لماذا إسبانيا؟ ولماذا الآن؟!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

اختار الرئيس أن تكون زيارته إلى إسبانيا يوم 18! ومثل هذه الزيارات التي تتعدد فيها زيارات الضيف داخل البلد المضيف من لقاءات سياسية واقتصادية ولقاء أكثر من شخصية كبيرة من ملك ورئيس وزراء لا تتحدد عفويا ولا عبر مكالمة هاتفية لتتم الزيارة في اليوم التالي ولا حتى في اليوم الثالث إنما يتم الإعداد لها بين المسؤولين في كلا الجانبين ويتحدد فيها كل شيء بدقة والمواعيد بالدقيقة واللقاءات بالثانية!

في المعسكر الغربي يختلف الموقف الأمريكي من القضية العربية في فلسطين عن الموقف الأوروبي، وداخل الاتحاد الأوروبي تتباين مواقف الدول من القضية ذاتها.. بعض المواقف تعادي الحقوق العربية على طول الخط، وإن كان بعضها تغير كثيرا خلال الفترة الأخيرة، ولكن بعض مواقف عدد من الدول يدعم الحقوق العربية ويعترف بها، وموقفه يختلف عن باقي دول الاتحاد مثل مواقف فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، ويبقى الموقف الإسباني الأكثر وضوحا وحسما في مساندة الحق العربى، بلغ خلال الفترة الأخيرة حد الهجوم الوقح على رئيس الوزراء وتهديده وسحب سفيرة العدو الصهيوني من مدريد.. ونقف أمام تصريحات غير مسبوقة لنائبة رئيس الوزراء، يولاندا دياز، التي قالت في مايو الماضى، عبر تسجيل مرئى، إنّ فلسطين ستتحرر «من النهر إلى البحر»!!! وهو شعار المتشددين العرب والفلسطينيين، خاصة القوميين، والذى اعتبره العدو إشارة إلى إزالة الكيان من الوجود، وشعار حركة «حماس» رغم أنّه موجود قبل وجود «حماس» كلها بعشرات السنين!!

من جانبنا، استقبلنا بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني، الذي شكره الرئيس وأعرب عن تقديره له ولرئيس وزراء بلجيكا الذى شاركه الزيارة إلى مصر ومعبر رفح في نوفمبر من العام 2023!!

موقف إسبانيا المبكر لم يتوقف عند الزيارة، بل أعلنت، في نهاية مايو الماضي اعترافها بفلسطين دولة مستقلة مع النرويج وأيرلندا.. فماذا فعل الرئيس السيسي؟ بخلاف الترحيب المصري الرسمي، الذي صدر بمجرد إبداء إسبانيا نيتها الاعتراف، قدمت مصر الشكر لإسبانيا ولكل الدول التي اعترفت بفلسطين، لكن خلال اتصال هاتفي في نوفمبر 2024، يشيد الرئيس السيسي بموقف إسبانيا العادل من القضية الفلسطينية.. ثم يعلن تضامن مصر مع حكومة وشعب إسبانيا لمواجهة آثار الفيضانات التي جرت هناك! ثم يتكرر التواصل هاتفيا باتصال للرئيس من رئيس الوزراء الإسباني في نهاية يناير الماضي، ويتكرر فيه الشكر الإسباني لمصر لدورها في غزة، ويتكرر فيه الشكر من الرئيس للمواقف الإسبانية العادلة من العدوان على غزة!

نقول كل ما سبق لإنعاش الذاكرة الشعبية عن المستوى الذي بلغته العلاقات المصرية الإسبانية، وبالتالي كانت زيارة الرئيس أمس تطورا طبيعيا لذلك.. وتتويجا لتفاهمات الفترة الماضية.. وعندما نضيف لذلك العلاقات الثنائية من الشراكة في مبادرة «الاتحاد من أجل المتوسط»، ونضيف المناورات البحرية المصرية المشتركة الثنائية والمتعددة كما جرى في فبراير عامي 21 و22 على التوالي، وكذلك ديسمبر 21 وأغسطس 22 وما بعدها، يؤكد أن العلاقة رشحت لشراكة كبيرة وليست اقتصادية فقط.. ولكن في التعاون الاقتصادي، وفي الفترة من يناير إلى يوليو من العام الماضي وحده بلغت الصادرات الإسبانية لمصر 836 مليون يورو، وبلغت الصادرات المصرية 1.1 مليار يورو، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 1.5% و10.7% على التوالى، حيث بلغ التبادل التجاري في 2023 ما يزيد على 3 مليارات يورو، وبلغ إجمالي الصادرات الإسبانية إلى مصر نحو 1.5 مليار يورو، وبلغت صادراتنا إلى إسبانيا 1.6 مليار يورو!

المصريون في إسبانيا فى حدود الأربعة آلاف مصري تتفاوت تحويلاتهم سنويا من 14 إلى 17 مليون دولار، بينما يبلغ عدد السائحين الناطقين بالإسبانية خمسين ألفا في رقم مشترك بين إسبانيا ودول أمريكا الجنوبية!

تبقى نقطة مهمة.. وبالرغم من التعاون فى جميع المجالات لكن تبدو إسبانيا متفوقة في مجالين أساسيين يشهدان تطورا في مصر خلال الفترة الأخيرة.. هما السياحة والزراعة، وها هي بعض الصناعات الثقيلة والمعقدة تدخل على خط التعاون بين مصر وإسبانيا سياسيا واقتصاديا وتجاريا.. من الصادرات في الاقتصاد والتجارة إلى حشد الجهود في السياسة والدعم الدولي ليس فقط لحل الدولتين وإنما لإعمار غزة أيضا!

وصلت الرسالة؟!

مؤكد طبعا!