام لم ينتهِ بعد: «فلقد طال واستمر على هذه الأرض التى لا تزال تنزف».
فى الكنيسة التى تُعد رمزاً للقيامة بعد الألم، تقام الصلوات فى مشهد يتجاوز الطقوس «الصلوات ممزوجة بالبكاء»، كما وصفها «جودة»، و«الدعاء يحمل رجاءً من أجل أرواح الشهداء، وشفاء الجرحى، وعودة السلام والعدل لأرضٍ تنزف منذ عقود، طقوس هذا العام ليست فقط ذكرى، بل هى استحضار حى للآلام التى ما زالت تتكرر على أرض المسيح».
فى أسبوع الآلام، لا يستطيع كثير من الفلسطينيين الوصول إلى القدس وكنيسة القيامة خلال تلك الأيام المقدسة، حيث يفرض الاحتلال الإسرائيلى إجراءات تعسفية مشددة تمنع الزائرين، خاصة من الضفة الغربية وقطاع غزة، من الدخول إلى المدينة المقدسة.
أمين مفتاح الكنيسة فى رسالة للعالم: لا يمكنكم الاحتفال وأنتم تغضون الطرف عن شعب يُصلب كل يوم
يؤكد أمين مفتاح الكنيسة أن الممارسات الإسرائيلية تجاه دور العبادة «انتهاك صارخ لحقها»، مشدداً على أن الفلسطينيين يرفضون هذه السياسة التى تحرم المؤمن من الوصول إلى أماكنه المقدسة، مطالباً المجتمع الدولى بتحمل مسئولياته والضغط لوقف هذه الانتهاكات المستمرة بحق أبناء الشعب الفلسطينى، مسيحيين ومسلمين على حد سواء.
ومن قلب الكنيسة التى قضى فيها المسيح اللحظات الأخيرة على الأرض قبل أكثر من ألفى عام، يوجه «جودة» رسالة للعالم: «فلسطين ما زالت تنزف، ولكنها ما زالت تؤمن رغم الألم والدمار، ما زلنا نحمل رسالة المحبة والرجاء، ونؤمن بأن العدالة ستنتصر فى نهاية المطاف، لا يمكنكم أن تحتفلوا بعيد القيامة وأنتم تغضون الطرف عن شعب يُصلب كل يوم على هذه الأرض، لا تُكملوا صمت بيلاطس تحلّوا بالشجاعة الأخلاقية، وكونوا صوتاً للحق، للسلام، ولإنهاء الظلم الذى يعيشه شعبنا».
وفى غزة، حيث الدخان يسبق الضوء، والألم يسبق الأمل، يرى الفلسطينيون فى صليب المسيح مرآة لواقعهم اليومى، ويقول أمين مفتاح كنيسة القيامة: «لا يسعنا إلا أن نربط بين آلام المسيح على الصليب، وآلام أطفالنا وأمهاتنا وشيوخنا الذين يسقطون شهداء تحت القصف والدمار، فالمسيح صُلب هنا، واليوم يُصلب شعب بأكمله على هذه الأرض المباركة». وسط هذه الأجواء، يقول «جودة»: «كما صمت الكثيرون عند صلب المسيح يصمت كثيرون اليوم أمام المأساة التى يعيشها شعبنا، لكننا، من هذا المكان المقدس، نرفع صوتنا عالياً: لا للظلم، لا للاحتلال، لا للصمت، نعم للعدالة، نعم للكرامة، نعم للسلام المبنى على الحق».