مع كثرة الحديث عن التغيير الوزاري الأخير، فوجئت بابنتي الصغرى توجه إلي سؤالاً ربما سمعته يتردد على ألسنة البعض: ماذا ستفعل لو كنت رئيساً للوزراء؟.. استغرقت بعض الوقت للتفكير، ليس في الإجابة على ذلك السؤال الافتراضي، وإنما كان ما يشغلني كيف تبادر مثل هذا السؤال إلى ذهن ابنتي التي لم تتجاوز بعد سن 14 عاماً.. وبعد فترة صمت ربما تجاوزت دقيقة كاملة، وجدت صوتي يخرج خافتاً، وبادرتها بسؤال يمهد لإجابتي: هل تعرفين أن عدداً كبيراً من مؤسسات الدولة تعمل على مدار 24 ساعة يومياً، مثل المستشفيات ومراكز وأقسام الشرطة والمؤسسات الصحفية وغيرها من الأجهزة الخدمية؟.. وأن غالبية البنوك لها فروع تعمل في أيام الجمعة والسبت، خاصةً في المطارات والمراكز التجارية الكبرى؟.. وأن معظم شركات ومصانع القطاع الخاص تعمل ورديتين أو أكثر يومياً لزيادة الإنتاج وبالتالي مضاعفة الأرباح؟.. فجادلتني الطفلة: وما علاقة كل هذا بسؤالي؟.. فأجبتها على الفور: دائماً ما أسأل نفسي: لماذا لا تعمل كل مؤسسات الدولة بنفس المنهج؟.. فقاطعتني بقولها: مش فاهمة.. فاستطردت: يعني بمنتهى البساطة، سوف أضع هدف مضاعفة العمل والإنتاج على رأس الأولويات، ولعل أول اقتراح في سبيل تحقيق ذلك هو إلغاء فكرة إن مواعيد العمل الرسمية تكون من الساعة 8 أو 9 صباحاً إلى الثالثة أو الرابعة عصراً، وأن يستمر العمل في كل مؤسسات الجهاز الإداري للدولة حتى العاشرة مساءً على الأقل، بما يعني أن جميع المصالح الحكومية تعمل بكامل أو بأكبر قدر من طاقتها على فترتين، صباحية ومسائية.
تابعت حديثي لابنتي التي كانت تحاول جاهدة لاستيعاب ما أقول: بالطبع ستكون هناك بعض العقبات، منها مثلاً أن عدد العاملين في كل مصلحة ربما لا يكفي لتوزيع الموظفين على الفترتين، وبالتالي ستكون هناك حاجة لتعيين المزيد من العاملين، وهذا ما يضع أعباءً إضافية على ميزانية الدولة، ولكن في ظل هدف مضاعفة العمل والإنتاج يمكن تدبير بعض الموارد الإضافية، كما أن ذلك يساعد في دفع عجلة الاقتصاد القومي إلى الأمام بصورة أسرع، مع حسن استغلال نفس الأصول القائمة، المتمثلة في نفس المنشآت بما تحتويه من مكاتب وتجهيزات وغيرها، دون الحاجة إلى منشآت جديدة، كما أن أحد النتائج الإيجابية لهذه الفكرة أنه سيتم القضاء على ظاهرة «تزويغ» بعض الموظفين بحجة قضاء مصلحة ما، سواء في مدرسة أبنائه أو البنك أو الشهر العقاري أو قسم الشرطة وغير ذلك من المؤسسات الخدمية، أو على الأقل الحد من تلك الظاهرة بدرجة كبيرة، حيث سيكون أمامه فرصه لقضاء تلك المصلحة في غير أوقات عمله الرسمية، كما أن هناك نتيجة أخرى قد نلاحظها في شوارعنا، تتمثل في أن ساعة الذروة، التي تتزامن مع توجه ملايين الموظفين إلى أعمالهم أو عودتهم منها، سوف يتم توزيعها على مدار اليوم، وبالتالي توزيع الضغط على الطرق وفي وسائل المواصلات، وسوف يساعد ذلك في تخفيف الزحام وانسياب الحركة المرورية إلى حد كبير.
اختتمت إجابتي على سؤال ابنتي بالقول إن دولة كبيرة بحجم مصر يجب أن يكون مستوى العمل والإنجاز فيها على نفس قدر الدولة وثقلها بين دول العالم، ويجب أن تكون هناك العديد من الأفكار للخروج من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، التي أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على العديد من الدول، وهذه مجرد فكرة قد يتفق معها البعض ويختلف معها آخرون، وقد يخرج من المختصين من يؤيدها بالأرقام والدراسات أو بمقترحات لتطويرها، وقد يكون منهم من يهدمها من أساسها ويقضي بأنها فكرة وهمية لا تصلح للتنفيذ على أرض الواقع.. ولكنها في النهاية مجرد فكرة أرى أنها جديرة بالبحث والدراسة.