مصطفى عمار يكتب: الحكومة الجديدة.. تحديات كثيرة وطموحات كبرى
لا يختلف أحد على أن المواطن المصرى كان ينتظر التغيير الحكومى بفارغ الصبر.. بسبب عدم رضاه عن الأداء الحكومى لبعض الوزارات التى تتقاطع مع احتياجاته وظروف معيشته.. يعلم المواطن حجم التحديات الكبرى التى تواجه الدولة المصرية.. ويعلم الوضع الصعب الذى يعانى منه إقليم أصبح الاضطراب سمة أساسية له.
ولكن المواطن فى العالم كله، وليس فى مصر فقط، يبحث دائماً عن الخدمات ومتطلبات الحياة مهما بلغت التحديات التى تواجه دولته.
ومن هنا كانت استجابة الرئيس عبدالفتاح السيسى لصوت الشارع بضرورة إجراء تغيير حكومى شامل وليس مجرد تعديلات قليلة على بعض الوزارات.. نفس الشارع المصرى الذى انحاز له الرئيس فى 3 يوليو 2013.. انحاز له مرة أخرى فى 2024 ليجرى أكبر حركة تغييرات حكومية على مستوى الوزراء والمحافظين ونوابهم، ليلبّى رغبة الشارع فى التغيير الحكومى وليضع أسساً علمية وموضوعية فى اختيار حكومة تلبى طلبات الناس واحتياجاتهم.
وما بين 3 يوليو 2013 و3 يوليو 2024 سنوات كثيرة من التحدى والصعاب والأمل والنجاح فى بناء دولة كانت شبه منهارة، لا أمل نهائى فى عودتها.. ولكنها عادت واستقرت وتفكر فى الغد وفى بناء مستقبلها.
(1)
فى الثالث من يوليو 2013، وقف الفريق أول عبدالفتاح السيسى، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى وقتها، وحوله عدد من الشخصيات الوطنية، الذين تحمّلوا مسئولية أمانة الوطن وقدّروا حجم الأوضاع الكارثية التى خلقتها سنوات الفوضى والغليان، وسنوات قبلها عانت الدولة من الضعف والشيخوخة، فانحازوا لجماهير الشعب الذين اختاروا الأمن والاستقرار وإعادة بناء دولتهم مرة أخرى.
هذه لحظة فارقة فى عمر تلك الأمة، كان فيها القرار منصبّاً لصالح الوطن، وتصدر المشهد رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، يعلمون علم اليقين بحجم التحديات التى تحيط بالوطن، فى وقت أراد فيه الجميع لمصر السقوط والتفكك والتقسيم كدول مجاورة كُسر شعبها وجيشها وغير قادرين على العودة بعد كل هذه السنوات.. لا يُهزم شعب أو دولة جيشها قوى.
سنوات بعد تلك اللحظة سارت سفينة الوطن خلالها فى بحر متلاطم من التحديات، تمسك فيها المصريون بوحدتهم حينما اشتدت عليهم الرياح العاتية، وإيمانهم فى الله وقدرة قيادتهم على إدارة دفة السفينة بدقة واقتدار، كانت الدافع للتحمل والصبر وتجرع الدواء المر من أجل الإصلاح والنهوض، والانتقال من حالة الفوضى والتهاوى التى كانت تعانى منها الدولة قبل الثلاثين من يونيو 2013، إلى دولة مستقرة، راسخة مؤسساتها، فى إقليم مضطرب، قادرة بوحدة شعبها على التصدى للفتن والإرهاب، ومتسلحة بالوعى فى طريق البناء والتنمية، ومحروسة بجيش يحمى أمنها القومى من التهديدات المحيطة حتى الآن وأنا أكتب هذه السطور.
(2)
ولأن لكل مرحلة تحدياتها ومتطلباتها، جاءت دلالة اختيار لحظة استثنائية أخرى هى الثالث من يوليو 2024، وبعد شهور من بداية الولاية الجديدة للرئيس عبدالفتاح السيسى، ليتم الكشف عن التغيير الشامل فى الدولاب الحكومى عبر حكومة جديدة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، وحركة محافظين هى الأكبر، فى رمزية لا تخطئها عين بأن رجال تلك المرحلة المنطلقين لاستكمال بناء الجمهورية الجديدة يستمدون عزيمتهم من روح ثورة الثلاثين من يونيو، متسلحين بتكليفات واضحة لرئيس الجمهورية ومنحازة للمواطن ورضاه، وحماية الأمن القومى للدولة فى ظل تغييرات كبرى تجرى على خريطة الجغرافيا السياسية.
ويتزامن التغيير مع تحديات جمة تنتظر الوزراء والمحافظين الجدد على الصُّعُد كافة، وتحدوهم آمال المصريين فى غد أفضل، خاصة أن هذا التغيير جاء شاملاً وتم الإعلان عنه بعد شهر من تكليف الرئيس السيسى لرئيس الوزراء بتشكيل الحكومة الجديدة.
وخلال تلك الفترة عقد الدكتور مصطفى مدبولى عشرات اللقاءات لاختيار كفاءات وطنية وخبرات كبيرة لتولى المسئولية، وهو اختيار قائم على عدة معايير، منها الكفاءة والخبرة، والمعرفة بالملفات الملقاة على عاتقهم، والقدرة على التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية، وامتلاك رؤية تتسق مع خطة الدولة للتنمية 2030، واستطاعة حل مشاكل المواطنين، واقتحام كافة القضايا بقوة وجرأة، والالتحام مع الجماهير والقدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة، والحفاظ على الأمن القومى للدولة المصرية.
إلى جانب ذلك، يأتى الوزراء والمحافظون الجدد محمّلين بتكليفات رئاسية واضحة، وآمال من المصريين، منها تحسين أوضاعهم المعيشية وامتلاك رؤية ثورية للإصلاح الاقتصادى، مع قدرة أكبر على التعامل بشفافية ووضوح مع الرأى العام فى كل القضايا الموكلة إليهم، وأن يكون المحافظ لديه القدرة على التعامل مع الشارع وتنمية محافظته واستثمار مقوماتها والنهوض بها فى إطار فلسفة الإدارة المحلية الجديدة، والعمل على ضخ دماء جديدة فى شرايين العمل التنفيذى.
التحديات كبيرة فى الملفات كافة أمام الوزراء والمحافظين الجدد، خاصة الاقتصادية، وتحتاج لقدرة مختلفة على التعاطى معها، ولا بدَّ أن يتزامن معها تغيير فى الأداء الحكومى والسياسات وعدم الوقوف عند الأشخاص فقط، وتحديد الأولويات طبقاً للظروف الراهنة، وإن كانت ثقتنا فى اختيارهم كبيرة إلا أنها مقيدة بالرقابة على أدائهم وقدرتهم على الإنجاز عبر أدوات الرقابة من قِبَل الرئيس والبرلمان، ومن قبلهما المواطن الذى يسعى الجميع لنيل «رضاه»، لأنه الغاية الكبرى لكافة المسئولين فى تلك الدولة.
ووفقاً لمعطيات اللحظة الراهنة، فإن هذا التغيير الذى يهدف لتحسين الأداء العام للدولة بضخ دماء جديدة، سيتزامن كذلك مع استكمال الإصلاح السياسى الذى بدأه الرئيس السيسى منذ سنوات، حيث سيكون من مهام تلك الحكومة تنفيذ توصيات الحوار الوطنى الذى صار بوتقة تجمع كل المصريين على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم على أرضية وطنية مشتركة، لا تعرف لغة المغالبة أو الإقصاء، وتدرك أن قوة هذه الأمة فى تنوعها، وتمنح الفرصة لتمكين الشباب.
إن هذا التغيير النابع من قناعة القيادة السياسية بحاجة الدولة له فى تلك المرحلة، يمنح فرصة لتقديم رؤى مغايرة وأساليب تظهر فيها الحكومة الجديدة أكثر استجابة ومرونة للعديد من القضايا الداخلية فى مختلف المجالات، خاصة المتعلقة بحياة الناس اليومية، ويأتى تجاوباً مع الشارع الراغب فى التغيير ووجود وزراء ومحافظين قادرين على تحقيق مبدأ التكامل فى الرؤى للاستجابة مع التحديات الراهنة، وتقديم خدمات أفضل وأرقى للمواطن، ورفع وتيرة الأداء فى المشروعات التنموية، وتعزيز اللامركزية والقضاء على البيروقراطية.
وفى النهاية، فإن هذا التغيير تأكيد فعلى على عدم انفصال القيادة السياسية عن نبض الشارع، والذى تُرجم فى كلمة الرئيس السيسى فى الذكرى الحادية عشرة لثورة الثلاثين من يونيو، حيث اعترف بجلاء بوجود التحديات، ومشاق الحياة وارتفاع الأسعار الذى يعانى منه المواطنون، مؤكداً للمصريين أن شغله الشاغل والأولوية القصوى للحكومة الجديدة هى «تخفيف تلك المعاناة وإيجاد مزيد من فرص العمل وبناء مستقبل أفضل لجميع أبناء مصر الكرام».