لعبة نتنياهو المكشوفة

عمار على حسن

عمار على حسن

كاتب صحفي

ما إن توعك الجيش الإسرائيلى فى قطاع غزة، وتم استدراجه إلى «حرب استنزاف» حتى ضافت المساحات أمام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو يسعى بأى ثمن، لإطالة أمد الحرب، وتقديم مبرّرات هذا أمام الشعب الإسرائيلى والمجتمع الدولى، خاصة حلفاء إسرائيل فى الغرب، حتى ينجو بنفسه من المساءلة والمحاسبة، التى تنتظره حين تضع الحرب أوزارها.

يدرك «نتنياهو» أن الجيش الإسرائيلى حاول مراراً استعادة القدرة على الردع، على مدار ما يقرب من سنة منذ اندلاع «طوفان الأقصى»، لكن هذه المحاولات لم تجد طريقاً سهلاً لتحققها فى الواقع، فلا المقاومة هبطت قدراتها إلى درجة «الصفر»، ولا رفعت الراية البيضاء مستسلمة.

ولا تمكّنت تل أبيب من تحقيق أهدافها التى أعلنتها قبل ساعات من بدء ما سمته عملية «السيوف الحديدية» ضد قطاع غزة، وكان على رأسها «استئصال حماس»، وفى الوقت نفسه، لم يتمكن نتنياهو من استعادة الأسرى الإسرائيليين سالمين، وبثمن قليل، ولا استطاع أن يوحد الجبهة الداخلية معه كل الوقت، ويقنعها بسلامة القرارات التى يتخذها.

لم يكن أمام نتنياهو هنا سوى الإيحاء، من وقت إلى آخر، بأنه قادر على «الهروب إلى الأمام» بشن حرب شاملة ضد «حزب الله» أو مهاجمة إيران بضربة عسكرية قوية. 

وتوالت على لسانه ووزير دفاعه ورئيس أركانه تصريحات عن إمكانية الإقدام على هذا الفعل، لكن كبحت الولايات المتحدة الأمريكية جماحه، لأنها ترى أن اتساع رقعة الحرب سيُلحق ضرراً بالغاً بمصالحها فى منطقة الشرق الأوسط برمتها.

مع هذا يظل الاعتراض الأمريكى عاملاً غير حاسم فى لجم نتنياهو، فهو لو كان موقناً من قدرة الجيش الإسرائيلى على إحراز نصر حاسم وسريع فى ساحة أخرى غير غزة، لأقدم على الهروب إلى الأمام، بلا تردّد، ولسحب واشنطن لتلحق به، مثلما فعل فى محطات بارزة أو تحولات فى مسار هذه الحرب وغيرها، ووضع الأمريكان أمام الأمر الواقع. فهو يدرك أن اعتراض واشنطن فيه الكثير من الواقعية فى ضوء دراستها لموازين القوة، حيث قدرة «حزب الله»، ومن خلفه «إيران» على الإضرار العميق بإسرائيل.

هنا يضطر نتنياهو إلى الإبقاء على مسألة «الهروب إلى الإمام» نظرياً، يلوح بها من حين إلى آخر أو يتحدّث عن الدخول فى ما يسميه «التصعيد المتدرج»، ويستعمل الإيهام الذى ينجم عنها، فى كسب الوقت أمام الشعب الإسرائيلى، ويُرضى فى الوقت نفسه حلفاءه فى الحكومة من اليمين المتطرّف، ويريد أن يوحى لمن يسميهم «أعداء إسرائيل» بأن جيشها لم يفقد قدرته كاملة على تحقيق الردع.

فى ظل هذا العجز الظاهر يستبدل نتنياهو حرباً يهرب بها إلى الأمام بافتعال مشكلات فى الضفة الغربية، وصل إلى حد إعلان أنها «منطقة عسكرية مغلقة» أو «ساحة عمليات» للجيش الإسرائيلى، ومرة أخرى بافتعال أزمة مع مصر حول محور صلاح الدين/ فيلادلفيا، زاعماً بأن وجود قوات إسرائيلية فيه هو الخطوة الأخيرة لتركيع المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة، وثالثة بتوجيه ضربات اعتيادية، كثير مثلها تم قبل طوفان الأقصى، ضد ما يسميه مواقع للحرس الثورى الإيرانى فى سوريا، ورابعة باللجوء إلى سلاح الاغتيالات، الذى طال، إلى الآن، ثلاث قيادات فى المقاومة، هم: إسماعيل هنية وصالح العارورى من حماس، وفؤاد شكر من حزب الله.

مع تراكم مثل هذه العمليات صار واضحاً أمام الخبراء والمحللين والمعارضين السياسيين فى إسرائيل نفسها قبل غيرهم، أن نتنياهو يربح وقتاً، حتى لو على حساب مصلحة إسرائيل، أو دون أدنى اعتبار لإحراج حلفائها، ويبدو هنا ليس معنياً بانكشاف ألاعيبه، بقدر ما يهمه ذلك الذى يجنيه من هذه التصرّفات من مكسب يخصّه، وهو وجوده فى الحكم، بأى ثمن.