رفعت رشاد يكتب: شبح الصين في الشرق الأوسط يؤرق أمريكا

رفعت رشاد يكتب: شبح الصين في الشرق الأوسط يؤرق أمريكا
انطلق سهم الصراع بالفعل بين الصين وأمريكا. لم يعد الأمر خافياً أو تغلفه الدبلوماسية وكلماتها المنمقة أو عباراتها المبهمة. احتدم الأمر وتتزايد يوماً بعد يوم وتيرة هذا الصراع الذى ليس مثله صراع، فهو ليس تنافساً على مغنم أو مال أو أرض، إنه صراع على قيادة العالم لقرن أو أكثر، صراع على صبغ العالم بصبغة حضارية معينة، إما أن تستمر أمريكية غربية أو صينية آسيوية.
بعد تولى الرئيس ترامب فى يناير الماضى رئاسة أمريكا قام بتجميد المساعدات الخارجية الموجهة إلى عدد من الدول الحلفاء لبلاده، ومنها دول فى منطقة الشرق الأوسط. قرار ترامب أثار التساؤلات بشأن مدى تأثيره على وجود أمريكا فى المنطقة ومدى تأثيره على قيام قوى أخرى وأهمها الصين بشغل مكانها ومكانتها.
الصين نحت فى الآونة الأخيرة منحى أمريكا بشأن تقديم المعونات والمنح لدول عديدة، خاصة فى الشرق الأوسط وأفريقيا، لكن ما تقدمه لا ينافس حجم المعونات والمنح الأمريكية فى المنطقة، إنما تركز الصين بشكل أكبر على منطقة جنوب شرق آسيا أو دول الجوار الصينى. فى كل الأحوال تحتل الصين المرتبة الثانية بعد أمريكا فى حجم ما تقدمه من منح حول العالم، خاصة فيما تقدمه فى إطار مبادرة الحزام والطريق.
تتركز المعونات والمنح الأمريكية فى مجالات المساعدات الإنسانية والتنمية الاقتصادية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتعليم والرعاية الصحية، بجانب المنح التعليمية. بينما تتركز المعونات والمنح الصينية فى مجالات التعليم والطاقة والصناعة والنقل والإنشاءات. وتمثل هذه المعونات والمنح قوة ناعمة لكلا البلدين فى الدول التى تتلقى المعونات والمنح.
تتفوق أمريكا على الصين فى هذا المجال بأنها أكثر خبرة فى تقديم المعونات التنموية بينما لا تزال الصين حديثة العهد، وتعوض الصين هذا الفارق باهتمامها بتقديم التكنولوجيا المختلفة عن التكنولوجية الغربية، ويساعدها فى ذلك قبول دول المنطقة لوجودها والتعاون معها عن أمريكا التى تساند إسرائيل وتساهم فى قتل وتشريد الشعب الفلسطينى.
تقدم الصين نفسها بصفتها قوة عظمى فعلياً، وإن كانت تروج أنها مجرد دولة من دول العالم الثالث، وهى بهذا التقديم ترسل رسالة مفادها أنها داعم سخى للدول النامية فى حالة استمرت فى تعظيم قوتها سياسياً واقتصادياً. ومن خلال ما تظهره أجندة الصين نجد أن هناك تناغماً وانسجاماً بين الصين ودول المنطقة، لذلك فإنها إذا أرادت أن تحتل فعلياً مكانة أمريكا، عليها أن تنفق أكثر لدعم قوتها الناعمة وزحزحة أمريكا ترامب التى تتجه إلى الاقتصاد فى تقديم المنح والمعونات.
التنافس بين أمريكا والصين لا يقتصر على مجالات القوة الناعمة، إنما تنتشر القواعد العسكرية للبلدين فى منطقة الخليج العربى والقرن الأفريقى، فى الخليج العربى تتحالف الصين مع إيران ولها علاقات جيدة مع دول الخليج العربية وكذلك لها قواعد فى دول شرق أفريقيا أو القرن الأفريقى. وتتميز علاقات الصين مع دول المنطقة بانعدام العدوانية من جانبها، على عكس أمريكا المستغرقة فى صراعات المنطقة كطرف أصيل كقيامها بضرب الحوثيين أو دفع إسرائيل لتدمير غزة وتنفيذ توجهات ترامب بشأن تهجير أهلها. وهو ما يجعل الصين حليفاً مقبولاً لدى دول المنطقة، بجانب كونها قوة اقتصادية عملاقة يمكنها أن تساعد بقوة فى عملية التنمية لدى دول المنطقة.
إن التنافس الأمريكى الصينى يعيد إلى الأذهان التنافس السابق بين أمريكا والاتحاد السوفييتى، خاصة فى ظل استمرار تبنى الصين النهج الشيوعى ونجاحها فى تطبيق رأسمالية منفتحة جعلت منها دولة عظمى. ويفسر المحللون ذلك بأن التجربة السوفييتية هى التى فشلت لأسباب خارجية وداخلية، وليست النظرية الشيوعية التى تعد مستمرة كنظرية وتطبق فى الصين إلى حد كبير.
الصراع الصينى الأمريكى استمرار لمنافسة تاريخية طويلة المدى بين الغرب ممثلاً فى أوروبا ثم أمريكا وبين الشرق، ممثلاً فى دولها الكبرى مثل الصين والاتحاد السوفييتى واليابان من قبل الحرب العالمية الثانية. ويؤرق شبح الصين أمريكا الحائرة بين أن تترك الشرق الأوسط وتتجه بقواتها إلى بحر الصين وجنوب شرق آسيا، وبذلك تترك الشرق الأوسط وشرق أفريقيا للصين، أم تبقى فى المنطقة بصراعاتها المتأججة دوماً وتترك الصين مهيمنة على الجنوب الشرقى الآسيوى؟