3 أشقاء يفقدون 5 أبناء.. والسادس فى «العناية» يصارع الموت

3 أشقاء يفقدون 5 أبناء.. والسادس فى «العناية» يصارع الموت
فى محافظات الصعيد، بمراكزها وقراها ونجوعها، يتربى الرجل على مبادئ محددة، فهو كالصخر لا يبكى، ولا تزحزحه أحزانه أو تهزه، ولكن الكارثة التى حلت بالرجال، الذين فقدوا أبناءهم فى حادث تصادم قطار أسيوط بأتوبيس المعهد الأزهرى، كان لهم معها شأن آخر، حيث حركت دموعهم المحظورة، لتشق طريقها فوق ثنايا الوجوه السمراء، الممزوجة بملامح الشقاء والحسرة، وربما للمرة الأولى.. لم يجدوا من يعيب عليهم، لبكائهم الذى توافق مع القانون الإنسانى: «عندما يبكى الرجال.. فاعلم أن همومهم فاقت قمم الجبال».
سيد وأشرف وياسر طلعت، 3 أشقاء فى العقد الثالث من العمر، يعيشون فى بيت واحد بقرية شابورة بمركز منفلوط، التابع لمحافظة أسيوط، فقدوا 5 من أبنائهم، بينما يرقد الطفل السادس بين الحياة والموت فى غرفة العناية المركزة، التى لا تعرف العناية بحالات المرضى الخطيرة كما يزعمون. المصيبة التى ألمت بأبناء «طلعت» فى ذويهم، جعلتهم فى قمة الوهن والضعف، المصحوب بانكسار لا يقوى الإنسان على مقاومته، ودفعتهم لخرق ما تربوا عليه، لتتكاثر دموعهم وجروحهم.
«إحنا عندنا استعداد نبيع البيوت ونجيب الحقنة دى حتى لو هنستوردها من برة».. كلمات خرجت بصوت ضعيف مبحوح يكاد لا يسمع، من ياسر طلعت، أحد الأشقاء الثلاثة، قائلاً: «حرام سيد يموت هو كمان، كفاية 5 ماتوا».
ويرقد سيد، 8 سنوات، فى غرفة العناية المركزة بمستشفى أسيوط الجامعى، منذ يوم السبت الماضى بين الحياة والموت، بعد استئصال الطحال وجزء من الكبد، فى انتظار حقنة «lmmunoyox»، وهى عبارة عن مصل يستخدم بعد استئصال الطحال، ليقوم بنفس وظائف الطحال المستأصل، وفشلت إدارة المستشفى الجامعى فى توفيره، بينما لا تتوقف مساعى العائلة المنكوبة للحصول عليه.
الانكسارالذى أصاب والده جعله يفوض أمره إلى الله، قائلاً: «حسبنا الله ونعم الوكيل فى كل واحد مسئول تسبب فى الحادثة وتخاذل عن تقديم العلاج للمصابين»، مؤكداً أنهم لن يتوقفوا عن البحث عن الحقنة المطلوبة، رغم تجاهل المستشفى الذى اكتفى بطلب توفيرها.
تتساقط دموع الشقيق الثانى «سيد طلعت»، قبل أن يقول: «لم أرَ ابنى الوحيد «على» منذ شهرين، ودفن فى غيابى»، ويتابع سرد ذكرياته الأخيرة مع فقيده: «على ابنى الوحيد، عمره 5 سنوات، السنة دى كانت الأولى له بالمعهد فى «كى جى وان»، وآخر مرة شفته فيها كان يوم (15 /9)، قبل السفر إلى عملى بشركة المقاولين العرب بسوهاج، وأنا خارج من البيت نادى على: «يا بابا مش هتسمع لى القرآن اللى حفظته»، يومها، كما يقول الأب، سمّع ابنه عليه سورة «البينة» كاملة بدون أخطاء، ويسترسل الأب المجروح قائلاً: «يومها قلت له هجبلك هدية المرة الجاية وأنا راجع»، يجهش الرجل بالبكاء قائلاً: «قبل ما أرجع جانى تليفون إن ابنى مات، وكمان تم دفنه مع أولاد عمه».
بينما شقيقه ياسر طلعت، الذى فقد ابنته «منة» ويرقد ابنه سيد فى المستشفى، يرفض أن يضيع دماء أبنائهم هدراً، قائلاً: «دم العيال مش لازم يروح هدر»، وبدل التعويضات اللى الحكومة عايزة تصرفها، تحاسب المتسبب فى الكارثة أولاً، متسائلاً عن الذنب الذى ارتكبه 50 طفلاً حتى تتحول أجسادهم إلى أشلاء على قضبان السكة الحديد، يحكى لحظة تسلم جثمان ابنته من المشرحة، «جسدها كان مشوهاً والجروج تتناثر عليه»، يرجع بذاكرته إلى مساء يوم الجمعة الماضى، ويتذكر قولها: «شوف يا بابا أنا شاطرة إزاى»وهى تقلب صفحات إحدى كراسات المدرسة ليرى والدها الدرجات النهائية التى حصلت عليها، لم يستطع ياسر إخفاء دموعه التى حاول مواراتها بالكوفية طوبية اللون المعصوبة أعلى رأسه، ويحكى عن ابنته «منة» التى لم تتجاوز الخمس سنوات قائلاً: كانت فى «كى جى وان» بالمعهد وكانت محبوبة فى العائلة، وبسبب أسلوب تعاملها الذى كان يفوق سنها بكثير، كان والدتها تخاف عليها عندما تتحدث أمام أى شخص غريب وكانت تقول لى أنا خايف عليها أوى لأنها «بنت موت»، وقد صدق إحساس والدتها التى أصيبت بصدمة عصبية شديدة بعد علمها بالحادثة، وعن ابنه سيد الذى يحمل نفس اسم عمه الأكبر، يقول ياسر ابنى يرقد فى العناية المركزة بمستشفى أسيوط الجامعى أدعو الله أن يجد الحقنة المطلوبة ويخرج من المستشفى بدون أى إعاقة.
«التلاتة ماتوا خلاص»، هكذا تحدث أشرف طلعت، الذى فقد أبناءه الثلاثة، قائلاً الموت لم يفرق بينهم، ويتحدث الأب عن أبنائه قائلاً: الثلاثة كانوا فى حضنى يوم الجمعة قبل أن أتركهم وأخرج إلى عملى ليلاً، مضيفاً أن ابنه «فارس» صاحب 10 سنوات طالب بالصف الرابع الابتدائى وكان يتعامل معه على أنه رجل البيت فى حالة سفره، حيث كان يقضى لوالده ما تريد، بينما أحمد 8 سنوات بالصف الثانى الابتدائى الأول على المعهد فى سنة أولى العام الماضى وأيضاً فى امتحانات الشهر هذا العام وكان دائماً يردد أنه سوف يصبح دكتوراً، ويعالج جميع أقاربه «ببلاش»، بينما الفقيد الأصغر محمد عمره 5 سنوات، آخر كلمة سمعتها منه يوم الجمعة بالليل قبل خروجى إلى العمل: «أنت حبيبى يا بابا».
الأخبار المتعلقة:
ممدوح حمزة: حادث «أتوبيس الموت» حصيلة 41 عاماً من الفساد
شقيقان.. وبيت واحد تسكنه الأحزان على الشهداء الثلاثة
3 أشقاء يفقدون 5 أبناء.. والسادس فى «العناية» يصارع الموت
«دادة» دعت على نفسها بالموت فمنحها الله الحياة
التيار الشعبى لأمهات التلاميذ: «ما تتفجئيش يا أمى لو يوم خرجت ومرجعتش.. لأنى مواطن مصرى»
عامل مزلقان أسيوط متزوج 2.. ولديه 7 بنات وولد
«السكة الحديد بالوجه القبلى»: مزلقان المندرة غير مرتبط ببلوكات الإنذار
«السكك الحديدية»: 900 مزلقان فى مصر لم يجر تطويرها تهدد بكوارث جديدة
تشغيل خط القاهرة - أسوان وتوقف الخط العكسى لحين انتهاء التحقيقات