تشكلت الحكومة الجديدة
تشكلت الحكومة الجديدة، وبدأ العمل. الساعات القليلة التى أعقبت الإعلان عن التشكيل الوزارى وحلف اليمين والغرق فى «ماذا قال الوزير السابق وهو يغادر الوزارة؟» و«بماذا وعد الوزير الجديد وهو يدخل الوزارة؟» والبحث والتنقيب فى السير الذاتية للوزراء الجدد، وسابق الأعمال للوزراء المدمجة وزاراتهم الأصلية مع حقائب إضافية وغيرها من أخبار مثيرة انتهت، ويبدأ العمل.
ومع بدء العمل، تبدأ التوقعات، وهنا أشفق كثيراً، لا سيما على الوزراء الجدد.
لماذا؟ لأنهم لن يبدأوا يومهم «على مياه بيضاء»، بل الغالبية المطلقة من ملفاتهم ورثوها.
وعلى الرغم من أن جانباً معتبراً من هذا الميراث ليس صنيعة من سبقوهم من وزراء، بل خليط من أزمات محلية وأحداث خارجية مع قدر من سياسات جانبها الصواب وقرارات جانبها التوفيق، إلا أن القاعدة العريضة من المواطنين لن تلتفت إلى كل ما سبق.
الغالبية المطلقة من الناس متشوقة ومتلهفة لنتائج ملموسة اليوم قبل غد.
يعلمون فى قرارة أنفسهم أن زمن المعجزات انتهى، وأن إصلاح الاقتصاد يستغرق وقتاً ويتطلب إرادة ويستوجب خطة محكمة ودراسة علمية.
أما إذا كنا بصدد إجراءات تسكين ألم أو خطوات تأجيل انفجار أو عمليات تجميل سطحية، فهذا أمر مختلف.على أية حال، سيكون على الحكومة الجديدة أن تبادر بمصالحة الناس.
«الناس زعلانة»، هذا بالإضافة لكونهم منهكين مادياً ومحبطين نفسياً.
جميل جداً أن يخرج وزراء يعتذرون عن إجراءات صعبة أو سياسات قاسية، لكن الأجمل أن يعقب الاعتذار خطوات ملموسة للتحسين، جنباً إلى جنب مع التصريحات «الإيجابية».
وعلى ذكر التصريحات، فإنه بقدر أثر التصريحات «الوردية» المتصور من بث الأمل فى النفوس ونثر الفرحة فى القلوب، فإنها أحياناً تؤتى ثماراً غير مرغوب فيها لو تصاحبها أو تعقبها خطوات فعلية ذات مردود إيجابى.
ضمن الجوانب الإيجابية فى مصرنا الحبيبة أن غالبية الناس تعى أن الوضع الإقليمى، بل والعالمى، كله صعب، وأن هذا يؤثر علينا.
وهذا يفسر جزءاً من إبداعهم فى الجلد والصبر والتحمل، لكن الارتكان على هذه القدرات التكيفية والتحملية إلى ما لا نهاية غير مأمون العواقب.
لا نريد أن يعتنق المواطنون مبدأ تخفيف أحمال الصبر.
تخفيف أحمال الكهرباء، وأزمة الأدوية وتكرارها وعدم حلها جذرياً، وملف أسعار السلع الغذائية الذى جن جنونه ولا أحد يعلم معيار الزيادة أو أسباب الانخفاض، ومنظومة التعليم التى لا ينبغى أن يتم تسليمها تسليم أهالى لـ«جروبات الماميز» وأباطرة الدروس الخصوصية وأصحاب المصالح، وعراقيل الاستثمار التى نتحدث عنها منذ سنوات، ومشاكل القطاع الخاص التى لا تنتهى لأن التطرق إليها لم يبدأ وإن بدأ فهو لا يكتمل، والقائمة طويلة.
طول القائمة ربما يدفع بمنظومتى القانون وبناء الإنسان بعيداً عن قائمة الأولويات، لكن الحقيقة أنه مطلوب من الحكومة الجديدة اعتبار تطبيق القانون وإصلاح ما أصاب الإنسان المصرى من عطب سلوكى وثقافى وفكرى أولوية قصوى، لا تقل أهمية عن إصلاح الاقتصاد.
هذا الملف، شأنه شأن الاقتصاد والاستثمار والأسعار، لم يعد يحتمل التدخلات التسكينية أو التأجيلات المسببة أو غير المسببة.
تم وضع تجديد الخطاب الدينى على خاصية التأجيل، وهذا أمر خطير.
الخطاب الدينى وثيق الصلة بالوعى الثقافى والحضارى والسلوكى.
اليوم، وبعد مرور ما يزيد على ثمانى سنوات من دعوة الرئيس السيسى لتجديد الخطاب وتحديثه وتطهيره، ما زال الناس يسألون عن حق الزوج فى منع زوجته -التى قد تكون وزيرة أو سفيرة أو مديرة بنك أو امرأة معيلة تنفق عليه شخصياً- من زيارة أمها، أو حكم ترديد دعاء الركوب قبل دعاء النزول وغيرها.
وما زال العلماء الأفاضل يبذلون الجهد الجهيد ليسهبوا فى الإجابة، وهو جهد مشكور، ولكنه يساهم فى الإبقاء علينا فى كهف مظلم، لا علاقة له بالواقع.فى الواقع، أكن الكثير من الاحترام لشخص وفكر الدكتور أسامة الأزهرى.
أعلم تماماً أن المنصب الرسمى يفرض قيوداً ويضع محاذير، لكن لدىّ ثقة بأن وزير الأوقاف الجديد سيتمكن من إحداث فرق ما فى ملف تطهير الخطاب الدينى المتحجر الواقف محلك سر.
السر الذى يصنع الفرق بين الأمم المتحضرة ونصف المتحضرة وغير المتحضرة هو تطبيق القانون.
كل الدول لديها قوانين، لكن تطبيقها يختلف من دولة لأخرى.
ونحن فى حاجة ماسة لتطبيق القانون بحسم وعدل ومساواة.
كما أننا فى أشد الحاجة لإنهاء أسطورة أن عدم تطبيق القوانين من شأنه أن يخفف من حجم المشكلات الملقاة على عاتق الغلابة فى أوقات الأزمات.
الحقيقة أنه لا يؤدى إلا إلى المزيد من الفوضى والعشوائية وفرض العضلات والشعور بالظلم وفقدان الأمل.
اليوم نتمسك بالأمل فى ظل الحكومة الجديدة، ونتمنى لها التوفيق، فتوفيقها فيه نجاة لنا.