الشاعر أشرف البولاقي: لقاءٌ وحيد في محبة الطاهر أحمد مكي

الشاعر أشرف البولاقي: لقاءٌ وحيد في محبة الطاهر أحمد مكي

الشاعر أشرف البولاقي: لقاءٌ وحيد في محبة الطاهر أحمد مكي

منذ الأسبوع الأول لالتحاقي بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، في ثمانينيات القرن الماضي، كان الأستاذ الدكتور الطاهر أحمد مكي، واحدًا مِن أهم الأسماء التي كنت أتطلع للنظر إليها، وأحلم أن أجلس إليهم مجلس الدرس، هو والدكتور أحمد شلبي، وعبد الصبور شاهين، وكمال بشر وغيرهم.

ولقد ترجِع معظم أسباب فتنتي وغرامي وتطلّعي لرؤيتهم لشهرتهم الإعلامية والتليفزيونية تحديدًا، لكنّ سببي مع الدكتور الطاهر مكي كان لقراءتي لثلاثةٍ من كتبِه في المرحلة الثانوية، كتاب، امرؤ القيس: حياته وشعره، وكتاب الشعر العربي المعاصر: روائعه ومدخل لقراءته، وكتاب طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي.

أشرف البولاقي

وكان كتابه الأول واحدًا مِن أهم الكتب التي فَتحت أمام عينَي آفاقًا وعوالم جديدة في قراءة الشعر الجاهلي، وكان كتابه الثاني مدخلي للقصيدة الشعرية الحديثة والمعاصرة، وكان كتابه الأخير تربيتةَ حكيمٍ على كبد عاشقٍ صغير السن يخطو أولى خطواته في عالم الهوى.

وقد شاءت الأقدار أن يدرّس لي في الفرقة الأولى والثانية الأستاذن الدكتوران شلبي وشاهين، وكان عليّ أن أكمل دراستي عامًا أو عامين لأظفر بمتعة تَلقّي العلم على يد الدكتور الطاهر مكي، لكنّ نزقي وطيشي وقتها حالا دون أن أتِم دراستي، بعد أن طوّفتُ في الكلية أربع سنواتٍ كاملة لم أتجاوز خلالها الفِرقة الثانية، مما حرمني من شرف الجلوس طالبَ علمٍ أمام الدكتور مكي، وما أكثرَ ما ضبطتُ نفسي أقف في طرقات الكلية، أنظر إليه وهو خارجٌ من محاضرةٍ يمشي بثقةٍ وتؤدة رافعًا رأسه.

بعد ثلاث سنوات في الفِرقة الثانية بكلية دار العلوم تم فصلي لاستنفاذ مرات الرسوب، وعدت إلى إقامتي بمدينة قنا، وبدأت أشارك في الندوات والأمسيات الشعرية، وبدا للناس أنني شابٌّ أتقن العربيةَ وآدابها، وعجبَ مَن عجبَ من أمر دراستي وفصلي، حتى حدّثني وقتها الصديق الأستاذ الدكتور قرشي عباس دندراوي، الأستاذ بكلية الآداب بجامعة جنوب الوادي بقنا -وكنا في أوائل التسعينيات- عن أن الدكتور الطاهر يزور الكليةَ بين وقتٍ وآخر، محاضرًا، أو مشرفًا على رسائلَ علمية، فاقترح عليّ أن أشارك في أمسيةٍ شعرية بكلية الآداب في حضوره، ولا بأس أن أقص عليه أمري لينظر فيه، لا سيما وأن الدكتور الطاهر مكي وقتها كان وكيلاً للكلية.

وهو ما استجبتُ له، ليس من أجل أن ينظر الرجل في أمري، فلقد كنت أدرك استحالة تغيير ما حدث، لكن موافقتي جاءت من أجل لقائه والجلوس إليه، وتحقيق حلمي القديم... وهو ما تم بالفعل، إذ حضر الدكتور الأمسية الشعرية، وافتتحتُ وقتها مشاركتي بمفتتح شعري أنشدت فيه قولي:

وأعرجُ يا صحابُ كأنّ دهري.. يناصِبني العداءَ بلا جناحِ

تحاربني البلادُ بكل عنفٍ.. وليس سوى ابتساماتي سلاحي

وإنْ أكُ قد فُصِلتُ كدرعميٍّ.. فما حَرَمُ الآدابِ بمستباحِ

فصِرتُ وقد تَنكّر لي زماني.. أبيع السُّكْسُكيةَ في الصباحِ

وخلوتُ بعد الأمسية إلى الدكتور الطاهر، وكان صديقنا الدكتور قرشي دندراوي قد حدّثه عن مشكلة فصلي، فطلب مني أن أقص الأمر، ففعلتُ.. فما كان منه إلا أن قال لي أنت الآن شاعرٌ كبير، أفضل مِن مئات الشهادات الجامعية!

كان هذا هو لقائي اليتيم بالدكتور الطاهر مكي، ولقد أحمد اللهَ أن ظفرتُ به، وما أزال حتى لحظتنا هذه محتفظًا بكتبه الثلاثة، بطبعاتها القديمة.

رحمه الله وغفر له.


مواضيع متعلقة