بروفايل| جمال حمدان.. الغائب الحاضر في حفل افتتاح القناة

12:06 ص | الجمعة 07 أغسطس 2015

"قناة السويس هي نبض مصر، والقلب النابض في النظام العالمي، وهي مركز النقل الأول في أوروبا"، هي شهادة العلامة جمال حمدان، في كتابه "قناة السويس نبض مصر"، والصادر في عام 1975، فبلغته الفصيحة، وعُمق فكره، وحسن بصيرته للأمور، يتحدث إلينا المؤرخ الراحل عن مستقبلنا، فهو الغائب الحاضر عن عالمنا، بأفكاره ومؤلفاته.

إنه جمال صالح محمود حمدان، الذي ولد في 4 فبراير من عام 1928، في قرية ناي بمحافظة الشرقية، والتحق بالمدرسة التوفيقية الثانوية، وحصل على الشهادة في عام 1944، ثم التحق بكلية الآداب قسم الجغرافيا، وتخرج بها عام 1948، وفي عام 1949، أُرسل في بعثة تعليمية إلى جامعة ريدنج ببريطانيا، وحصل منها على الدكتوراه في فلسفة الجغرافيا عام 1953.

انضم "حمدان" لهيئة التدريس في كلية الآداب، عقب عودته من بعثته في بريطانيا، ثم رُقي لأستاذ مساعد، ولاجتهاده المنقطع النظير، وتفرده عن باقي نظرائه، اشتعلت أحقاد زملائه تجاهه، ما جعله يقدم استقالته في عام 1963، ليتغير مصير حياته، ويتحفنا بأفكاره، فقرر الانعزال في شقته، ليكون كالراهب الذي باع متاع الحياة لرضى ربه، وعكف حتى وفاته على التأليف، واتخذ من حجرته موضعًا لنمو أبرز الأعمال عبر مسيرته.

من محل سكنه القابع في 25 شارع أمين الرافعي بحي الدقي، ألف أعظم سلسلة في تاريخ مصر، وهي "شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان"، رصد فيهم شخصية مصر الإقليمية والبشرية والزمانية، وحملت رؤيته لمستقبل البلاد، والتي طالما كانت صائبة إلى حدٍ كبير، وبجوار "شخصية مصر"، ألف العديد من الكتب، منها "استراتيجية الاستعمار والتحرير"، و"العالم الإسلامي المعاصر"، و"جغرافيا المدن"، و"الجماهيرية الليبية.. دراسة في الجغرافيا السياسية"، و"اليهود إنثروبولوجيا".

انتهج "حمدان" المنهج الناصري، فقال في كتاب "شخصية مصر": "الناصرية هي المصرية كما ينبغي أن تكون، أنت مصري إذن أنت ناصري"، وعارض سياسات الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وتوقيعه لاتفاقية كامب ديفيد بشدة، فقرر العزلة لمدة 30 عامًا عن المشهد، كما عارض الرئيس الأسبق حسني مبارك، معتبرًا إياه مستكملاً لسياسات السادات، والتي تخدم الكيان الصهيوني، حسب رأيه.

كانت وفاته مثيرة للجدل، بعدما عثر عليه في أبريل عام 1993، محروقًا في منزله، ولكن مفتش الصحة بالجيزة وقتها، الدكتور يوسف الجندي، أثبت في تقريره أن "حمدان" لم يمت مختنقًا بالغاز، كما أن الحروق لم تكن سببًا في وفاته، لأنها لم تصل لدرجة إحداث الوفاة، ويرجح الكتاب أمثال الكاتبة فريدة الشوباشي ويوسف القعيد، أن موسوعة المؤرخ الأخيرة "اليهود والصهيونية وبني إسرائيل" سبب مقتله من جانب الموساد الإسرائيلي.

بعد مرور 22 عامًا من وفاته، تعود سيرة جمال حمدان في حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، بعد استشهاد الرئيس عبدالفتاح السيسي في كلمته بمقولة المؤرخ الكبير، "مصر عبقرية المكان"، وهو ما يثبت أن تأثيره فيمن حضره، وفي الأجيال الناشئة من بعده، ويظل خالدًا بأعماله، وإن كان جسده قد وارى الثرى.