«الإفتاء».. منبع الوسطية والتسامح ونبذ التشدد والعنف والكراهية

كتب: رؤى ممدوح

«الإفتاء».. منبع الوسطية والتسامح ونبذ التشدد والعنف والكراهية

«الإفتاء».. منبع الوسطية والتسامح ونبذ التشدد والعنف والكراهية

تعتمد دار الإفتاء المصرية فى إصدارها للفتاوى على المنهج الوسطى للأزهر الشريف، الذى يعبر عن وسطية الأمة الإسلامية، حيث تتمثل وسطية الحضارة الإسلامية فى اتخاذها منهجاً متوازناً فى تحديد علاقة الإنسان بربه وخالقه وعلاقته بغيره من البشر، وهو منهج وسط جمع بين الروحانية والمادية، ووفق بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، فلم يهمل مطالب الجسد بجوار عنايته بالروح وتهذيب النفس وتربية الوجدان، كما أنه لم يقيد طاقات الفرد السليمة ليحقق مصلحة الجماعة، ولم يطلق للفرد نزواته لتؤذى الجماعة، وكل ذلك من دون إفراط ولا تفريط.

من أبرز خصائص الوسطية الإسلامية التى تنتهجها دار الإفتاء، أنها تمثل انعكاساً لوسطية القرآن الكريم وتوازنه وتعادله فى خطاب الإنسان والذى يلبى فى نداءاته للإنسان كل طموحاته فى الدنيا والآخرة، وتظهر هذه الوسطية فى قوله تعالى مخاطباً الإنسان، وقوله تعالى: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ».

تقرير: الإفتاء المؤسسي صناعة دقيقة ويهدف لتحقيق مقاصد الشريعة 

ويعتبر الإفتاء الجماعى الذى تعمل به دار الإفتاء من أهم المحاور والركائز التى تقوم عليها صناعة الفتوى، وقالت الدار، فى تقرير لها، إن منهجية المشاورة فى الفتوى كانت حاضرة فى أذهان السلف الصالح، ومارسوا هذا تطبيقاً عملياً كما عُرف عنهم، وأنّ الإفتاء الجماعى هو من أفضل الحلول لإشكالية التعقيد العلمى فى الإفتاء المعاصر، وخاصة مع إضافة الإفتاء التخصصى، بحيث يقسَّم المفتون داخل المجامع والمؤسسات والهيئات الإفتائية إلى مجموعات إفتائية نوعية متخصصة فى باب معين أو مجال معين من العلم، وهذا مبنى على فكرة الاجتهاد.

«الفتوى» تمر بـ4 مراحل هى «التصوير والتكييف وبيان الحكم والإفتاء»

أوضحت الدار أن الفتوى الصادرة عنها تمر بمراحل تعرف بـ«مراحل الفتوى»، حيث تمر الفتوى فى ذهن المفتى بأربع مراحل أساسية، تخرج بعدها فى صورتها التى يسمعها أو يراها المستفتى، وهذه المراحل الأربع هى مرحلة التصوير والتكييف وبيان الحكم والإفتاء، إذ إنه فى المرحلة الأولى، وهى مرحلة التصوير يتم فيها تصوير المسألة التى أثيرت من قبل السائل، حيث إنّ التصوير الصحيح المطابق للواقع شرط أساسى لصدور الفتوى صحيحة متماشية مع الواقع المعيش، ومن ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية وهى مرحلة التكييف، وهو إلحاق الصورة المسئول عنها بما يناسبها من أبواب الفقه ومسائله. 

أما فى المرحلة الثالثة، فيتم فيها بيان الحكم الشرعي وهو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، ومن ثم الوصول أخيراً إلى المرحلة الرابعة وهى الإفتاء، أو مرحلة تنزيل الحكم الذى توصل إليه على الواقع الذى أدركه، وحينئذٍ فلا بد عليه من التأكد أن هذا الذى سيفتى به لا يحمل على المقاصد الشرعية بالبطلان، ولا يخالف نصاً مقطوعاً به ولا إجماعاً مُتفقاً عليه ولا قاعدة فقهية مستقرة، فإذا وجد شيئاً من هذا فعليه مراجعة فتواه حتى تتوافر فيها تلك الشروط.

وتعتبر الدار أن التمسُّك بمنهجيتها التى تحمل قيم الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش، هى القيم الأصيلة للشعب المصرى، الأمر الذى بالتبعية يؤدى إلى نبذ خطاب التشدد والعنف والكراهية الذى تبنَّته الجماعات المتطرفة، وأنّ المؤسسات الدينية الوطنية تعمل على مدار عقود طويلة على ترسيخ قيم الوسطية.

وأوضحت الدار أنّ هناك فارقاً واختلافاً كبيراً بين المنهج المؤسسى الوسطى المعتدل الذى تنتهجه دار الإفتاء المصرية والمؤسسات الدينية الوطنية، فى مضمونه ومعطياته ونتائجه عن الإفتاء العشوائي السطحي الذى يمارسه بعض الهُواة والمتعالمين.

وأكد تقرير الدار أن الإفتاء المؤسسي صناعة علمية دقيقة، وله غاية سامية، وهى تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية الغرَّاء، المتمثلة فى تحقيق مصالح العباد والبلاد ودفع المفاسد والشرور عنهم، ودعم كل ما يحقق للناس عيشة مطمئنة طيبة لا عنف فيها ولا إرهاب، أمّا الفتوى العشوائية التي تصدر ممَّن لا تخصُّص له ولا معرفة، فإنها لا تراعى إلا نشر أفكار أغلبها يتخذ طابعاً متشدداً متعصباً لا يعكس قيم الإسلام الأصيلة، وأهمها التيسير ونشر قيم الأمن والتعايش، وأغلب هذه الفتاوى تتبنَّى رؤى سياسية مناهضة لسلامة الوطن ومناهضة لتحقيق الأمن والأمان للشعب المصري، وثمرتها المرة فى النهاية العنف والدمار والخراب».

وأوضح التقرير أن صناعة الفتوى الوسطية المعتدلة، أحد أُسس تجديد الخطاب الديني ونشر قيم التيسير والسماحة والاعتدال، وشرحت الدار المنهج المحدد لاعتماد الفتوى، ويتمثل هذا المنهج فى نقل المذاهب السنية الأربعة المعروفة المشهورة، وهى: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، بالإضافة إلى الاستفادة من المذاهب الأخرى، واتساع دائرة الاستفادة فى الاختيارات الفقهية لتشمل مذاهب المجتهدين.

 واللجوء أحياناً إلى استنباط الأحكام من النصوص الشرعية بالكتاب والسنة مباشرة، مع مراعاة ما عليه القوانين المصرية حتى لا تتعارض فتوى المفتى مع قضاء القاضى، والالتزام بأنه لا فتوى فى أى مسألة أو موضوع يكون محل نظر فى القضاء، والمحافظة على السلم الاجتماعى واستقرار المجتمعات بمخاطبة الناس بما يعرفون، ويتمثل مفهوم مراعاة الوسطية فى الفتوى من خلال الفهم الصحيح للدين الإسلامى وأدلته من غير إفراط ولا تفريط.

الدار عقدت بروتوكولات مع مؤسسات علمية وأكاديمية والاستعانة بالخبرات لضمان خروج الفتوى على أساس علمى صحيح

وقامت دار الإفتاء بعمل عدد من البروتوكولات مع مجموعة من المؤسسات العلمية والأكاديمية؛ كى تمكّن أمانة الفتوى من الاستعانة بالخبرة العلمية عند الاحتياج إليها؛ لضمان أن تخرج الفتوى على أساس علمى مبنى على تصور صحيح للواقع؛ حيث إن الفتوى مركَّبةٌ من الحكم الشرعى والواقع، وهى تختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.

وينبثق عن أمانة الفتوى أربع إدارات حسب كيفية تلقى الفتوى وإجابتها، هى إدارة الفتاوى الشفوية، إدارة الفتاوى المكتوبة، إدارة الفتاوى الهاتفية، وإدارة الفتاوى الإلكترونية.

وتضم الدار قسم الأبحاث الشرعية يضم مجموعة من الباحثين المتخصصين فى العلوم الشرعية، وظيفتهم العمل على إنشاء الأبحاث المتخصصة وتأصيل الفتاوى تأصيلاً شرعياً وتعميقها فقهياً خدمة للعملية الإفتائية على النحو المطلوب، لمواكبة التطور المستمر للواقع المعيش الذى أدَّى إلى اتساع حالات الاستفتاء وتنوعها، وإلى ظهور حالات جديدة، لم تكن موجودة فى واقع المسلمين من قبل، وتقدم إدارة التدريب تدريب المبعوثين على الإفتاء كإحدى المهام التى تطلع بها دار الإفتاء المصرية تفعيلاً لدورها العلمى فى مجال الإفتاء.


مواضيع متعلقة