فارس رسول الله
الأداء القتالى الرفيع للصحابى الجليل «أبى قتادة الأنصارى» جعله جديراً باللقب الذى خلعه عليه النبى صلى الله عليه وسلم، لقب «فارس رسول الله».
والفروسية فى حياة هذا الصحابى الجليل لم تكن مجرد امتثال لقواعد القتال النبيل الذى لا يحرك فيه المقاتل سيفه إلا ضد ظالم أو محرض أو معتدٍ، بل كانت معنى أشمل من ذلك بكثير، كانت تعنى التصاقاً بمن يحب، ولم يحب «أبو قتادة» فى حياته شخصاً كما أحب النبى، فاختار موقعه إلى جواره، صلى الله عليه وسلم، وكان من حظه أن وجد مكاناً مميزاً فى هذا الموقع.
تأمل هذا الموقف الذى عاشه «أبوقتادة» مع النبى صلى الله عليه وسلم، حين خرج معه هو ومجموعة من المؤمنين فى سفر، فقال لهم النبى: «إنكم إن لا تدركوا الماء غداً تعطشوا».
يقول أبوقتادة: «انطلق الناس يريدون الماء، ولزمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمالت برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته فنعس، فدعمته فادعم، ثم مال فدعمته فادعم، ثم مال حتى كاد أن ينجفل عن راحلته فدعمته، فانتبه فقال: من الرجل؟ فقلت: أبوقتادة. قال: منذ كم كان مسيرك؟ قلت: منذ الليلة. قال: حفظك الله كما حفظت رسوله».
تعلم «أبوقتادة» نبل الأخلاق من النبى صاحب الخلق العظيم، وظل متمسكاً بأخلاق الفارس بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وفى مواجهة أقوى الشخصيات التى قامت بدور شديد الخطورة خلال خلافة أبى بكر الصديق.
حدث ذلك أثناء حروب الردة، وفى مواجهة خالد بن الوليد قائد الحرب على مالك بن نويرة، الرجل الذى تابع «سجاح» مدعية النبوة.
يقول «ابن كثير» فى «البداية والنهاية»: استدعى «خالد» مالكاً وأنّبه على ما صدر منه من متابعة سجاح، وعلى منعه الزكاة، وقال: ألم تعلم أنها قرينة الصلاة؟، فقال مالك: إن صاحبكم كان يزعم ذلك، فقال: أهو صاحبنا وليس بصاحبك يا ضرار؟ وأمر بضرب عنقه، وجىء برأسه فجعل مع حجرين وطبخ على الثلاثة قدراً فأكل منها خالد تلك الليلة، ليرهب بذلك الأعراب من المرتدة وغيرهم.
والواضح أن «ابن كثير» حاول أن يخفف من صعوبة موقف خالد بن الوليد، وقد روى «اليعقوبى» تفاصيل أخرى تتعلق بهذه الواقعة وذلك فى «تاريخه»، ذكر فيها أن مالك بن نويرة أتى خالداً يناظره، واتبعته امرأته، فلما رآها خالد أعجبته، فقال: والله لا نلت ما فى مثابتك حتى أقتلك، فنظر مالكاً، فضرب عنقه، وتزوج امرأته.
هنا ثار النبيل أبوقتادة، ولم يرهب فى الحق خالد بن الوليد، وسار إلى أبى بكر حتى أتاه وحكى له ما فعله خالد بمالك وزوجته، وأقسم بالله ألا يسير تحت لواء خالد لأنه قتل مالكاً مسلماً.
وقد وقف أبوقتادة مدافعاً عن وجهة نظره فى وجه بعض كبار الصحابة الذين كانت لهم وجهة نظر مختلفة، تذهب إلى أن «ابن نويرة» لم يكن مسلماً حقاً حين قتله خالد، أما خالد نفسه فقد قال لأبى بكر: إنى تأولت، وأصبت، وأخطأت.
هكذا عاش أبوقتادة نبيلاً بأخلاق فارس يعشق الحقيقة.