هل يأخذ نتنياهو الضوء الأخضر الأمريكي لاستئناف الحرب؟
يحتاج بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى الدعم الأمريكي لاستئناف الحرب على غزة، خاصة أن كل المعطيات تشير إلى رفضه الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية التي ستحدد مستقبل قطاع غزة، وتعطيل تنفيذ البروتوكول الإنساني الذى نصت عليه المرحلة الأولى، فهو لا يزال يرفض دخول المعدات الثقيلة والبيوت المتنقلة إلى غزة حتى الآن، «نتنياهو» فى قرارة نفسه يتمنى العودة إلى الحرب بإفشال الاتفاق.
وبدا واضحا من خلال نكوصه لتنفيذ ما وافق عليه، وخرق الاتفاق بالتجاوزات التي يتم ارتكابها منذ بدء تنفيذ المرحلة الأولى في التاسع عشر من الشهر الماضي، رغم ذلك فهو في موقف لا يحسد عليه، فمن جهة يواجه الشارع الإسرائيلي الغاضب والمحتقن، الذي تتجه احتجاجاته من مظاهرات غاضبة وضاغطة لاستكمال مراحل الاتفاق إلى الخشية من التصعيد والوصول إلى العصيان المدني.
كذلك الأجهزة الأمنية، بما فيها مؤسسة الجيش، التي لا ترغب في استئناف الحرب، خاصة أنه لا توجد أهداف حقيقية يمكن القتال من أجلها، ومن جهة أخرى، يواجه رفض اليمين المتطرف، متمثلا في سموترتش وبن غفير، اللذين يطالبان باستئناف الحرب والقضاء على حركة حماس نهائيا، وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه، وأثبتت 471 يوما من الحرب ذلك، قبل أن يتم الاتفاق على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
المماطلة التي يجيدها نتنياهو في تنفيذ أي اتفاق هي التي تتصدر المشهد الحالي، ويحاول نتنياهو استفزاز «حماس» بانتهاك الاتفاق بحيث هي من تبدأ الاشتباك، حتى يستأنف الحرب دون ضغوط تمارس عليه، ويُتهم بأنه هو من أفشل الاتفاق، لكن «حماس» تتحلى بالحكمة وضبط النفس لتفويت الفرصة عليه، لذا ألقت الكرة فى ملعب الوسطاء، أملاً في أن تنجح ضغوط الضامنين للاتفاق على إسرائيل وإلزام نتنياهو للانتقال إلى المرحلة الثانية.
ويظل الموقف الأمريكي، رغم زيارة وزير الخارجية ماركو روبيو إلى إسرائيل، ضبابيا وغامضا، فالتصريحات التي أدلى بها روبيو في المؤتمر الصحفي التي تتحدث عن مخرجات الاتفاق غير واضحة، وتستند إلى حرص الولايات المتحدة على إخراج جميع الأسرى فقط، بالإشارة إلى تهديد ترامب بالجحيم، لكن دون تحديد الطريقة، على الرغم من إيحائه بإمكانية استكمال الاتفاق!
وترك الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات، منها احتمال تغيير الاتفاق، رافضاً الإفصاح عن مضمون التفاصيل التي تم بحثها مع نتنياهو على الملأ، فيما أشار نتنياهو إلى أن هناك تنسيقا مع الولايات المتحدة على استراتيجية مشتركة، بما فيها الموعد لفتح أبواب الجحيم على غزة إذا لم تطلق «حماس» جميع الأسرى، إلا أن «حماس» موقفها واضح ولن تسمح بتمرير مخطط نتنياهو أو تغيير الاتفاق.
كل المؤشرات توحي بأن نتنياهو يسعى لاستئناف الحرب، وأن الوضع الدراماتيكي الذي يحيط بالاتفاق تتصاعد وتيرته بسرعة كبيرة، ويبدو أن نتنياهو لديه استعداد للتضحية بالأسرى، فهو لا يهمه خروجهم أحياء مثلما لم يكن يهمه الأمر من قبل، فإلى أي مدى يمكن أن يصمد تعنت نتنياهو أمام هذه الألغام؟
من الواضح أن الكرة انتقلت من الملعبين الإسرائيلي والفلسطيني إلى الملعب العربي، وأكدت تصريحات روبيو، قبل يومين، أن الولايات المتحدة تلاحظ الرفض العربي لخطة ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة، وهى تنتظر الآن من العرب أن يقدموا خطة واقعية بديلة، تردم الفجوة بين الموقف الإسرائيلي الحاسم برفض وجود «حماس» كقوة عسكرية وسلطوية فى غزة.
وبين إصرار المقاومة الفلسطينية على التمسك بسلاحها وعلى مبدأ أن ما تعلق بإدارة غزة هو شأن فلسطيني داخلي لا يمكن المساومة عليه، مع التأكيد المقابل على أن «حماس» لا تصر مطلقاً على بقائها فى الحكم، لكنها لن تسمح لطرف غير فلسطيني بإدارة غزة، وكان من الملاحظ حدة تصريحات أسامة حمدان، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، الذى هدد بأن المقاومة ستعامل أي طرف يأتي غزة بصفته وكيلاً للاحتلال، كما تتعامل مع الاحتلال نفسه.
إذاً فإن الخطة العربية باتت المخرج الوحيد من هذا المأزق إذا أحسن العرب تدبرها وصياغتها، بما يمكنهم من إقناع الولايات المتحدة بها باعتبار أن اقتناع «واشنطن» سيكون ممراً ضرورياً لإرغام نتنياهو على قبولها، وما تسرب من الخطة يكشف عن فطنة عربية لافتة وحذرة، إذ هي تدعو إلى تشكيل لجنة تكنوقراط فلسطينية خالصة تتولى إدارة القطاع ومتابعة ملفاته المعقدة والمتعددة بما فيها مسألة إعادة الإعمار.