صاحب أسطورة «محجوب عبد الدايم».. مذكرات حمدي أحمد تحكي مسيرته من القاهرة 30 إلى ثورة 30 يونيو

صاحب أسطورة «محجوب عبد الدايم».. مذكرات حمدي أحمد تحكي مسيرته من القاهرة 30 إلى ثورة 30 يونيو

صاحب أسطورة «محجوب عبد الدايم».. مذكرات حمدي أحمد تحكي مسيرته من القاهرة 30 إلى ثورة 30 يونيو

لا شك أن للسياسة دورا كبيرا في صناعة النجوم في مختلف المجالات، إلا أن العكس تماما كان الحال مع الفنان الراحل حمدي أحمد، حيث لعب الفن الدور الأبرز في تشكيل مسيرته، ورسم طريقه إلى عالم السياسة، فقد سبق الفنُ السياسة في حياته بفارق كبير، وكان هو الجسر الذي أوصله إلى هذا المجال.

يكشف كتاب «حمدي أحمد – من القاهرة 30 حتى ثورة 30 يونيو» للكاتب الصحفي السيد الحراني جانبا من كواليس هذا المشهد، صدر الكتاب عن سلسلة «كتاب اقرأ»، إحدى أعرق سلاسل النشر الأدبي التي تصدرها دار المعارف، ويأتي في 200 صفحة من الحجم الصغير، متضمنا عشرة فصول، ويزين غلافه إبداع فني من رسام الكاريكاتير الكبير محمد عطية.

وقال «الحراني» عن كتابه، إنه عبارة عن حصاد مجموعة مسلسلة من الأحاديث الصحفية المطولة والمسجلة مع الفنان الراحل حمدي أحمد، في فترة دقيقة واستثنائية في تاريخ مصر والمنطقة العربية، ما بعد أحداث 25 يناير 2011.

وأضاف أن هذا الكتاب يحمل المذكرات الشخصية والسيرة «الفنية» و«السياسية» الوحيدة التي صدرت لـ«حمدي أحمد»، خرجت منه شهادة على العصر الذي عاشه، وتوثيق للكثير من الأحداث والمواقف التي عاصرها بين الفن والسياسة والمجتمع المصري والعربي والعالمي، فهو فنان مصري يعد أحد نجوم «السينما» و«المسرح» و«الإذاعة» و«التليفزيون»، منذ ستينيات القرن الماضي.

حمدي أحمد

يكشف الكتاب عن الحضور الطاغي لـ«حمدي أحمد» في الساحة الفنية والسياسية، حيث تميز بأداء شخصيات معقدة تركت بصمة لا تُمحى في ذاكرة الجمهور، ومن أبرز أدواره التي لا تزال محفورة في الوجدان، تجسيده لشخصية «محجوب عبد الدايم» في فيلم «القاهرة 30»، الذي أصبح أيقونة سينمائية تعكس تحولات المجتمع وصراعاته.

يستعرض السيد الحراني في كتابه، وعلى لسان حمدي أحمد، محطات فارقة في مسيرته، كاشفًا عن مواقفه السياسية الجريئة التي قد لا يكون أغلب جمهوره على دراية بها. يروي الكتاب كيف بدأ وعيه السياسي منذ فترة الاحتلال البريطاني، حين تعرض للاعتقال عام 1949، مرورًا بمرحلة ثورة 23 يوليو 1952، وعلاقته بـالاتحاد الاشتراكي الذي حكم به جمال عبد الناصر مصر، والمواقف التي جمعته بتلك الحقبة.

كما يتناول الكتاب دوره خلال عهد أنور السادات، حيث دخل المشهد السياسي عام 1978، مشاركا في تأسيس حزب العمل الاشتراكي، ليصبح لاحقا نائبا معارضا تحت رايته داخل البرلمان.

وفي عصر مبارك، يسجل حمدي أحمد مواقفه الحادة، واصفا الرئيس بأنه كان «متوترا» منذ لقائهما الأول داخل قصر العروبة، خاصة عندما رفض مبارك مناقشة أزمة قطيعة الدول العربية عقب اتفاقية كامب ديفيد، كما يتطرق إلى تأثير مواقفه السياسية على مسيرته الفنية، إذ اعتبر أن رفضه الانضمام إلى الحزب الوطني عام 1990، كان سببا في تجميد أعماله الفنية، ومنعها من العرض طوال فترة وجوده في البرلمان.

يأخذنا الكتاب في رحلة عميقة عبر محطات مصيرية في حياة حمدي أحمد، حيث يكشف عن مواقفه الحاسمة ورؤيته للأحداث الكبرى التي أعادت رسم المشهد السياسي والفني في مصر، يتحدث عن أحداث 25 يناير 2011، التي هزّت الشارع المصري وأعادت تشكيل معادلات القوى، بينما كان هو يصارع المرض داخل العناية المركزة، ليشهد من خلف جدران المستشفى تدافع الجماهير وصيحات التغيير التي ملأت الميادين.

وفي فصل آخر، يزيح الستار عن كواليس ثورة 23 يوليو 1952، متتبعا التحولات التي طرأت على رؤيته لجمال عبد الناصر، كيف تحول السخط إلى إعجاب، والمعارضة إلى إيمان بقضية كبرى، ويرصد الموقف الفارق الذي جمعه بالرئيس الراحل، وما دار بينهما من حديث يعكس طبيعة تلك الحقبة المشحونة بالتغيرات العميقة.

كما يغوص في تفاصيل خطاب التنحي الشهير، كاشفا عن كواليس الساعات التي اهتزت فيها البلاد، وكيف اندفعت الحشود إلى الشوارع ترفع شعارات التأييد لرئيسها الذي خسر المعركة السياسية لكنه كسب قلوب الجماهير، ولم يكن حمدي أحمد مجرد متفرج، بل كان جزءا من هذا المشهد التاريخي، يتبادل النقاشات مع رموز الفن والفكر، مثل الفنان الراحل محمود مرسي، حول اللحظة الفاصلة التي أعادت تشكيل مصير الوطن.

ويؤكد «الحراني» أن مذكرات حمدي أحمد ليست مجرد توثيق شخصي، بل مرآة تعكس روح مرحلة بأكملها، تمتزج فيها السياسة بالفن، والمجتمع بالأيديولوجيا، فالكتاب يسبر أغوار عالم السياسة المليء بالتناقضات والتحديات، كاشفا عن شخصيات مؤثرة شكلت وجدان الأمة، مثل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وجعفر النميري، رئيس السودان الأسبق.

ويكشف عن علاقاته بتلك الأسماء التي لم تكن مجرد لقاءات عابرة، بل جزءا من مسيرته النضالية ومواقفه الثابتة، فقد كانت القضية الفلسطينية والوحدة العربية أكثر من مجرد شعارات في حياته، بل مبادئ راسخة، حملها على عاتقه وسعى لترسيخها بكل ما أوتي من قوة.

يزيح الكتاب الستار عن أسرار شائكة وخبايا غير مسبوقة، تتعلق بكواليس الوفاق والصراع داخل أروقة واحد من أهم أحزاب المعارضة التي شكلت المشهد السياسي المصري عبر عقود، وهو حزب العمل الاشتراكي.

تتعمق الصفحات في كشف التحالفات الخفية والتصدعات العميقة التي رافقت تأسيس الحزب في السبعينيات، وتأثيره الممتد حتى الثمانينيات والتسعينيات، مسلطا الضوء على الوجوه البارزة التي صنعت قراراته وتوجهاته، وفي مقدمتهم زعيمه إبراهيم شكري، الذي كان محور جدل واسع حول طبيعة علاقاته السياسية والدعم المزعوم الذي تلقاه.

ومن بين أكثر القضايا إثارة، يتناول الكتاب الدور الملتبس للولايات المتحدة في المشهد السياسي المصري آنذاك، وما قيل عن دعمها الخفي للحزب، في ظل سياسة صناعة جبهة معارضة منظمة، تتوافق مع رؤية الغرب وأمريكا حول ضرورة وجود كيانات سياسية تعبر عن الرأي المخالف في مصر والمجتمعات النامية.

كما يكشف الكتاب عن الدور المثير للرئيس الراحل أنور السادات في دعم تأسيس الحزب، ليس فقط كخطوة داخلية لإضفاء طابع ديمقراطي على المشهد، بل في إطار توازنات سياسية مع القوى الدولية، ما يطرح تساؤلات حول مدى استقلالية القرار السياسي داخل المعارضة آنذاك.

وسط هذه العاصفة السياسية، برز حمدي أحمد كأحد القيادات البارزة داخل الحزب، ليصبح صوتا مؤثرا في صفوفه، ورجل سياسة قبل أن يكون فنانا.

حمدي أحمد

من خلال الحزب، شق طريقه إلى مجلس الشعب، حيث دخل إلى دهاليز السلطة ووقف وجها لوجه أمام السادات ثم مبارك، ليس كممثل يعتلي خشبة المسرح، بل كمنافس سياسي شرس، لم يكن مجرد عضو في المعارضة، بل كان جزءا من معادلة القوة، وخاض داخل أروقة الحزب أشرس معاركه السياسية، خاصة في المنافسة المحتدمة على رئاسة الحزب، تلك المعركة التي غيرت مجرى حياته السياسية، وكانت السبب في قراره الخروج والابتعاد عن الحزب إلى الأبد، ليطوي صفحة من أكثر مراحل حياته صخبا وصراعا.

على الرغم من أن الكتاب يحمل نفَسًا سياسيا قويا، إلا أنه لا يخلو من كواليس مشتعلة وأسرار لم تُكشف من قبل عن المسيرة الفنية لحمدي أحمد، حيث يفتح نافذة على المسرح والسينما والتليفزيون، متتبعا محطاته الفنية الأكثر جدلا وتأثيرا.

ويكشف عن تفاصيل علاقته بزملائه وأبناء جيله من داخل الوسط الفني، وكيف تبدلت نظرتهم إليه بعد عبوره إلى معترك السياسة، حيث أصبح صوته أكثر حدة ومواقفه أكثر وضوحا، ما جعله يدخل في صدامات لم تكن بعيدة عن الأضواء، ولعل أشهر هذه الأزمات ما حدث في كواليس واحدة من أنجح المسرحيات في تاريخ المسرح المصري، وهي «ريا وسكينة»، حيث تفجرت مشادة نارية بينه وبين الفنانة شادية في إحدى الليالي، تاركة وراءها علامات استفهام لا تزال تثير الجدل في الوسط الفني حتى اليوم.

كما يتناول كواليس الخلاف الغامض حول حقيقة انسحابه من المسرحية، وهل كان بالفعل الفنان الكبير عبد المنعم مدبولي هو السبب الرئيسي وراء ذلك، أم أن هناك من أجج النيران في الخفاء، ليجعل من هذه الأزمة واحدة من أكثر القضايا الشائكة في تاريخ المسرح المصري؟ كيف تحولت تلك المواجهة إلى حكاية تروى لعقود، ومن هم الفنانون الذين لعبوا دورا في إشعال فتيل الخلاف حتى صار حديث الأوساط الفنية لسنوات؟

الكتاب لا يكتفي بسرد الأحداث، بل يغوص في عمق الدراما الحقيقية التي عاشها حمدي أحمد خلف الكاميرا وعلى خشبة المسرح، حيث كان صوته الفني لا يقل قوة عن صوته السياسي، ليؤكد أن رحلته لم تكن مجرد أدوار تُؤدى، بل معارك تُخاض داخل عالم لا يخلو من الصراع والتنافس والتاريخ الذي يُكتب بين الكواليس قبل أن يُعرض على الجمهور.

حمدي أحمد


مواضيع متعلقة