عار عليهم.. الاصطفاف الوطني لا شروط له!
يا للعار.. هل يتم الاصطفاف مع الوطن عند الخطر بشروط مسبقة؟! هل نتقدم لحماية الوطن عندما تحيط به المخاطر ونحن نناقش أموراً داخلية؟! هل نتقدم لحماية بلادنا ونحن نطرح أموراً يحددها القانون ويحسمها القانون؟!
وقبل أن ينفعل أحدهم ويتهمنا بالقمع والديكتاتورية، فكاتب هذه السطور مع حرية الرأى والتعبير إلى أقصى حد ممكن.. ويأمل -ضمن ما يأمل- ألا يرى سجين رأى واحداً فى العالم كله.. ومع التفرقة الكاملة بين الرأى والتعبير، وبين حمل السلاح والدعوة إلى حمله، مع التفرقة أيضاً بين الرأى، وبين السب والتجريح واتهام الناس بالباطل والطعن فى الشرف والسمعة!
ولكن كاتب هذه السطور يفرّق بين السياسى والوطنى.. ويرى أن الثانى يتقدم على الأول.. وعندما يتأخر نكون أمام انتهازية سياسية مقيتة.. ونكون أمام ترتيب خاطئ للأولويات.. ونكون أمام تقديم الشخصى على الموضوعى وتقديم الخاص على العام!
وكاتب هذه السطور يرى أن نداء الوطن محل تلبية دون تفكير.. دون دعوة ولا داعية ولا ادعاء إلا الوطن نفسه.. ونداء الوطن لا يحتاج إلى وسطاء ولا مقاولى أنفار، ولا يحتاج إلا لاستعداد نفسى وبدنى وتنظيم من أولياء الأمر.. وعلى هذا النحو كانت طلبات التطوع فى حرب أكتوبر المجيدة، ولم تكن القوات المسلحة بحاجة إلا إلى التبرع بالدم، فامتلأت المشافى ومراكز التبرع بالمصريين من كل الأعمار والفئات والمحافظات والمدن والأحياء والقرى.
وقبلها وفى حرب الاستنزاف لولا الدعم الشعبى ما بنينا حائط الصواريخ ولا انتصرنا فى شدوان، التى هبّ أبناء البحر الأحمر لنجدتها دون حتى طلب من أحد!
وفى العدوان الثلاثى كانت الجريمة فى بورسعيد لكن لم تكن بورسعيد وحدها، بل اكتظ أبناء شعبنا فى كل مراكز التطوع فى كل مكان، بلغوا مئات الألوف، تدرّبوا سريعاً على السلاح.. حمله وتركيبه وتنظيفه واستخدامه.. ثم انطلقوا إلى حيث التضحية بالنفس قبل المال!
ولو كانت «أم الفقير» -ولها قصة سوف نرويها لاحقاً- التزمت بالتقاليد وانتظرت الاستئذان ما قامت بعملها البطولى عند التقاء شارعى الأمين وكسرى ببورسعيد حيث قتلت أحد المظليين الإنجليز فى العدوان بيد الهون! ماذا لو انتظرت وانتظر الشعب كله تنفيذ مطالب قادة الأحزاب -المنحلة وقتها- من الباشوات والإقطاعيين وأصدقاء المحتل الذى هو المعتدى؟! هل كان الوقت يحتمل؟! الشعب انطلق يدافع عن وطنه دون فلسفة وبلا فذلكة حول قرار التأميم ولا القناة ولا غيرها، ولم يستمعوا إلى سياسى واحد!
وقبل ذلك بكثير لو وضع أبناء شعبنا الحسابات التقليدية عند هجوم التتار على مصر ما تطوع أحد.. لا مماليك ولا مصريون.. لكن نداء الوطن فى اللحظات الحرجة يعلو ولا يعلى عليه. نسمعه ولا نسمع غيره.. نلبيه دون إبطاء.. دون حجج.. دون مطالب.. دون شروط!
وأخيراً.. الوطن ليس فى حاجة إلى أحد.. الوطن لديه ما يكفيه ويزيد. إنما هى الذكرى الدينية والوطنية التى تنفع المؤمنين.. والوطنيين!